ألغيت جولة المفاوضات السادسة، التي كان يُفترَض عقدها أمس، بين الوفدين اللبناني والإسرائيلي برعاية أميركية، وبإشراف الأمم المتحدة.

وكانت الاتصالات، حتى منتصف ليل الثلاثاء- الأربعاء، مستمرة بين المسؤولين اللبنانيين والأميركيين؛ للاتفاق على نقاط مشتركة واستكمال جولات التفاوض، لكن لم يتم التوصل إلى اتفاق، وعليه أُعلِن تأجيل الجلسة إلى موعد لم يتم تحديده بعد، في خطوة لا تؤشر إلى أي إيجابيات إلا إذا حدث تطور يُعيد الأمور إلى نصابها.

Ad

وكان يفترض أن يكون ملف ترسيم الحدود الجنوبية للبنان المدخل الأساسي، لو أُنجز، لبدء انفراج سياسي داخل البلاد، خصوصاً أن مفاوضات الترسيم جاءت في توقيت إحياء التفاوض بكل دول المنطقة.

وأمام الواقع الجديد، هناك وجهتا نظر في الداخل اللبناني؛ الأولى تعتبر أن الملف طُوِي إلى حين تبلور المسار الإقليمي، وعقد اتفاقات نتيجة المفاوضات الحاصلة في فيينا والعراق، وبالتالي عندما يحصل الاتفاق الكبير، سيصبح بالإمكان إنجاز ملف الترسيم في لبنان، لأنه سيكون انعكاساً مباشراً للتطورات الخارجية.

أما وجهة النظر الثانية فتعتبر أن الملف أصبح معلقاً لأن لبنان رفض التنازل عن حقوقه، ولم يستجب للمطالب الأميركية بالتفاوض وفق الخطوط المحددة في الأمم المتحدة، أي التفاوض على مساحة 860 كلم2.

لبنان يطالب بما هو أبعد بكثير من تلك المساحة، فسابقاً طرح خطّ 29، والذي يمنحه مساحة 2290 كم2، وأحدث ذلك مشكلة في الداخل اللبناني ومع واشنطن، التي اعتبرت أنه لا يمكن للبنانيين أن يتعاطوا بهذه الطريقة، وأن مطلبهم مرفوض جملةً وتفصيلاً، ونصح المسؤولون الأميركيون اللبنانيين بضرورة التنازل لإنجاح المفاوضات، وإلا فستستمر إسرائيل في عمليات الحفر والاستخراج، وسيكون لبنان خاسراً بفعل التأخير.

وتوجهت الوفود إلى الجولة الخامسة من المفاوضات، وقبل الجلسة عُقِد اجتماع بين الوفدين اللبناني والأميركي لوضع بعض النقاط المشتركة، فطلب الجانب الأميركي من اللبناني الالتزام بالتفاوض على مساحة 860 كم2، فرفض الأخير، وعُقِدت جلسات التفاوض على مدى خمس ساعات، ولم يتم التوصل خلالها إلى أي اتفاق.

وغادرت الوفود لإفساح المجال أمام الاتصالات السياسية التي استمرت حتى ساعة متأخرة من الليل، وعُقِد اجتماع بين رئيس الجمهورية ميشال عون وأعضاء الوفد اللبناني، وأعلن عون أن ما طرحه الوفد الأميركي يتعارض مع مطالب لبنان، الذي يريد أن تتم المفاوضات بدون شروط مسبقة، أي بدون الالتزام بما يريده الجانبان الأميركي والإسرائيلي بمنح لبنان مساحة 550 كم2 فقط من مساحة 860، في حين يعتبر أن حقه أكبر من ذلك بكثير.

ولا يمكن فصل هذا الملف عن التطورات الحاصلة في الخارج، لأن هناك الكثير من الأمور المرتبطة به سياسياً، واعتبرت بعض المصادر المتابعة للملف أنه في النهاية سيعود الجميع إلى طاولة المفاوضات، ولكن ربما بعد اتضاح رؤية المفاوضات الإقليمية ومسارها، وعندئذ سيجد لبنان نفسه مضطراً للوصول إلى اتفاق.

وبحسب ما تؤكد المصادر، فإن المطلوب لبنانياً هو تحصيل مساحة 860 كم2 كاملة، مع حماية الحقول في عمق البحر ذات الامتداد الأكثر جنوباً، وهو ما يطلق عليه لبنان مثلاً «حقل قانا»، الذي يبدأ عند الخطّ 23، وهو الخط اللبناني المحدد في الأمم المتحدة، ويمتد بمساحة أكبر نحو الجنوب، وتؤكد المعلومات أن هذا الخط بالنسبة إلى لبنان هو خطّ أحمر لا يمكن التنازل عنه.

ولا ينفصل التعقيد الحاصل في ملف ترسيم الحدود، عن التعقيد السياسي، وينعكس هذا الترابط سلباً على الواقع اللبناني الذي يواجه استحقاقات كثيرة، أبرزها مالية واقتصادية قابلة لإيصال الساحة اللبنانية إلى انفجار اجتماعي. وبسبب التعقيدات الحاصلة تشير مصادر أميركية إلى أن لبنان هو الخاسر من الممارسة السياسية التي ينتهجها، فهو يتعرض لضغوط بسبب مواقفه، ويفشل المبادرة الفرنسية وسط تلويح بفرض عقوبات من الفرنسيين على مسؤولين لبنانيين، مما يعني إغلاق كل النوافذ التي يمكن التنفس من خلالها.

ويعتبر الأميركيون أنه لا أحد مهتم بلبنان، ولذلك فإن واقعه مرشح لمواجهة الكثير من الضغوط والانهيارات ما لم ينجح المسؤولون في التعاطي مع الملفات المطروحة بمسؤولية.

في المقابل، يبدو لبنان رافضاً لاستخدام الوضع الضاغط مالياً واقتصادياً لتقديم تنازلات أساسية على صعيد الثروة البحرية، والمفاوضات معلّقة حالياً، والطريق الوحيد إلى حلّها هو إنجاز تسوية إقليمية تنعكس بشكل سريع ومباشر على مجمل الملفات الداخلية.