رغم أن الكويت أول دولة في العالم قامت بتشغيل محطات التحلية لإنتاج مياه الشرب عام 1951، فإنها من أخريات الدول التي تستخدم تقنيات متطورة في هذه المحطات.

وكانت الكويت أنشأت محطة صغيرة لتقطير مياه البحر بطاقة إنتاجية قدرها (80000) جالون يومياً في ميناء الأحمدي عن طريق شركة نفط الكويت، فهل بإمكانها اليوم أن تواكب العالم المتقدم المتطور أم أن شبح شح المياه يقيم مع كل كويتي؟!

Ad

وبحسب منظمة الصحة العالمية فإنه بحلول عام 2025 سيعيش نصف سكان العالم في مناطق تعاني نقص المياه، ولن تتخطى نسبة المياه العذبة الصالحة للشرب والزراعة 3 في المئة رغم أن المسطحات المائية تغطي 71 في المئة من سطح الأرض.

ولعل أصعب تحدٍّ يواجه الإنسان هو ندرة المياه، وعلى مر التاريخ كان الناس يستوطنون عند البحار والأنهار والينابيع، فأي مصدر للمياه كفيل بالعيش واستمرارية الحياة، وسكان الكويت ليسوا استثناء، وكما كان شح المياه يمثل رعبا ينمو في نفوس السكان مازال هذا الهاجس موجوداً، فالأزمات المائية تنمي هذا الشعور، وبحسب قانون العرض والطلب فإن قلة المياه سترفع سعرها، لذلك يشجع بعض الاقتصاديين على الاستثمار في المياه، فالعذبة منها ستصبح سلعة باهظة الثمن في المستقبل القريب.

وذكر البنك الدولي "أن بعض المناطق ستشهد انخفاضاً في معدلات نموها بنسبة تصل إلى 6 في المئة من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2050 نتيجة للخسائر المرتبطة بالمياه في الزراعة والصحة والدخل وتحقيق الرخاء"، خصوصاً أن عدد السكان في ازدياد، في حين قال عالم الاقتصاد مالتوس في مصيدته المالتوسية: "إن قدرة الإنسان في التناسل أكبر وأسرع من قدرة الأرض على الإنتاج"، مضيفا أن الزيادة في الموارد الطبيعية بطيئة (12,10,8,6,4,2)، بينما الزيادة في عدد السكان، بنسبة هندسية، سريعة (64,32,16,8,4,2... إلخ)، وحول هذا الموضوع استطلعت "الجريدة" آراء بعض الخبراء في هذا الشأن، وفيما يلي التفاصيل:

بداية، قال مساعد الوكيل لقطاع المشاريع في وزارة الكهرباء والماء مهندس حمود الروضان، ان «الكويت من الدول الفقيرة في المصادر المائية، وهذا سبب اعتمادنا على إنتاج المياه العذبة من البحر بنسبة 100 في المئة، كما نستخدم المياه الجوفية بشكل جزئي لإنتاج هذه المياه، ويتم خلط ومزج المياه المقطرة المنتجة من المحطات بالمياه قليلة الملوحة لإنتاج (العذبة)، وذلك بسبب التكاليف العالية لإنتاجها من محطات التقطير، التي تستنفد الكثير من مدخرات الدولة».

وأضاف الروضان أنه «في الوقت الحالي لا نعاني أي مشكلة لأن السعات الإنتاجية في المحطات تفوق نسبة الاستهلاك، وبناءً على الدراسات والخطط الاستراتيجية الموضوعة لبناء المحطات فمن المتوقع خلال 10 سنوات قادمة أن تسير الكويت في الطريق الصحيح، ولن تعاني نقصا في المياه»، لافتا إلى ان سنة 2020 كانت ذروة الاستهلاك، إذ وصلت إلى 480 مليون غالون امبراطوري يوميا، وهذا أعلى من المعدل بحدود 450-460، والقدرة الإنتاجية في الوقت الحالي بحدود 625.

مشاريع الوزارة

وقال الروضان إن «مشروع شمال الزور -المرحلة الثانية والثالثة- في طور الدراسة، والذي يخصص له نحو 135 مليون غالون، كما نعمل على محطتي الخيران ونويصيب، وكل هذه المشاريع تدخل في الخدمة حسب الحاجة، وكوزارة الكهرباء والماء، بالتعاون مع الجهات المختصة، نقوم بدراسة الطلب على المياه، ومستعدون للمستقبل بتوفير المياه عن طريق محطات التحلية، وهذه الدراسة بناء على نسبة تزايد الطلب على الاستهلاك، والتطور العمراني سواء في المدن السكنية أو المناطق الصناعية، فجميعها مدروسة ومحسوبة ومأخوذة بالاعتبار على الكميات المطلوبة، وبناء على ذلك نضع الخطط من أين نأتي بالمياه؟ ومن أي محطة».

الاستثمار في الخليج

وأضاف الروضان، ان «الربط المائي» لدول مجلس التعاون الخليجي مشروع يضمن توفر المياه في دول المجلس على المدى البعيد، ومازال في طور الدراسة، فقد تم التطرق إليه في السابق، ومازال تحت الدراسة، حيث تمت إعادته إلى الطاولة في مؤتمر الخليج الثالث عشر للمياه «التحديات والحلول المبتكرة»، الذي عقد في دولة الكويت في الفترة 12 إلى 14 مارس 2019.

تقنيات حديثة

وذكر أن توريد المياه من الخارج أمر حساس، لذلك يجب الاعتماد الذاتي في إنتاج المياه، سواء من تحلية مياه البحر أو الاستفادة من مكامن المياه الجوفية. نعتمد في الكويت على عدة تقنيات في إنتاج المياه العذبة، ونستخدم تقنية التناضح العكسي، وتقنيات التقطير والتحلية، ولا خوف من المستقبل، فلدينا خطط طوارئ، ومستعدون للتعامل مع أي نقص يحصل في المستقبل، سواء على المدى الطويل أو القصير.

وأنهى الروضان حديثه بتوجيه نصيحة بيئية اقتصادية، قائلا «الماء هو عصب الحياة، ولأن هدره في الكويت سببه قلة الوعي، لذا نقوم بحملات توعوية بأهميته، وضرورة الترشيد والمحافظة عليه، لاسيما أن نسبة استهلاك الفرد في الكويت من أعلى نسب الاستهلاك في العالم، فالمواطن يدفع قيمة الاستهلاك بسعر رمزي، والحكومة تدفع البقية، ألف غالون تصل تكلفتها إلى 10 دنانير مع تفاوت السعر حسب سعر النفط، إلا أن المستهلك يدفع 800 فلس فقط.

أبحاث جديدة

من ناحيته، قال القائم بأعمال المدير التنفيذي لمركز أبحاث المياه بمعهد الكويت للأبحاث العلمية الدكتور محمد فهد الراشد، إن دور المعهد توفير أبحاث جديدة وترشيح تقنيات جديدة متطورة لاستهلاك أقل وإنتاجية أكثر بتكلفة منخفضة، فالمعهد أداة استشارية وبحثية للجهات المسؤولة عن إنتاج المياه مثل وزارة الكهرباء والماء، ووزارة الأشغال، والهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية، وجميع هذه الجهات نساندها في أبحاثنا لتطوير الموارد المائية.

وأضاف الراشد «في الكويت سياستان لإدارة الموارد المائية، الأولى سياسة «إدارة العرض»، وهي عبارة عن زيادة العرض عن طريق بناء محطات، حفر آبار (المزارع)، وهذه السياسة تكلف الدولة، لأن إنتاج المياه يتم عن طريق الوقود الأحفوري، وبالتالي استهلاك أكثر في الميزانية لإنتاج المياه في الكويت، في حين أن السياسة الأخرى «إدارة الطلب» غير مستغلة بشكل صحيح، وهي عبارة عن ترشيد الطلب عن طريق بعض التقنيات، على سبيل المثال، تقنيات تنتج المياه بتكلفة أقل وإنتاج أكثر».

ولفت إلى أن الترشيد يكون عن طرق متعددة، على سبيل المثال، نظام الشرائح وتوجيه المصدر المناسب للاستهلاك المناسب، فنظام الشرائح يستخدم في الكثير من الدول، وهو نظام يقوم على دفع المستهلك مقابل للمياه، ولأن إنتاج المياه مكلف على الدولة، لذا يجب أن يتحمل المواطن جزءاً من التكلفة، ونظام الشرائح منظم وعادل، وسيساعد في توفير الكثير على الدولة.

وأشار الراشد إلى دراسة قاموا بعملها في معهد الكويت للأبحاث، حيث تبين أن الاستهلاك خارج البيت – الأحواش والحديقة وغسل السيارات – أكثر من الاستهلاك الداخلي، لذا يرون استبدال مياه التحلية بمياه صليبية معالجة متطورة لا تسبب ضررا على الإنسان، وهذا سيساعد في انخفاض استهلاك مياه التحلية بشكل كبير، وأيضا بالمزارع يتم استخدام المياه الصليبية المعالجة التي ستوفر الكثير من المياه الجوفية التي هي المياه الوحيدة الطبيعية في الكويت.

تحديات مائية

وقال الراشد إن الكويت تواجه العديد من التحديات في الموارد المائية «المحدودة» بها، تنقسم إلى تحديات مالية اقتصادية، وبيئية، وإدارية، لافتاً إلى أن التحديات المالية الاقتصادية تعرقل الاستمرار في تطوير محطات تحلية جديدة، لاسيما أن سواحل الكويت محدودة وغير كافية، وحتى إذا حاول القطاع الخاص الاستثمار في المحطات، فهو لا يستطيع، إذ يحتاج أن يستثمر في محطات حديثة، والكويت لديها نقص في ميزانية المحطات، والحل في استخدام مخرجات الأبحاث الحديثة.

وذكر أن التحديات البيئية تتمثل في الاستمرار في إنتاج مياه التحلية بنفس التقنيات ونفس الوقود، إذ وقعت الكويت معاهدات عالمية في هذا الشأن، وبالتالي يجب أن نتحول من الوقود الأحفوري إلى الوقود الصديق للبيئة (الطاقات البديلة)، فالعالم يتوسع في هذا المجال ويجب أن نأخذ هذا المنحنى بشكل جدي.

وأوضح ان التحديات الإدارية تتمثل في تطبيق نظام الشرائح أو أي نظام مطور، فالوزارة أو الجهة المسؤولة عن المياه في الكويت لديها نظام الشرائح ولكنه غير كامل، ويحتاج إلى تطوير، والنظام عادل ولن يتأثر به الشخص الذي يستهلك مياها بشكل طبيعي، ولكن الشخص الذي يسرف في استهلاكها.

وذكر الراشد أن المشكلة في الكويت هي مشكلة إدارية، «إذ لدينا أكثر من جهة تدير الموارد المائية: وزارة الكهرباء والماء ووزارة الأشغال والهيئة العامة للشؤون الزراعية والثروة السمكية، والهيئة العامة للبيئة، وكل هذه الجهات لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالمياه»، مبيناً أن كل وزارة وكل هيئة تعتقد أنها المسؤولة عن المياه وبالتالي تدير الموارد المائية بدون تنسيق مع الجهات الأخرى، وعليه يكون هناك هدر للمياه، والحل إنشاء هيئة تجمع كل هذه الجهات أو مجلس أعلى للمياه ينظم العلاقة ما بين الجهات بحيث يكون هناك إدارة أفضل للمياه.

ارتفاع عدد السكان

وأوضح أنه «في الوقت الحالي لدينا مخزون استراتيجي يكفي للزيادة السكانية الحالية، لكن في المستقبل، لا بد من استخدام إدارة الطلب وتطوير التقنيات من خلال مخرجات البحث العلمي، فلا مياه كافية في المستقبل في مواجهة الاستهلاك الحالي»، مبيناً أن نظام التحصيل في تطوير ولكن يحتاج أن يكون أكثر مرونة، «وحاليا نتلمس آثار العدادات الذكية ولكن نحتاج أن تكون أكثر فاعلية».

وتابع: «نتصدى لزيادة عدد السكان وكمية المياه الحالية عن طريق مشروع تجريبي بدأنا به مع وزارة الكهرباء والماء في منطقة كبد والنتائج كانت مشجعة، على أمل أن تقوم الوزارة باعتماده، وهو مشروع لتخزين المياه العذبة في مكامن المياه الجوفية، إذ يتم استخدام المياه المعالجة والمتطورة باستخدام الأغشية لمخرجات المياه العذبة كتحليل المياه وتخزينها عن طريق الآبار»، لافتاً إلى أن عدة آبار لا تحتاج مساحة فوق الأرض فالماء سيتم تخزينه تحت الأرض، والتكلفة ستكون أقل من التخزين الأرضي، وهو مشروع لحالات الطوارئ ليحقق أمنا مائيا حقيقيا في الكويت، ومشروع استراتيجي للكويت لان تطبيق هذه التقنية موجودة في معظم دول مجلس التعاون.

ارتفاع الطلب

من جانبها، قالت عضوة التدريس بقسم الهندسة الكيميائية د. خولة الشايجي: من المتوقع أن يرتفع الطلب على المياه بحلول عام 2035 إلى 840 مليون جالون امبراطوري يوميا، ولذلك وضعت «الكهرباء» خططها التنموية بما يتناسب مع الزياده المتوقعة، كما أنها تبذل مجهودا كبير لتحقيق أهدافها لتكون واقعا ملموسا يتواكب مع رؤية الكويت الجديدة 2035، ومن تلك المشاريع مشروع الدوحة للتناضح العكسي (المرحلة الأولى والثانية) ومشروع محطة الزور الشمالية (المرحلة الثانية والثالثة).

وأضافت الشايجي أن هناك العديد من التحديات التي تواجهها الكويت في مجال المياه، من أهمها ارتفاع معدل الاستهلاك والهدر مع التكلفة العاليه لإنتاج المياه، وبسبب الظروف المائية وندرة المياه الجوفية الطبيعية سيستمر اعتماد الدولة على تحلية مياه البحر في توفير المياه العذبة، مؤكدة أن هذا سبب كافٍ لمواصلة العمل على تطوير تقنيات تحلية وإنتاج المياه وتقليل التكلفة وتجنب الآثار البيئية السلبية المرافقة لعمليات التحلية وحرق الوقود.

البحث العلمي

وأشارت الشايجي إلى أهمية البحث العلمي، فهو القاعدة الأساسية التي تعتمد عليها خطة التنمية المستدامة ووضع الحلول للتحديات التي تواجه عملية إنتاج المياه في الدولة، «ولدينا العديد من المختصين في مجال المياه من أعضاء هيئة التدريس في كلية الهندسة والبترول (إدارة الموارد المائية - تقنيات التحلية - إنتاج - توزيع وغيرها)، كما تم تجهيز مختبرات الكلية بأحدث الأجهزة والمعدات البحثية، وخرجت العديد من طلبة الماجستير بهذا المجال، بالتعاون مع وزارة الكهرباء والماء وغيرها من الجهات، من خلال التعاون البحثي وتبادل المعلومات والبيانات والنتائج بين الوزارة والجامعة»، مبينة أن النهوض بالبحوث التطبيقية وتطبيق مخرجاته يعتبر من الضرورات لتحقيق رؤية الكويت 2035.

الطاقة المتجددة

من جهته، ذكر الرئيس التنفيذي لشركة الروضتين لتعبئة المياه عادل البدر أن مشكلة المياه عالمية، والحرب القادمة ستكون على المياه، وخير مثال ما يحصل الآن بين مصر واثيوبيا والسودان، وعلى الجميع الاعتراف بوجود مشكلة ليتم حل المسألة، وفي الكويت كنا نعاني من أزمة مياه، وكان الحل من خلال مضخات التحلية وحتى الآن الحل مستمر.

وأكد أن محطات التحلية تحل عجوزات المياه، لكن تكلفتها كبيرة على اقتصاد الكويت، كونها تستهلك مداخيل النفط، والحل الأمثل في هذا الوقت هو التوجه إلى الطاقة المتجددة المستدامة، «ونحن في الروضتين نسير في طريق التحول إلى الطاقة المتجددة والمستدامة لتشغيل مصانعنا، ومن المحتمل أن ينتج البرنامج 2000 كيلوات لسنة 2022»، مضيفا: «صحيح أن الدعم الحكومي موجود – تكلفة المصانع 3 فلوس فقط - لكن من الأفضل أن نفكر في المستقبل لصد أي أزمة قادمة، فالطاقة المتجددة هي التي ستخلق لنا النمو».

الاستثمار في المياه

وأضاف البدر أن الصناديق السيادية في أوروبا وأميركا تتضمن مشاريع البنية التحتية، لأن الاستثمار في المياه مكلف، ويندرج تحت مشاريع البنية التحتية، لذلك فإن شركات القطاع الخاص لا تستطيع تحمل المشروع بمفردها.

وشدد على أن الحل يكمن في صناديق البنية التحتية التي تكون ممولة أو مدعومة من قطاع خاص وجهات حكومية لفترة زمنية معينة، إذ يوضع مبلغ في الصندوق لدعم القطاع الخاص لبناء البنية التحتية، ثم تبدأ الشركات في بيع المياه للدولة، التي تمول فقط ثم تسترد مالها بعائد، والقطاع الخاص عندما يقوم بالمشاريع الكبيرة سيكون العائد بنسبة ويبيع للدولة، والأخيرة تبيع للمواطن، والحل مناسب جدا للدولة لسرعة الإنجاز وتنظيم المشاريع.

● حصة المطيري