اليوم طال التحديث كل مناحي الحياة هنا، ولا أقصد التحديث التنموي طبعاً، فهذا عمل مؤسسات لا أفراد، بل أقصد التحديث التكنولوجي بأدوات الفرد العادي، أي التحديث الذي نسير معه على قاعدة "مكره أخاك لا بطل"، ينتج جوبز آيفونه فنقتنيه لكي لا يجهل أحد علينا بجهازه الأحدث، ويطور غيتس مايكروسوفته فنستعمله لكي لا يلفظنا بحر الإنترنت على شواطئ الجهل، ويستبدل موسك محرك سياراتنا بالكهرباء فنقتنيها لنكشخ بها على البلاجات والسناب والإنستغرام لنصعق المتابعين بفخامتنا، ولكني أستغرب عدم وصول التحديث لأمثالنا الشعبية أيضا، كنوع من التحديث الثقافي المواكب للتحديثات التكنولوجية، فالمفروض أننا مجتمع حي، والحي كما يفترض يتفاعل مع كل شيء حتى أمثاله الشعبية، فزمان الماضي له أحكامه وظروفه وزماننا أيضاً، ولا يصح أن نقول اليوم أمثال الأمس بمصطلحاتها ذاتها بدون تغيير، خصوصا أن بعض المصطلحات حاليا تستحق أن تترقى وتحل محل مصطلحات الأمس المستهلكة!

وكمثال قول القائل "اقبض من دبش" كل تصريح حكومي أو وعد انتخابي أو بشارة خبر عاجل يستطيع أن يحل مكان مصطلح (دبش) ليحال إلى التقاعد ويرتاح بعد خدمته الطويلة في إدارات أمثالنا الشعبية، نستطيع القول وبكل أريحية "اقبض من تصريح الحكومة" أو "اقبض من وعود النواب" وأيضاً "اقبض من عاجل السناب والتويتر"، وكل ما سبق سيؤدي دور (دبش) بدقة وبدون تغيير للمعنى، وكمثال آخر المثل الشعبي "بيض الصعو ينطرى ولا ينشاف"، المنتجات الصعوية القديمة هناك من يؤدي دورها وحالها حال الأستاذ (دبش) كالتصريحات الحكومية حول توفير طلبات الإسكان قبل أن يرتد للمواطن طرف إيجار شقته الشهري وتطوير التعليم والصحة لحرمان كوريا الجنوبية وفنلندا من المراتب الأولى واحتلالها مكانهما وتطوير البنية التحتية لتنافس مناطقنا طوكيو ونيويورك.

Ad

ووعود النواب أثناء الترشح للنيابة وبعده هي أيضاً بيض صعو عضوي وكامل الجودة ومربى في أرقى مزارع الصعو بالعالم، ومغذَّى بأجود أنواع العلف المصلحي والانتخابي، قانون العفو وتعديل قوانين المرئي والمسموع والمسيء وتغيير النظام الانتخابي و... و... إلخ، هي بيوض الصعو "تنطرى وما تنشاف"، وتستحق أن تريح الصعو وبيضه وتحيله على المعاش ليرتاح كحال المدعو (دبش)، ولأن الشيء بالشيء يذكر أيضاً هموم المواطن البسيط وتطلعاته وأحلامه و"هقاويه" تستطيع القيام بدور بيض الصعو، فكلها مثله تنطرى على البوديوم والمنابر والمانشيتات وما تنشاف عملياً إلا بدربيل منطق ومصداقية غير متوفرين حاليا، ولن يتوافرا قريبا إلا بمعجزة تجعل الوعي الشعبي كطائر الرخ ينبعث حياً من تحت رماد الغفلة.

أخيراً، شكراً لـ(دبش) وشكراً للصعو وبيضه وما قصرتم، وحان الوقت لترتاحا وترحلا بسلام عن أمثالنا الشعبية، فلدينا اليوم من يؤدي دوركما ويصل إلى درجة التلميذ الذي فاق أستاذه، وبيض الله صعوك يا زمان دبش.

● فالح بن حجري