توقفت شهرزاد في الحلقة السابقة، عندما اشتكى التجار للملك من مراوغة وتهرب معروف من سداد ديونه للتجار، وقالوا للملك، إنهم أعطوا معروفاً ستين ألف دينار من أجل التجارة، وكلما سألوه عن القافلة يقول لهم إنها في الطريق، ومحملة بكل أنواع الأقمشة وفصوص الذهب، وإنه سيعطيهم المثل مثلين، فطمع الملك في القافلة، وفي هذه الحلقة، يستشير الملك وزيره في أمر هذا التاجر، فينصحه الوزير بعدم التعامل معه، ويؤكد له أنه نصاب، ولكن الملك لايستمع لنصائح وزيره، ويطمع بقافلة معروف التي لم تأت بعد، وقال أزوجه ابنتي، وأحصل منه على حمولة القافلة كلها.

Ad

ولما كانت الليلة الرابعة والأربعون بعد السبعمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، أن الوزير لما قال للملك: ما أظنه إلا نصاباً، والنصاب قد أخرب بيت الطماع، قال له الملك: يا وزير أنا أمتحنه وأعرف هل هو نصاب أو صادق، فأنا أبعث إليه وأحضره عندي، وإذا جلس أكرمه وأعطيه الجوهرة فإن عرفها أو عرف ثمنها يكون صاحب خيرٍ ونعمٍ، وأن لم يعرفها فهو نصاب محدث فأقتله أقبح قتلةٍ.

اختبار

ثم أن الملك أرسل إليه وأحضره، فلما دخل عليه سلم عليه فرد عليه السلام وأجلسه إلى جانبه، وقال له: هل أنت التاجر معروف؟ قال: نعم قال له: إن التجار يزعمون أن لهم عندك ستين ألف دينار فهل ما يقولونه حق؟ قال: نعم قال له: لمَ لَم تعطهم أموالهم؟ قال: يصبرون حتى تجيء حملتي وأعطيهم المثل مثلين، وأن أرادوا ذهباً أعطيهم وإن أرادوا فضةً أعطيهم وإن أرادوا بضاعةً أعطيهم، والذي له ألفٌ أعطيه ألفين في نظير ما أستر به وجهي مع الفقراء، فإن ماعندي كثير، ثم أن الملك قال: يا تاجر خذ هذه وأنظر ما جنسها وما قيمتها، وأعطاه جوهرةً قدر البندقة، كان الملك اشتراها بألف دينار،ٍ ولم يكن عنده غيرها وكان مستعزاً بها، فأخذها معروف بيده وفرك عليها بالإبهام والشاهد فكسرها، لأن الجوهرة رقيقةٌ لا تتحمل، فقال له الملك: لأي شيء كسرت الجوهرة؟، فضحك وقال: يا ملك الزمان ما هذه جوهرةٌ هذه قطعة معدن تساوي ألف دينار، كيف تقول عليها أنها جوهرة؟، إن الجوهرة يكون ثمنها سبعون ألف دينارٍ، وإنما يقال على هذه قطعة معدن، والجوهرة ما لم تكن قدر الجوزة لا قيمة لها عندي ولا أعتني بها، كيف تكون ملكاً وتقول على هذه جوهرة وهي قطعة معدنٍ قيمتها ألف دينارٍ؟، ولكن أنتم معذورون لأنكم فقراء، وليس عندكم ذخائر لها قيمتها، فقال له الملك: يا تاجر هل عندك جواهر من الذي تخبرني به؟ قال: كثيرٌ فغلب الطمع على الملك فقال له: هل تعطيني جواهر صحاحاً؟، قال له: حتى تجيء الحملة أعطيك كثيراً، ومهما طلبته فعندي منه كثير وأعطيك من غير ثمن، فخرج الملك وقال للتجار: إذهبوا إلى حال سبيلكم واصبروا عليه حتى تجيء الحملة ثم تعالوا خذوا مالكم مني وراحوا، هذا ما كان من أمر معروف والتجار. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

الملك والوزير

وفي الليلة الخامسة والأربعين بعد السبعمئة، قالت شهرزاد: وأما ما كان من أمر الملك، فإنه أقبل على الوزير وقال له: لاطف التاجر معروفاً وخذ وأعط معه في الكلام، وأذكر له ابنتي حتى يتزوج بها ونغتنم هذه الخيرات التي عنده، فقال الوزير: يا ملك الزمان إن حال هذا الرجل لم يعجبني وأظن أنه نصابٌ وكذابٌ، فأترك هذا الكلام لئلا تضيع ابنتك بلا شيء، وكان الوزير سابقاً طلب من الملك أن يزوجه البنت وأراد زواجها له، فلما بلغها ذلك لم ترض، ثم أن الملك قال له: يا خائن أنت لا تريد لي خير لأنك خطبت ابنتي سابقاً ولم ترض أن تتزوج بك، فصرت الآن تقطع طريق زواجها، ومرادك أن ابنتي تبور حتى تأخذها أنت، فاسمع مني هذه الكلمة ليس لك علاقة بهذا الكلام، كيف يكون نصاباً أو كذاباً مع أنه عرف ثمن الجوهرة مثلما اشتريتها به، وكسرها لأنها لم تعجبه، وعنده جواهر كثيرةً، فمتى دخل على ابنتي يراها جميلة فتأخذ عقله ويحبها ويعطيها جواهر وذخائر، وأنت مرادك أن تحرم ابنتي وتحرمني من هذه الخيرات، فسكت الوزير وخاف من غضب الملك عليه.

معروف والوزير

وقال الوزير في نفسه: أغر الكلام على البقر ثم ميل على التاجر معروف، وقال له: إن حضرة الملك أحبك وله بنت ذات حسن وجمال يريد أن يزوجها لك فما تقول؟، فقال: لا بأس ولكن يصبر حتى تجيء حملتي، فإن مهر بنات الملوك واسعٌ ومقامهن أن لا يمهرن إلا بمهر يناسب حالهن، وفي هذه الساعة ما عندي مال، فليصبر علي حتى تجيء حملتي، فالخير عندي كثير ولا بد أن أدفع صداقها خمسة آلاف كيسٍ، وأحتاج إلى ألف كيسٍ أفرقها على الفقراء والمساكين ليلة الدخلة، وألف كيسٍ أعطيها للذين يمشون في الزفة، وألف كيسٍ أعمل بها الأطعمة للعساكر وغيرهم، وأحتاج إلى مئة جوهرة فأعطيها للملكة صبيحة العرس، ومئة جوهرة أفرقها على الجواري والخدم، فأعطي كل واحدةٍ جوهرةً تعظيماً لمقام العروسة، وأحتاج إلى أن أكسو ألف عريانٍ من الفقراء، ولا بد من صدقاتٍ وهذا شيء لا يمكن إلا إذا جاءت الحملة فإن عندي شيئاً كثيراً، وإذا جاءت الحملة لا أبالي بهذا المصروف كله.

توبيخ الوزير

فراح الوزير وأخبر الملك بما قاله، فقال الملك: حيث كان مراده ذلك كيف تقول عنه أنه نصاب كذاب؟، قال الوزير: ولم أزل أقول ذلك، ففزع فيه الملك ووبخه وقال له: وحياة رأسي أن لم تترك هذا الكلام لقتلتك فأرجع إليه وهاته عندي وأنا مني له أصطفي، فذهب إليه الوزير وقال له: تعال كلم الملك، فقال سمعاً وطاعةً ثم جاء إليه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

زواج ابنة الملك

وفي الليلة السادسة والأربعين بعد السبعمئة، قالت شهرزاد: قال الملك لمعروف: لا تعتذر بهذه الأعذار فإن خزنتي ملآنةً فخذ المفاتيح عندك وانفق جميع ما تحتاج إليه، وأعط ما تشاء، واكس الفقراء، وافعل ما تريد، وما عليك من البنت والجواري، وإذا جاءت حملتك فأعمل مع زوجتك ما تشاء من الإكرام، ونحن نصبر عليك بصداقها حتى تجيء الحملة، وليس بيني وبينك فرقٌ أبداً، ثم أمر شيخ الإسلام أن يكتب الكتاب، فكتب كتاب البنت على التاجر معروف، وشرع في عمل الفرح وأمر بزينة البلد، ودقت الطبول ومدت الأطعمة من سائر الألوان، وأقبلت أرباب الملاعب وصار التاجر معروف يجلس على كرسي في مقعدٍ، وتأتي قدامه أرباب الملاعب والشطار والجنك وأرباب الحركات الغريبة والملاهي العجيبة، وصار يأمر الخازندار ويقول له: هات الذهب والفضة، فيأتيه بالذهب والفضة وصار يدور على المتفرجين ويعطي كل من لعب بالكبشة، ويحسن للفقراء والمساكين ويكسوا العريانين، وصار فرحاً عظيماً، وما بقي الخازندار يلحق أن يجيء بالأموال من الخزنة، وكاد قلب الوزير أن ينفقع من الغيظ، ولم يقدر أن يتكلم، وصار التاجر علي يتعجب من بذل هذه الأموال، ويقول للتاجر معروف: الله والرجال على صدغك أما كفاك أن أضعت مال التجار حتى تضيع مال الملك؟، فقال التاجر معروف: لا علاقة لك، وإذا جاءت الحملة أعوض ذلك على الملك بأضعافه، وصار يبذر الأموال ويقول في نفسه: كبةٌ حاميةٌ الذي يجري علي يجري والمقدر ما منه مفر.

زفة العروس

ولم يزل الفرح مدة أربعين يوماً، وفي ليلة الحادي والأربعين عملوا الزفة للعروسة، ومشى قدامها جميع الأمراء والعساكر ولما دخلوا بها صار ينثر الذهب على رؤوس الخلائق، وعملوا لها زفةً عظيمةً وصرف أموالاً لها مقدر عظيم، وأدخلوه على الملكة فقعد على المرتبة العالية وأرخوا الستائر وقفلوا الأبواب وخرجوا وتركوه عند العروسة، فخبط يداً على يدٍ وقعد حزيناً مدةً وهو يضرب كفاً على كفٍ ويقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فقالت له الملكة: يا سيدي سلامتك ما لك مغموماً؟، فقال: كيف لا أكون مغموماً وأبوك قد شوش علي وعمل معي عملةً مثل حرق الزرع الأخضر، قالت: وما عمل معك أبي قل لي؟ قال: أدخلني عليك قبل أن تأتي حملتي، وكان مرادي أقل ما يكون مئة جوهرةٍ أفرقها على جواريك لكل واحدةٍ منهن جوهرةٌ تفرح بها وتقول: أن سيدي أعطاني جوهرة في ليلة دخلته على سيدتي، وهذه الخصلة كانت تعظيماً لمقام وزيادة في شرفك، فأني لا أقصر في بذل الجواهر لأن عندي منها كثيراً، فقالت: لا تهتم بذلك ولا تغم نفسك بهذا السبب، أما أنا فما عليك مني إلا أني أصبر عليك حتى تجيء الحملة، وأما الجواري فما عليك منهن، ومتى جاءت الحملة فأننا نتحصل على تلك الجواهر وغيرها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

صباح العرس

وفي الليلة السابعة والأربعين بعد السبعمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، لما أتى الصباح دخل التاجر معروف ديوان الملك، فقام له من فيه على الأقدام وقابلوه بإعزازٍ وإكرامٍ، وهنأوه وباركوا له، وجلس بجانب الملك، وقال: أين الخازندار؟ فقالوا: ها هو حاضر بين يديك فقال: هات الخلع وألبس جميع الوزراء والأمراء وأرباب المناصب، فجاء له بجميع ما طلب وجلس يعطي كل من أتى له ويهب لكل إنسانٍ على قدر مقامه، واستمر على هذه الحالة مدة عشرين يوماً ولم يظهر له حملةً ولا غيرها.

إفلاس خزنة الملك

ثم أن الخازندار تضايق منه غاية الضيق، ودخل على الملك في غياب معروفٍ، وكان الملك جالساً هو والوزير لا غير وقبل الأرض بين يديه، وقال: يا ملك الزمان أنا أعلمك شيءٌ ربما تلومني على عدم الإخبار به: إعلم أن الخزنة فرغت ولم يبق فيها شيء من المال إلا القليل، وبعد عشرة أيامٍ نقفلها على الفارغ.

فقال الملك: يا وزير غن حملة نسيبي تأخرت ولم يبن عنها علمٌ، فضحك الوزير وقال له: الله يلطف بك يا ملك الزمان ما أنت إلا مغفلٌ عن فعل هذا النصاب الكذاب، وحياة رأسك أنه لا حملةً له ولا كبةً تريحنا منه وإنما هو ما زال ينصب عليك حتى أتلف أموالك وتزوج ابنتك بلا شيء، وإلى متى وأنت غافل عن هذا الكذاب؟، فقال له الملك: يا وزير كيف العمل حتى نعرف حقيقة حاله؟ فقال له: يا ملك الزمان لا يطلع على سر الرجل إلا زوجته فأرسل إلي ابنتك لتأتي خلف الستارة حتى أسألها عن حقيقة حاله، فقال: لا بأس بذلك، وحياة رأسك أن ثبت أنه نصابٌ كذابٌ لأقتلنه أشأم قتلة.

إبلاغ الزوجة

ثم أنه أخذ الوزير ودخل إلى قاعة الجلوس، وأرسل إلى ابنته فأتت وراء الستارة وكان ذلك في غياب زوجها، فلما أتت قالت: يا أبي ماذا تريد؟ قال: كلمي الوزير، قالت: أيها الوزير ما بالك؟، قال: يا سيدتي إعلمي أن زوجك أتلف مال أبيك، وقد تزوج بك بلا مهرٍ وهو لم يزل يعدنا ويخلف الميعاد، ولم يبن لحملته علم بالجملة نريد أن تخبرينا عنه، فقالت: أن كلامه كثير وهو في كل وقتٍ يجيء ويعدني بالجواهر والحلي والذخائر والقماشات المثمنة، ولم أر شيئاً فقال: يا سيدتي هل تقدرين في هذه الليلة أن تأخذي وتعطي معه في الكلام وتقولي له: أفيدني بالصحيح ولا تخف من شيءٍ فأنك صرت زوجي ولا أفرط فيك بحقيقة الأمر وأنا أدبر لك تدبيراً ترتاح به، ثم قربي وبعدي له في الكلام وأريه المحبة وقرريه ثم بعد ذلك أفيدينا بحقيقة أمره، فقالت: يا أبت أنا أعرف كيف أختبره. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

تدليل

وفي الليلة الثامنة والأربعين بعد السبعمئة، قالت شهرزاد: إن ابنة الملك ثم أنها سمعت كلام أبيها والوزير ودخلت، وبعد العشاء حضر عليها زوجها معروف على جري عادته فقامت له وتناولته من تحت إبطه وخادعته خداعاً زائداً، فلما رأته مال إليها بكليته قالت له: يا حبيبي، يا قرة عيني ويا ثمرة فؤادي لا أوحشني الله منك ولا فرق الزمان بيني وبينك فإن محبتك سكنت فؤادي ونار غرامك أحرقت كبدي وليس فيك تفريطٌ أبداً، ولكن مرادي أن تخبرني بالصحيح لأن حبل الكذب غير نافعةٍ ولا تنطلي في كل الأوقات وإلى متى وأنت تنصب وتكذب على أبي وأنا خائفةٌ أن يفتضح أمرك عنده قبل أن تدبر له حيلةً فيبطش بك فأفدني بالصحيح، وما بك إلا ما يسرك ومتى أعلمتني بحقيقة الأمر لا تخشى من شيء يضرك، فكم تدعي أنك تاجرٌ وصاحب أموالٍ ولك حملةٌ وقد مضت لك مدةً طويلةً وأنت تقول حملتي حملتي، ولم يبن عن حملتك علمٌ ويلوح على وجهك الهم بهذا السبب، فإن كان كلامك ليس له صحةٌ فقل لي، وأنا أدبر لك تدبيراً تخلص به أن شاء الله.

كشف المستور

فقال لها: يا سيدتي سأخبرك بالصحيح ومهما أردت فافعلي، فقالت له: قل وعليك بالصدق فإن الصدق سفينة النجاة وإياك والكذب فإنه يفضح صاحبه، ولله در من قال:

علـيك بـالـصـدق ولـو أنـه

أحرقك الصدق بنـار الـوعـيد

وأبغ رضا الله فأغبـى الـورى

من أسخط المولى وأرضى العبيد

فقال: يا سيدتي اعلمي أني لست تاجراً، ولا لي حملةً ولا حاميةً، وإنما كنت في بلادي رجلاً إسكافياً، ولي زوجة اسمها فاطمة، وجرى لي معها كذا وكذا، وأخبرها بالحكاية من أولها إلى نهايتها، فضحكت وقالت: أنك ماهرٌ في صناعة الكذب والنصب، فقال لها: يا سيدتي الله تعالى يبقيك لستر العيوب وفك الكروب، فقالت: أعلم أنك نصبت على أبي وغررته بكثرة فشرك حتى زوجني بك من طمعه، ثم أتلفت ماله والوزير منكر ذلك عليك، وكم مرة يتكلم فيك عند أبي ويقول له: إنه نصابٌ كذابٌ ولكن أبي لم يطعه فيما يقول.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

تدبير

وفي الليلة التاسعة والأربعين بعد السبعمئة، قالت شهرزاد قالت: بلغني أيها الملك السعيد، إن زوجة معروف قالت له: إن الوزير تكلم فيك عند أبي، وقال له أنك نصاب كذاب وأبي لم يطعه بسبب أنك كنت خطبتني، وأن تكون لي بعلاً وأكون لك أهلاً، ثم إن المدة طالت وقد تضايق أبي وقال لي: قرريه قد قررتك وانكشف المغطى، وأبي مصرٌ لك على الضرر بهذا السبب، ولكنك صرت زوجي وأنا لا أفرط فيك، فإن أعلمت أبي بهذا الخبر ثبت عنده أنك نصابٌ وكذابٌ وقد نصبت على بنات الملوك، وذهبت بأموالهم فذنبك عنده لا يغفر ويقتلك بلا محالةٍ، ويشيع بين الناس أني تزوجت برجلٍ نصابٍ كذابٍ وتكون فضيحةٌ في حقي، وإذا قتلك أبي ربما يحتاج أن يزوجني إلى آخر وهذا شيءٍ لا أقبله ولو مت، ولكن قم الآن وألبس بدلةً مملوكٍ، واحمل معك خمسين ألف دينارٍ من مالي وأركب على جوادٍ وسافر إلى بلاد يكون حكم أبي لا ينفذ فيها، وأعمل تاجراً هناك وأكتب لي كتاباً وأرسله مع ساعٍ يأتيني به لأعلم في أي البلاد أنت، حتى أرسل لك كل ما طالته يدي، فأن مات أبي أرسلت إليك فتجيء بإعزازٍ وإكرامٍ وإذا مت أنت أو أنا إلى رحمة الله تعالى فالقيامة تجمعنا وهذا هو الصواب، وما دمت طيبةً وأنت طيبٌ لا أقطع عنك المراسلة ولا أموال، قم قبل أن يطلع النهار عليك وينزل بك الدمار. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

الهروب

في الليلة الخمسين بعد السبعمئة، قالت شهرزاد: إن معروف قال لزوجته: يا سيدتي أنا في عرضك ولبس بدلة مملوكٍ، وأمر السياس أن يشدوا له جواد من الخيل، فشدوا له جواداً ثم ودعها وخرج من المدينة في آخر الليل، فصار كل من رآه يظن أنه مملوكٌ من مماليك السلطان مسافرٌ في قضاء حاجةٍ.

فلما أصبح الصباح جاء أبوها هو والوزير إلى قاعة الجلوس وأرسل إليها فأتت وراء الستارة، فقال لها: يا بنيتي ما تقولين؟ قالت: أقول: سود الله وجه وزيرك، فإنه كان مراده أن يسود وجهي من زوجي، قال: وكيف ذلك؟ قالت: إأنه دخل علي أمس قبل أن أذكر له هذا الكلام وإذا بفرج الطواشي جاء إلي وبيده كتابٌ وقال: أن عشرة مماليك واقفون تحت شباك القصر وأعطوني هذا الكتاب، وقالوا لي: قبل لنا أيادي سيدي معروف وأعطه هذا الكتاب، فإننا من مماليكه الذين مع الحملة، وقد بلغنا أنه تزوج بنت الملك فأتينا إليه لنخبره بما حل بنا في الطريق، فأخذت الكتاب وقرأته فرأيت فيه: من المماليك الخمسمئة إلى حضرة سيدنا التاجر معروف، وبعد، فالذي نعلمك به أنك بعدما تركتنا خرج العرب علينا وحاربونا وهم قدر ألفين من الفرسان ونحن خمسمئة مملوك، ووقع بيننا وبين العرب حرب عظيمة، ومنعونا عن الطريق ومضى لنا ثلاثون يوماً ونحن نحاربهم وهذا سبب تأخيرنا عنك.