يختلف ما يجري في فلسطين هذه المرة عن جميع ما جرى لها في العقود الماضية. فمنذ نكسة الـ 67 وما تلاها من نكسات كبيرة ومدمّرة، ولا سبيل للرجوع عن نتائجها على الأرض، يستيقظ العالم، من أقصاه إلى أقصاه، على قضية شعب، وقضية تحرّر وطني، وقضية فصل عنصري، وقضية إنسان يُنتزع من بيته على مرأى ومسمع من العالم، وقضية طائرات ببشر متوحشين يخاطبون أهل غزة: "أخلوا منازلكم! أمامكم أقل من دقيقة وسنقصف بنايتكم!"

نعم، كسب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بهدم بنايات كثيرة في غزة على رؤوس أهلها! ونعم، كسب بتشريد الآلاف من النساء والأطفال والشيوخ! ونعم، كسب بقتل بعض "زعامات حماس"! ونعم، قتل جنوده بدم بارد الفلسطينيين في الشوارع والقرى! ونعم، نفّس عن حقد نفسه الدفين تجاه الفلسطينيين! وربما نعم أيضاً، هو يحاول أن يضيف لرصيده الانتخابي! ونعم، ونعم، ونعم!

Ad

لكن، ما فات نتنياهو وأعوانه من زمرة القتل، في وزارتي الدفاع والداخلية، وفي الجيش والشرطة والمخابرات، والعصابات الصهيونية، ما فات هؤلاء أنهم، وفي حموة انكشاف حقدهم، ارتفعوا بقضية فلسطين، وعلَم فلسطين، والشاب الفلسطيني، والفتاة الفلسطينية، والطفل الفلسطيني، والرجل والمرأة العجوز، هم ارتفعوا بجميع هؤلاء ليكونوا رمزاً لقضية وطن وشعب، ولدى البشر على جميع سطح الأرض!

نعم، لقد نفّذت مواقع شبكة الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، عمليات قتالية بطولية، لم يكن نتنياهو يحسب حسابها! وها هو الإعلام الناعم يُثبت للعالم أنه أحد أعظم أسلحة الحاضر الإنساني.

فبواسطة المواقع الإلكترونية، وعن طريق كل ما يُبثّ في "تويتر، وفيسبوك، وإنستغرام، وسناب تشات" عاش العالم لحظات رعب إنسانية لا تُنسى، وشهِد العالم، نزعة الشر والتوحش التي تسكن صدور الصهاينة، وتعجّب العالم، ولم يزل يتعجب حتى لحظة كتابة هذه الكلمات، من قدرة مغتصب على ممارسة كل هذه الوحشية تجاه بشر يعيش بينهم، وهكذا هبَّ أحرار العالم، وإنسانيو العالم، وشباب العالم، ونساء العالم، وفتية العالم، هبَّ الجميع، من موسكو عبوراً بأوروبا، ووصولاً إلى سان فرانسيسكو، ومن أسكتلندا مروراً بالشرق الأوسط والدول العربية، حتى كيب تاون، هبَّ إنسانيو العالم في كل مكان يرددون اسم فلسطين، وينددون بالعدوان الإسرائيلي الهمجي والوحشي على الحبيبة فلسطين وعلى الشعب الفلسطيني الأبيّ!

في هذه الحرب وهذا القصف والقتل والتدمير الوحشي، انكشفت كذبة إسرائيل، وانكشف زيف الادعاء الصهيوني، وعلِم العالم، لأول مرة في تاريخ النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي وعرف حقيقة ما يجري على الأرض، وحقيقة التوحش الصهيوني، وعرف كيف يمكن لإنسان أن يهدم ويدمر ويقتل الإنسان بدم بارد، وكأنه يمارس هواية قميئة ولا إنسانية!

نعم، لقد أنصفت التكنولوجيا والإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، القضية الفلسطينية كما لم تُنصف منذ عقود! وأحيت وأجّجت الإنترنت ومواقع شبكات التواصل الاجتماعي حقيقة القضية الفلسطينية في عقول ونفوس وصدور جيل الناشئة والشباب العربي، بعد أن كادت تنطفئ!

وصار شباب الأمة العربية، من المحيط إلى الخليج لا حديث لهم إلا الحبيبة فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني!

الآن، والآن فقط، سيصعب على نتنياهو وزمرته من القتلة أن يرددوا كذبتهم بأنهم مُحاصرون من العرب، وأنهم يعيشون على حافة القتل، وأنهم يعانون توحُّش العرب! الآن، والآن فقط كشف العالم حقيقة المعتدي، وحقيقة التوحش الذي يسكن روح وعقل الصهاينة! والآن صارت القضية الفلسطينية، لأول مرة في التاريخ، قضية العالم، ونضال العالم، وضمير العالم، وحرب العالم، وإعلام العالم، وموضوع نقاشات العالم، وصارت هي الحدث العالمي بامتياز!

مؤكد أن نتنياهو وزمرته القاتلة، حسبوا حسابات كثيرة، لكن فاتهم أنهم بعدوانهم الأخير، قد رفعوا العلم الفلسطيني ليرفرف على كوكب الأرض!

الآن، والآن فقط، بدأت القضية الفلسطينية مرحلة الحلّ العالمي! والآن، والآن فقط أستطيع أن أقول بثقة كبيرة لأبنائي وأحفادي: فلسطين العربية السليبة سترجع! وسواء كان ذلك بحدود الـ 67، أو بغيرها، ففلسطين والقدس راجعة، وأكاد أجزم لكم!