في حكم قضائي بارز، ألغت الدائرة الإدارية في المحكمة الكلية برئاسة المستشار فهد المطيري وعضوية القاضيين أحمد حلاوة ومحمد عبدالعزيز الربيعة، قرار وزارة الداخلية السلبي بالامتناع عن تجديد جواز سفر لأحد المواطنين، إلا بعد سداد الغرامات المالية الصادرة بحقه للادارات التابعة للوزارة.

وقالت المحكمة، في حيثيات حكمها، ان القوانين واللوائح والقرارات خلت من الزام المواطنين بسداد الغرامات المالية الصادرة بحقهم، قبل تجديد جوازات السفر الخاصة بهم، لافتة الى ان ذلك الاجراء الذي قامت به «الداخلية» مخالف لأحكام الدستور، والتي تمنع قيد حرية تنقل المواطن.

Ad

قرار سلبي

وتتلخص وقائع الدعوى في ان المواطن رافع الدعوى صدرت عليه احكام بمبالغ مالية بصفته لا بشخصه، وقد تقدم للجهة الادارية المختصة بطلب تجديد جواز سفره، الا انها رفضت بزعم وجود احكام قضائية ضده.

وقالت إن محامي المدعي طلب إلغاء قرار الادارة السلبي بالامتناع عن استصدار وتجديد جواز سفر المتظلِّم مع أحقيته في استصدار وتجديد جواز سفره، وذلك في مواجهة المتظلم ضدهم، كما قدم حافظة مستندات طويت على صورة من حكم قضائي مقدم على سبيل الاستئناس، ومثلت محامية الحكومة وقدمت حافظة مستندات طويت على صورة ضوئية من كتاب مدير الادارة العامة للجنسية ووثائق السفر بما يفيد عدم الممانعة بتجديد جواز سفر المدعي في حالة قيامه بتنفيذ ما عليه من احكام قضائية، وكتاب المدير العام للادارة العامة لتنفيذ الأحكام بالوكالة يفيد بعدم وجود أمر منع من السفر مسجل على المدعي، وانه مسجل في حقه عدة قضايا محكومة بالغرامات المالية غير منفذة.

تعديل الطلبات

وأضافت أنها تشير تمهيدا لقضائها في الدعوى الى ان قضاء «التمييز» قد استقر على ان «للمدعي ان يعدل طلباته اثناء سير الخصومة بالاجراءات المعتادة لرفع الدعوى او بطلب يقدم شفاهة في الجلسة في حضور الخصم ويثبت في محضرها او بمذكرة أثناء نظر الدعوى، فاذا عدل المدعي طلباته على هذا النحو كانت العبرة في تحديد ما طرحه على محكمة اول درجة هي بطلباته الختامية في الدعوى لا بالطلبات التي تضمنتها صحيفة افتتاحها».

وأوضحت المحكمة أنه من المقرر في قضاء محكمة التمييز ان لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تكييف طلبات الخصوم وفهم الدعوى على حقيقتها، بما تتبينه من وقائعها، وأن تُنزل عليها وصفها الحق دون تقيد بتكييف الخصوم، ما لم تخرج عن وقائع الدعوى ولم تغير من مضمون طلبات الخصوم فيها.

ولفتت إلى ان المدعي يهدف طبقا للتكييف القانوني الصحيح لطلباته الختامية الى طلب الحكم بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار الاداري السلبي بالامتناع عن تجديد جواز سفره وتسليمه له مع ما يترتب على ذلك من آثار، مع إلزام الجهة الادارية بالمصروفات ومقابل اتعاب المحاماة وشمول الحكم بالنفاذ المعجل.

حرية شخصية

وحيث إنه عن شكل الدعوى، ولما كان القرار المطعون فيه من القرارات المستمرة، التي يجوز الطعن عليها طالما بقيت الحالة القانونية على وضعها لم تتغير، مما يتعين معه القضاء بقبول الدعوى شكلا.

ولفتت المحكمة إلى أنه، وعن دفع الجهة الإدارية بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري السلبي، فإنه «باستقراء نصوص دستور دولة الكويت فإن المادة (30) منه تنص على أن «الحرية الشخصية مكفولة» وتنص المادة (31) على أنه «لا يجوز القبض على إنسان أو حبسه أو تفتيشه أو تحديد إقامته أو تقييد حريته في الإقامة أو التنقل إلا وفق أحكام القانون».

وقالت إن مفاد هذين النصين أن المشرع الدستوري أعلى قيمة الحقوق والحريات العامة في دولة الكويت، ومنها حرية التنقل والإقامة، وأسبغ عليها حمايته ولم يجز تقييد أي منهما إلا إذا وجد نص قانوني يحد من هذه الحرية، ومن حيث إن المادة 17 من القانون رقم 11 لسنة 1992 في شأن جوازات السفر تنص على أن «تصرف الجوازات لمن يتمتعون بالجنسية الكويتية وفقا لأحكام قانون الجنسية المعمول به وقت إصدار الجواز»، كما تنص المادة (18) منه على أن «يكون طلب جواز السفر أو طلب تجديده على النماذج المعدة لذلك، ويقدم الطلب إلى الجهة المختصة حسب الأحوال». وتنص المادة 19 منه على أنه «يجوز لأسباب خاصة، بقرار من وزير الداخلية، رفض منح جواز السفر أو تجديده، كما يجوز سحب الجواز بعد إعطائه».

أسباب خاصة

وحيث إن مفاد هذه النصوص أن كل من يتمتع بالجنسية الكويتية بحق له التقدم بطلب منحه جواز السفر أو تجديده إلى الجهة الإدارية المختصة بمنح هذه الجوازات، باعتبار أن وثيقة جواز السفر هي المستند الرسمي الذي يخول حق التنقل خارج دولة الكويت، إعمالا لما كفله الدستور لكل مواطن يحمل الجنسية الكويتية، وأنه يتعين منح هذه الوثيقة لكل من توافرت فيه الشروط المتطلبة قانونا، إلا أنه استثناء من هذه القاعدة فإن المشرع قد منح وزير الداخلية، إذا ما قدر لأسباب خاصة، رفض منح جواز السفر أو تجديده كما خوله المشرع سلطة سحبه بعد إعطائه، على أن يكون ذلك بقرار منه دون سواه.

قرار مخالف

وأوضحت المحكمة: وحيث انه متى كان ما تقدم، وكان الثابت من الأوراق أن المدعي كويتي الجنسية، وقد صدر له جواز سفر وأنه تقدم بأوراق تجديد جواز سفره للجهة الإدارية، وإذ خلت الأوراق من دليل على صدور قرار من وزير الداخلية برفض تجديد جواز سفر المدعي، فإن امتناع الجهة الإدارية عن تجديد جواز سفره وتسليمه له يغدو غیر قائم على سبب صحيح، ويشكل على هذا النحو قرارا سلبيا مخالفا للقانون، ومن ثم وجب القضاء بإلغائه وما يترتب على ذلك من آثار أخصها تجديد جواز سفر المدعي وتسليمه له، وهو ما تقضي به المحكمة.

ولا ينال من ذلك ما ساقته الجهة الإدارية من أنه لا مانع لديها من تجديد جواز سفر المدعي في حال قيامه بتنفيذ ما عليه من أحكام قضائية، إذ إنه مقيد في حقه عدة قضايا حكم عليه فيها بغرامات مالية غير منفذة، فذلك مردود بأنه بافتراض وجود مثل تلك الأحكام وعدم قيام المحكوم عليه بتنفيذها، فإنها لا يمكن أن تتبع بتقييد حريته وممارسة حقوقه المكفولة له دستورياً، إلا وفقا للقانون، وإذ خلت النصوص القانونية واللوائح مما يمنع المحكوم عليه من تجديد جواز سفره وتسليمه له، وكانت الجهة الإدارية قد امتنعت عن إجابة المدعي إلى طلبه تجديد جواز سفره وتسليمه له لهذا السبب، فإن مسلكها يشكل، كما انتهت إليه المحكمة، قراراً سلبياً مخالفاً للقانون، حقيقاً بالإلغاء.

وحيث إن المصروفات شاملة أتعاب المحاماة، فإن المحكمة تلزم بها الجهة الادارية لخسرانها الدعوى، عملا بحكم المادة 119/1 من قانون المرافعات.

حسين العبدالله