● كيف جاء دخولك للوسط الفني؟

Ad

- لم يكن لعائلتي علاقات بالوسط الفني، لكن المخرج الكبير السيد راضي كان جارا لعمتي التي كنت أزورها باستمرار، والعب مع أبنائها وجيرانهم من الأطفال، ووقتها كان وزني زائدا نسبياً مقارنة بالأطفال في نفس مرحلتي العمرية، وكان الراحل يعرف ابنة عمتي، وخلال هذه الفترة كان يبحث عن طفلة للمشاركة في عرض مسرح التلفزيون بعيد الطفولة "مصنع الشوكولاتة"، وتصادف مروره أكثر من مرة خلال لعبي مع الأطفال، وكان وزني الزائد سبب حماسه لاختياره وترشيحي من بين بقية الأطفال الذين شاهدهم، ووقتها كانت هذه العروض تلقى نسبة مشاهدة كبيرة، وهناك اهتمام بها من القائمين على التلفزيون، لتظهر العروض خاصة عروض الأطفال في المناسبات بأفضل صورة.

● ماذا عن موقف أسرتك؟

- والدي ووالدتي رحبا كثيراً باختياري، وشجعاني ليس على المسرحية فقط، ولكن أيضاً بعد ذلك بحضور برامج الأطفال والمشاركة فيها، وغيرها من الأعمال الفنية.

● هل تتذكرين أول مرة ذهبت فيها للمسرح كممثلة؟

- بالتأكيد، كان وقتها عمري نحو 3 سنوات ونصف فقط، وكنت موجودة وسط مجموعة كبيرة من الأطفال بمسرح الزمالك للتحضير للمسرحية الأولى "مصنع الشوكولاتة"، وهي بالأساس مأخوذة عن فيلم سينمائي، وقام ببطولتها ثريا حلمي، وأبوبكر عزت، وهالة فاخر، وأول زيارة لمسرح الزمالك الذي قدمت عليه المسرحية، ويومها أجريت اختبارات المسرحية.

● ألم يكن ترشيح المخرج السيد راضي كافياً؟

- ثمة أمور مرتبطة بالعرض وتفاصيله نفسها أراد التأكد منها، فكنت أقوم بدور فتاة اسمها بنفسج، تحب اللبان بكثرة، وخضعت لمجموعة اختبارات في التمثيل، إضافة إلى الصوت، لأن التقنيات المستخدمة وقتها كانت قائمة على وجود الميكروفونات في الأعلى، وبالتالي لا بدّ من أن يكون هناك صوت مرتفع عند الحديث، وغيرها من التفاصيل، وقبلت في الدور وقدّمت العرض بالفعل، فالأجواء كانت جميلة، وبالرغم من تعاملي مع أسماء كبيرة في الوسط الفني آنذاك، فإنني لم أجد صعوبة، على العكس كان العرض به ذكريات كثيرة إيجابية.

●ما هو أطرف موقف حدث معك خلال هذا العرض؟

- كان يفترض أن يقول الأستاذ أبوبكر عزت إحدى الجمل على المسرح، ثم أقوم بالرد عليه، لكنّه لم يقل جملته، الأمر الذي دفعني إلى الصمت والانتظار لحين حديثه بها، ومع صمته وسكوتي، وجّه لي الكلام لكي أقول النص الذي كنت أحفظه، فقلت له، لما تقول انت الجملة بتاعتك الأول، فكان من المواقف الكوميدية الطريفة، لأنني كنت أحفظ النص ولا أخرج عنه، بل ألتزم به بشدة، لكونها تجربتي الأولى في الوقوف على خشبة المسرح.

● هل أثر التمثيل ومشاركتك في برامج التلفزيون على دراستك؟

- لم يؤثر، لأني كنت متفوقة في المدرسة بشكل كبير، وأسرتي وضعت عقابا لتأخر التفوق، هو التوقف عن التمثيل، الأمر الذي جعلني أحرص على التوفيق بين المذاكرة والأعمال التي كنت أشارك بها، إضافة إلى أن مسرحيات التلفزيون لم تكن مجهدة بشكل كبير، بل على العكس كانت مريحة في تفاصيلها، ولم أشعر يوماً أنها تسببت في تعطيلي عن المدرسة.

● لكن شهرتك الحقيقية في الطفولة جاءت من خلال مسرحية "هالة حبيبتي" مع الفنان فؤاد المهندس.

- بالفعل، هذه المسرحية عرفني منها الجمهور وزملائي في المدرسة أيضاً، لأنّ بها أفيشات تم نشرها وإعلاناتها ملأت الصحف والشاشات وقتها، رغم أنها كانت تحديا بالنسبة لي، لأنها مسرحية قطاع خاص، وكان يفترض أن تستمر موسما كاملا، وتُعرض بانتظام، على العكس من تجاربي المسرحية الأخرى التي كانت تصور تلفزيونياً، وكان عمري آنذاك 5 سنوات فقط، وكنت أصغر طفلة موجودة على خشبة المسرح، وترشيحي لهذه المسرحية جاء من الفنان فؤاد المهندس الذي شاهدني خلال أحد العروض على مسرح التلفزيون.

● المسرحية كانت سبباً في أدوار سينمائية أيضا.

- بالفعل، خلال عرض المسرحية جاء لمشاهدتها المخرج الكبير حسين كمال، ووقتها كان يحضّر لفيلمه "قفص الحريم" مع شريهان وعزت العلايلي، وبالرغم من أنني لا أشبه شريهان شكلاً، فإنه اختارني لتقديم دور شريهان في طفولتها، وخلال هذه الفترة أيضاً رشحت للمشاركة في فيلم "المطاردة الأخيرة" مع ليلى علوي، فكانت المسرحية سبباً في أن أعمل بالسينما معها في التوقيت نفسه.

●قبل التطرق إلى تفاصيل التجارب الأخرى، حدثينا عن التعامل مع الفنان فؤاد المهندس في تصوير "هالة حبيبتي"؟

- الأستاذ فؤاد كان حريصاً على الاهتمام بكل التفاصيل خلال فترة البروفات بشكل كبير، وبالنسبة لي كان يطلب مني دائماً أن أرفع صوتي عند الحديث، لأنني قصيرة نسبياً والميكروفونات مرتفعة، ومن ثم ليصل صوتي للجمهور كنت أحتاج إلى رفع صوتي ليكون أعلى من الطبيعي بشكل كبير، بجانب تدريبات الرقص والاستعراضات التي كان يحرص على أن يكون الجميع ملتزما بها، وأتذكر تأكيداته المستمرة في البروفات على ضرورة التعامل باحترام مع بعضنا البعض كأطفال، إضافة إلى أهمية احترام المواعيد التي كانت مقدسة بالنسبة له، فلم يكن من المسموح أن يصل أي شخص بعد رفع الستارة على سبيل المثال حتى لو كانت مشاهده متأخرة في العرض، فالأستاذ فؤاد لم يكن يميز بين الأطفال المشاركين في المسرحية، فهو شخص دقيق للغاية في تعاملاته، وطالما تلتزم بمواعيدك، وتحفظ دورك ولا تثير مشكلات، فأنت بالنسبة له شخص مميز، وهذه الطريقة في التعامل استفاد منها كل المشاركين في المسرحية بلا استثناء.

● ماذا تتذكرين من الكواليس؟

- هذه المسرحية كانت طبيعتها مختلفة عن أي تجربة أخرى، ليس فقط بسبب ردود فعل الجمهور التي تشاهدها على الفور بخلاف السينما ومسرحيات التلفزيون التي كان يتم تصويرها، ولكن أيضاً لطول فترة عرضها، فكنّا نعيش كأسرة واحدة في كواليس العمل، وقضيت وقتا طويلا مع الأطفال المشاركين في المسرحية، وبقية فريق العمل، كما أنها غيّرت نظرتي للكلاب، لأنني كنت أخاف منها، لكن وجود الكلب "جعلص" واعتيادنا على اللعب معه جعلني لا أشعر بالقلق من الكلاب، وأستطيع التعامل معهم.

من المواقف الطريفة التي أتذكرها أنني نمت خلال عرض المسرحية في إحدى المرات بالكواليس، ووجدت أحد العاملين في المسرح يوقظني باستخدام عصاية ويدفعني على المسرح، وألقيت المشهد الذي كنت أحفظه بشكل تلقائي، فكانت هذه التجربة من المواقف التي لا أنساها.

● وبالنسبة لمشاهد الضرب التي كنا نشاهدها، هل كانت حقيقية؟

- بالفعل جميع المشاهد كانت واقعية جداً، لدرجة أن مدام ثناء يونس ضربها كان يترك أثرا في جسمي، بالتأكيد هي لم تكن تقصد ذلك، لكن من اندماجها في التصوير، خاصة أنني كان يفترض تعرّضي للضرب منها ومن الفنانة عايدة فهمي.

من المواقف الصعبة التي أتذكرها إصابتي بالحصبة خلال عرض المسرحية، وكان ذلك في التوقيت نفسه الذي بدأت فيه تصوير دوري في "فيلم قفص الحريم"، وأرسلت لي شريهان شوكولاته مكتوب عليها اسمي، وقام الأستاذ فؤاد المهندس بالاتصال بي للاطمئنان عليّ، وتوقّف عرض المسرحية ليومين من أجل الاطمئنان بأن بقية الأطفال لم يتعرضوا للعدوى مني.

● هل تتذكرين أجرك عن المسرحية؟

- والدتي كانت هي المسؤولة عن جميع تفاصيلي في المسرحية، وترافقني في كل ليلة، والأجر وقتها كان 100 جنيه في الموسم، ولم أكن أتحدث في هذا الأمر مطلقاً، ولا أتذكر أن أسرتي تحدثت فيه، فأنا كنت أحب التمثيل وهم شجعوني كثيراً على تقديم ما أحببته، لذا لم يكن موضوع الأجر عائقا أو سببا في الاعتذار أو قبول أي عمل.

● هل شعرت بفرق بين العمل في السينما والعمل في المسرح؟

- بالتأكيد، فالأفلام تأخذ وقتا لكي تُعرض ويشاهدها أعداد أكبر، كذلك رد الفعل عليها يتأخر لحين عرضها تلفزيونيا، لكن على المسرح تستقبل رد الفعل في وقتها، وهذا أهم ما يميّز المسرح من وجهة نظري.

● لماذا لم تشاركي في عروض المسرحية عندما قدّمت خارج مصر؟

- لم يكن الأمر مرتبطا بي بشكل رئيس، لكن بالشروط التي وضعت لسفر الأطفال مع الفرقة عند العرض بالخارج، وكان يفترض أن أسافر بمفردي، من دون والدتي، لكن عمري الصغير جعل والدتي ترفض سفري مع الفرقة، وهو أمر أتفهمه، فلم تكن والدتي تفارقني مطلقاً، وكان من الصعب أن أعتمد على نفسي بشكل كامل خلال فترة السفر، لاسيما أن والدتي كانت معي بشكل يومي في العروض بمصر، سواء بالقاهرة أو خارجها، وهذا الأمر تسبب في اعتذاري عن أعمال كثيرة بعد ذلك كانت تتطلب سفرا، سواء للخليج أو المغرب العربي، فوالدتي لم تكن تفارقني حتى التحقت بالجامعة لخوفها الشديد عليّ.

● انتشر مقطع فيديو لك أخيراً مع الإعلامي مفيد فوزي، تقومين بمداعبته، كيف وجدت هذا الفيديو بعد نحو 3 عقود من تصويره؟

- صدقني لم أكن أعرف اللقاء أو أتذكره، لكنني فوجئت به وبردود الفعل حوله من الجمهور، وهذا الأمر جعلني أشعر بالسعادة، رغم ابتعادي عن التمثيل منذ فترة طويلة.

● ماذا بعد تجربة "هالة حبيبتي"؟

- المسرحية كانت سببا في أن يتعرف عليّ صناع الفن بتلك المرحلة، وشاركت خلال تلك الفترة بعدد من المسلسلات والسهرات التليفزيونية التي عُرض بعضها في مصر والخليج، وعرض البعض الآخر في الخليج فقط، إضافة إلى تجارب مسرحية متعددة من بينها "سرايا المجانين"، التي شاركت فيها مع هالة فاخر، لكن النقلة الكبيرة بالنسبة لي كانت في فوازير "فرفشة"، التي قدّمتها مع صابرين، فكانت تجربة مختلفة وحققت نجاحا كبيرا، وعلاقتي مع صابرين كانت مميزة على المستوى الشخصي، وسعدنا بالنجاح الذي حققته التجربة في التلفزيون آنذاك، حيث قدمت على موسمين.

● وبالنسبة للبرامج التلفزيونية.

- من البرامج التي شاركت فيها "البرلمان الصغير"، وهو برنامج كان يعرض لفترة طويلة على شاشة التلفزيون المصري ونقدّمه من على خشبة المسرح، وكنت اقوم بدور المعارضة، وهذا البرنامج حقق لي انتشارا كبيرا، خاصة مع استمرارية عرضه بانتظام على الشاشة.

● ما الصعوبات التي واجهتك خلال تلك الفترة؟

- الصعوبات كانت مرتبطة بضرورة حفاظي على تفوّقي في المدرسة، كما ذكرت لك، خاصة في الفترة التي عملت فيها بين السينما والمسرح بنفس الوقت بجانب برامج التلفزيون، فضلاً عن بُعد منزلي عن موقع التصوير في وسط القاهرة، حيث كنت أقيم في حي مدينة نصر، وكنت أستغرق مع والدتي وقتا للوصول إلى موقع التصوير بجانب الشنط الخاصة بالملابس والإكسسوارات وغيرها من التفاصيل الخاصة بما أظهر به أثناء التمثيل، فهذه الفترة من حياتي كانت جميلة للغاية، وأعتبر نفسي عشت طفولة سعيدة، لأنّ ميزة أن تكون طفلا معروفا ومحبوبا لا تتوافر للكثيرين، وكنت أشعر بسعادة خاصة عندما أجد أخباري في المجلات الفنية مع صوري.

● هل كانت هناك مشاهد صعبة في الأعمال التي اشتركت فيها؟

- بحكم أنني أقدم دور طفلة لم تكن هناك مشاهد صعبة كثيرة، لكن هناك مشهد لا أنساه خلال تصوير مسلسل "تزوج وابتسم للحياة" مع الفنان سمير غانم، ويفترض في هذا المشهد أنني أتعرّض للدهس من البلدوزر، وهو مشهد لم يكن سهلاً في تفاصيله وطريقة تصويره.

● كيف ترين تجربتك الآن بعد ابتعادك فترة طويلة؟

- أعتبر نفسي محظوظة بالعمل مع أجيال مختلفة من الفنانين والمخرجين، وتعاملي كطفلة ساعدني كثيراً على الضحك والهزار معهم خارج التصوير، ودائما ما كانوا يحملون هدايا لي في الكواليس، وأشكر أسرتي التي ساعدتني في هذه الخطوة، فلولاهم لما استطعت أن أشترك في أي عمل فني.

● متى اتخذت قرار الابتعاد عن التمثيل؟

- لم أتخذ قرارا بالابتعاد عن التمثيل، لكنني كنت أعمل حتى المرحلة الثانوية، وآخر عمل قدّمته كان مسلسل "بلاد الناس اللي بتضحك" مع المخرج يحيى زكريا، وبعد الانتهاء من الثانوية كان المسار الطبيعي أن التحق بأكاديمية الفنون، وقدّمت في هذا العام، وكنت برفقة ماهر عصام ونادر حسن، وتم استبعادنا جميعاً، رغم أننا كنا نعمل بالتمثيل منذ طفولتنا، ووجهة النظر وقتها أن من يعمل ليس بحاجة إلى الدراسة في المعهد، ووقتها زميلي أحمد عقل أخبرني بأن كلية الآداب في جامعة حلوان تفتتح قسما جديدا للمسرح، وأن رئيس القسم د. هاشم توفيق يريد مقابلتي، ومجموعي في الثانوية كان يسمح لي بالالتحاق بالكلية، وبالفعل قدّمت أوراقي وبدأت دراستي عن طريق الانتساب بالقسم، والمفارقة وقتها أن الأساتذة الذين لم يقبلوني بمعهد الفنون المسرحية هم أنفسهم الذين قبلوا أوراقي بقسم المسرح، وحصلت على تقديرات امتياز في سنوات الدراسة، وكنت أنوي بالفعل الاستمرار بالتمثيل، لكنني لم أسعَ في تلك الفترة، وعملت بشركة للمقاولات مدة 14 عاما، وتزوجت وأنجبت، والآن أرعى أبنائي.

هيثم عسران