يبدو أن الرؤية قد اتضحت للكثيرين حول ضرورة تلقي جرعتي اللقاح لتفادي الإصابة بفيروس كورونا، لكن - مع الأسف الشديد - بعد أن طاحت الفأس بالرأس، فالحقيقتان الماثلتان أمامنا هما أن كل المصابين بالفيروس هم من فئة الأشخاص الذين لم يتلقوا أي جرعة، والأخرى أنه لم تقع أي إصابات بهذا الفيروس بين مَن تلقّوا جرعتي اللقاح.

أقول هذا، لأنّ عندي صديقا متعلما ومثقفا وله ابن طبيب، والاثنان يرفضان أخذ اللقاح، لاعتقادهما الخاطئ أنه لقاح غير مفيد وقد يضرّ ولا ينفع، لدرجة أنني أخبرته ذات مرة أنني ذاهب لتلقي الجرعة الثانية (كانت في نهاية يناير الماضي) ليقول لي باستهزاء: الله يعينك.. خلّنا نشوف شنو يصير فيك!

Ad

إحدى شقيقاتي أصيب زوجها بالفيروس، وهو من الناس الذين رفضوا تلقّي الجرعات، وحالياً يمرّ بمرحلة خطيرة، كما أن اثنين من أشقاء صديق عزيز، وهو من كبار رجالات "الداخلية"، مصابان بالفيروس، ولم تتحسن أحوالهما الصحية منذ أكثر من أسبوع.

هذه النوعية من المواطنين والوافدين من الذين رفضوا تلقي اللقاحات يعيشون بيننا ويخالطوننا، وهم لا يعرفون أنهم مصدر خطر على المجتمع بأكمله، وإذا كانت الحقيقة الطبية تقول إن من أخذ التطعيم قد لا يصاب بالفيروس، إلا أنه يبقى ناقلا له، فما بالك بمن لم يتلقّ أيّ جرعة؟

كان يجب على الدولة إبداء الشدة والصرامة والحزم بشأن تلقي الجرعات منذ بداية إعلان نيتها شراء اللقاحات، وأن تتدخل لوقف سيل الرسائل الإعلامية السلبية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي نفَّرَت الناس، وأسهمت في إقناع قطاع عريض منهم بعدم تلقي الجرعات، لحماية أنفسهم على الأقل من الإصابة، الأمر الذي ساعد على انتشار الوباء حتى ظهر جلياً في الأرقام المخيفة التي تنشرها وزارة الصحة حول الإصابات اليومية.

وفي المقابل، كان يجب على وزارة الصحة العامة توعية العامة باستخدام مختلف وسائل الاتصال بالجماهير لمواجهة الإعلام المضاد، ومحاربة الجهل بأهمية اللقاح، وهو جهل عمل على إضاعة جهود الدولة في القضاء على جائحة كورونا.

فمنذ أن بدأنا بعمليات التطعيم أظهرت الدولة نفسها وكأنها مترددة ليس في مواجهة الإعلام المضاد فحسب، وإنما في إقناع المواطنين والمقيمين بجدوى تناول جرعات اللقاح أيضاً. ولهذا عُدنا إلى نقطة الصفر أو المربع رقم واحد، فزادت حالات الإصابة، و"كأنك يا بو زيد ما غزيت"، وكأنك لم تعمل بمضمون الحديث الشريف:

عن النُّعْمانِ بنِ بَشيرٍ رضي اللَّه عنهما، عن النبيِّ ﷺ قَالَ: "مَثَلُ القَائِمِ في حُدودِ اللَّه، والْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَومٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سفينةٍ، فصارَ بعضُهم أعلاهَا، وبعضُهم أسفلَها، وكانَ الذينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا في نَصيبِنا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا. فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرادُوا هَلكُوا جَمِيعًا، وإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِم نَجَوْا ونَجَوْا جَمِيعًا" (رواهُ البخاري).

● يوسف عبدالكريم الزنكوي