دخل لبنان النفق الأشدّ قتامة، مع بدء الضغط المالي والغذائي والدوائي على اللبنانيين، والذي سيظهر أكثر بعد عيد الفطر. الحلول السياسية سُدّت آفاقها، والبحث عن حلول مالية لا يبدو جدياً، وحتى في عدم جديته يسير ببطء بمقاربة غير واقعية وغير قابلة للتطبيق.

يقترب لبنان من «الارتطام الكبير»، على وقع أكبر أزمة اجتماعية مالية اقتصادية، تتزامن مع أزمة سياسية حالكة لا بوادر لإمكانية حلّها، بعد فشل كل المبادرات والمساعي الخارجية، وخصوصاً المبادرة الفرنسية التي أسدل وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الستار عليها، لتتجه باريس إلى افتتاح مرحلة جديدة من التعاطي مع لبنان، يوم الاثنين المقبل، تتعلق بفرض عقوبات على المتهمين بالتعطيل السياسي، من خلال منع سفرهم وتجميد إقاماتهم.

Ad

القوى السياسية مكلومة من نتائج زيارة الوزير الفرنسي، الذي رفض البحث في تفاصيل الملف الحكومي. لقاءاته مع الرؤساء الثلاثة لم تكن إيجابية، ولم تبحث تفاصيل عملية تشكيل الحكومة، إذ تؤكد مصادر سياسية متابعة لمجريات اللقاءات أنه عندما حاول الرؤساء إثارة ملف الحكومة رفض الوزير الفرنسي الاستماع إلى ما يقولونه، مشيراً إلى أن الأوان فات، وهو يأتي لإبلاغهم برسالة واضحة، ولم يعد معنياً بمتابعة مفاوضات تأليف الحكومة. القوى السياسية تبحث عن مرحلة ما بعد هذا الموقف الفرنسي، الذي ترك لبنان وحيداً، فالولايات المتحدة الأميركية غير مهتمة بلبنان، ومنذ فترة دعمت مساعي فرنسا، حتى روسيا التي لم تقدم مبادرة تجاه لبنان دعمت المبادرة الفرنسية، مما يعني أن لبنان سيجد نفسه في عزلة قاتلة، خصوصاً أن المفاوضات الإيرانية السعودية لم تبحث على الإطلاق في الملف اللبناني، وكذلك بالنسبة إلى المعلومات التي تتحدث عن تقارب سعودي سوري، فهي لن تتناول البحث في الأزمة اللبنانية.

خسر لبنان فرنسا ودعمها واستعدادها لتنظيم مؤتمرات الدعم لنهضة اقتصاده، بينما الاهتمام سيتركز على الدعم الإنساني، وخسر إمكانية جذب الاهتمام الأميركي، بعد عرقلة ملف ترسيم الحدود واصطدامه بجدار قد يطيل تلك الأزمة، وسط معلومات متضاربة تفيد بإمكانية إجراء وفد أميركي زيارة للبنان، للبحث في مختلف الأزمات، ومن بينها ملف ترسيم الحدود، مقابل معلومات أخرى تنفي ذلك.

القوى السياسية تفتقد أي قدرة على المبادرة للخروج من النفق المظلم، والأيام المقبلة قد تشهد حركة سياسية من قبل رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري باتجاه البطريرك الماروني بشارة الراعي، وباتجاه رئيس مجلس النواب نبيه بري، لتنسيق المواقف ومحاولة البحث عن مخرج، وتؤكد المعلومات أن بري لا يزال يتمسك بصيغة الـ 24 وزيراً بلا ثلث معطل، ولكن من المستبعد أن تصل هذه التحركات إلى نتيجة بسبب الاستعصاء السياسي واتخاذ المشكلة طابعاً شخصياً بين رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف.

سينتظر الحريري إلى ما بعد العيد، للقيام بأي خطوة من هذا النوع، وفي حال فشلت سيعيد التلويح بمسألة الاعتذار، خصوصاً إذا اشتدت الضغوط عليه وعملت على تحميله مسؤولية التعطيل ومسؤولية عدم إفساح المجال أمام شخصية أخرى لتشكيل الحكومة.

توجُّه الحريري غير محسوم بعد، في حين ستكون العقوبات الفرنسية عنصراً ضاغطاً على الجميع، لأنه مثلاً بحال فُرضت عقوبات فرنسية على مقربين من الحريري، فكيف يمكن فيما بعد تشكيل حكومة يطلق عليها اسم حكومة المهمة، وحكومة الإصلاح الاقتصادي؟ وكيف يمكن أن يقود حكومة الإصلاح شخص تتهمه باريس، التي أطلقت المبادرة، بأنه متهم بالتعطيل، والمقربون منه متهمون بالفساد؟! هذا الضياع في المواقف من شأنه أن يدخل الأمور في مراوحة قاتلة، وقد يصعّب مهمة الحريري، فيتجدد الطرح بالمطالبة بتشكيل حكومة اختصاصيين، بدءاً من رئيسها، وهذا طرح سيرفعه مجدداً رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره؛ بهدف قطع الطريق على الحريري.

وسط هذا الواقع السياسي المعقّد، وُجهت قبل فترة رسالة دبلوماسية من إحدى الدول إلى حزب الله، لسؤاله عن موقفه من تشكيل الحكومة، وعمّا إذا كان أمام خيارين؛ الأول هو الذهاب إلى التشكيل سريعاً ودعم الحريري، والثاني هو الإبقاء على دعم حليفه رئيس الجمهورية وجبران باسيل، فماذا يختار؟ وكان جواب الحزب مركباً ومعقداً أيضاً، ويفتقد الوضوح في حسم الخيار، إذ قال: «نحن نريد تشكيل الحكومة سريعاً، لكننا أيضاً نحرص على مصالح حلفائنا، ولا نريد إزعاج حليفنا الأساسي». مما يعني أن الحزب لا يريد حسم خياراته، وتأجيل تلك اللحظة في الاختيار بين الحريري أو عون وباسيل.

على وقع هذا الاستعصاء، تشير المعلومات إلى الكثير من التقارير، التي تتخوف من الدخول في فوضى مطلقة، بنتيجة فراغات سياسية متعددة من شأنها أن تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، فتضع كل القطاعات على خطوط التدحرج.

ومما لاشك فيه أن الانهيارات، التي يمرّ بها لبنان، والأحداث التي شهدها على مدار أكثر من سنة ونصف، من شأنها أن تحدث تغييراً هائلاً على الصعد السياسية والاقتصادية، والخوف الأساسي يتركز على أن يندفع هذا التغيير بفعل عوامل أمنية وعسكرية، أي على الحامي لا على البارد.

لا أموال لتوليد الكهرباء

على وقع شحّ الدولار، يستعد لبنان للغرق في ظلام تدريجي، مع نفاد السيولة النقدية اللازمة لتوليد الكهرباء، منتصف الشهر الجاري.

ووافق البرلمان اللبناني على قرض طارئ قيمته 200 مليون دولار يخصص لواردات الوقود اللازمة لتوليد الكهرباء في مارس، لكن القرض لم يحصل حتى الآن على الموافقة النهائية.

ويعاني لبنان، الغارق في أسوأ أزماته الاقتصادية، مشكلة متفاقمة في قطاع الكهرباء ذي المعامل المتداعية، منذ ثلاثة عقود على الأقل، ومن ساعات تقنين طويلة تتخطى 12 ساعة، وبات يواجه صعوبات في توفير الأموال اللازمة لاستيراد الفيول.

وبلغت انقطاعات الكهرباء 20 ساعة يومياً في بعض المناطق، بالتزامن مع شح الوقود اللازم لتوليد الطاقة، سواء لشركة الكهرباء أو لدى أصحاب المولدات الصغيرة.

وسبق أن كشف لبنان أنه سيتلقى شحنات وقود من العراق بأسعار الأسواق العالمية، في مسعى إلى حل مشكلة توليد الكهرباء، التي تفاقمت في العام الماضي مع أزمة شحّ الدولار وتخبّط الحكومات المتعاقبة في معالجة هذه المعضلة.

ويعد قطاع الكهرباء الأسوأ بين مرافق البنى التحتية المهترئة في لبنان، وقد كبّد خزينة الدولة أكثر من 40 مليار دولار منذ انتهاء الحرب الأهلية، ويشكل إصلاحه شرطاً رئيسياً يطالب به المجتمع الدولي منذ سنوات لتقديم المساعدة إلى لبنان.

وقال رئيس تجمع المولدات في لبنان عبدو سعادة إن القطاع يعاني، وإنه يغطي عجز الدولة لا ليكون محلها، وبات يتحمل المسؤولية ولم يبق أحد آخر مسؤولاً.

وأوضح سعادة أن الكهرباء تقنن بين 20 و22 ساعة، ويتم تأمين الإمدادات في ظل شح مادة المازوت، التي يتم الحصول عليها من السوق السوداء بسعر يصل إلى نحو 16 دولاراً، بينما سعرها الرسمي 9.3 دولارات.

ويشير المسؤولون اللبنانيون إلى أن صافي التحويلات لمؤسسة كهرباء لبنان المملوكة للدولة يمثل ما بين مليار و1.5 مليار دولار في العام، وينفق معظمها على زيت الوقود. وهذا يعادل نحو ربع عجز الميزانية العام الماضي البالغ 4.8 مليارات دولار.

وتُفاقم الخلافات السياسية وفساد الصفقات، مثل صفقة الوقود المغشوش التي ورّدتها شركة سوناطراك الجزائرية، التشاؤم بشأن الإسراع في حل الأزمة المزمنة، وسط معاناة المواطنين العالقين بين تقصير السلطات وابتزاز مافيا المولدات.

وزاد يأس اللبنانيين والأوساط الاقتصادية من قدرة السلطات على معالجة مشكلة انقطاع الكهرباء، رغم إحداث تغيير في مجلس إدارة مؤسسة الكهرباء الحكومية في منتصف العام الماضي.

وتظهر البيانات الرسمية أن قطاع الكهرباء يلتهم أكثر من 1.6 مليار دولار سنوياً من خزينة الدولة، أي 20 في المئة من إجمالي واردات البلاد، بينما وصل عجز مؤسسة كهرباء لبنان الحكومية منذ 1992 إلى أكثر من 30 مليار دولار.

منير الربيع