بدأت المشاورات السياسية بين مصر وتركيا في القاهرة، أمس، برئاسة نائب وزير الخارجية المصري، حمدي لوزا، ونظيره التركي سادات أونال، وهي الاجتماعات العلنية الأولى بين الطرفين منذ 8 سنوات، والتي تنهي قطيعة دبلوماسية بين البلدين استمرت منذ 2013، ومن المفترض أن تنتهي المباحثات اليوم بتحديد الجولة الثانية من الحوار.

Ad

استكشاف

واستبقت وزارة الخارجية المصرية الاجتماعات، أمس الأول، ببيان قالت فيه إن "المناقشات الاستكشافية" ستركز على الخطوات الضرورية، التي قد تؤدي إلى تطبيع العلاقات بين البلدين على الصعيد الثنائي، وفي السياق الإقليمي، بينما قالت الخارجية التركية إن المشاورات تهدف لإيجاد أرضية تؤدي إلى تطبيع العلاقات بين البلدين.

التجارة والطاقة

وقال مسؤول تركي رفيع المستوى لـ"رويترز"، إن المحادثات ستشمل التعاون في مجالي التجارة والطاقة، فضلا عن الاختصاص القضائي في المسائل البحرية في شرق المتوسط.

وتقترب قيمة التبادلات التجارية بين البلدين من خمسة مليارات دولار سنويا، على الرغم من الخلاف السياسي.

وقال المسؤول التركي الكبير "تركيا ومصر هما الدولتان القويتان في المنطقة، وهناك العديد من المجالات التي يمكنهما العمل والتعاون فيها".

ونقلت "رويترز" عن مصدرين أمنيين مصريين إن المفاوضين المصريين سيستمعون للمقترحات التركية لاستئناف العلاقات، لكنهم سيتشاورون مع القيادة السياسية قبل الاتفاق على أي شيء.

إفطار وبيان ختامي

وأجريت جولة المباحثات أمس وسط أجواء إيجابية تخللها إقامة مأدبة إفطار نظمتها وزارة الخارجية المصرية للوفد التركي، الذي ضم عناصر من الخارجية والأجهزة الأمنية التركية.

وقالت مصادر مصرية مطلعة لـ"الجريدة"، إن هناك رغبة مشتركة في المضي قدما من أجل استعادة العلاقات بشكل يقوم على الاحترام المتبادل.

وأضافت انه في حال انتهت المباحثات بشكل مرض للطرفين، سيتم صياغة ذلك في بيان ختامي اليوم الخميس، يتضمن أبرز ما تم مناقشته وما تم التوصل إليه، بما يعكس الروح الإيجابية التي سادت المباحثات، مع إمكانية تحديد جولة جديدة من المباحثات على مستوى وزراء الخارجية في أنقرة الشهر المقبل، بالتوازي مع استئناف العلاقات على مستوى السفراء.

«الإخوان» وليبيا

وتتضمن المطالب المصرية لإعادة العلاقات مع تركيا، إنهاء ملف فلول الإخوان المتواجدين في الأراضي التركية، والذين دأبوا على مهاجمة الحكومة المصرية والتحريض عليها، وهو الملف الذي أبدت أنقرة موافقة سريعة حوله، وخروج المرتزقة الأتراك من ليبيا مقابل التنسيق المشترك في عمليات إعادة الأعمار، مع إمكانية مناقشة ترسيم الحدود البحرية بين البلدين في شرق المتوسط في مرحلة لاحقة.

وقال المسؤول التركي لـ"رويترز"، إن أنقرة لا تريد أن يتسبب ملف القنوات التلفزيونية في مشاكل، لكنه أضاف أنه لم يُطلب من أعضاء الإخوان المسلمين المقيمين في تركيا مغادرتها لكن "ليس مرغوبا بالطبع الإضرار بالتطورات الإيجابية الجارية".

وكان إبراهيم كالين المتحدث باسم اردوغان قال الأسبوع الماضي، إن التقارب قد يساعد في إنهاء الحرب الدائرة في ليبيا حيث ساندت القوات التركية الحكومة المتمركزة في طرابلس في التصدي لهجوم من قوات مقرها شرق البلاد وتلقى دعما من مصر وروسيا.

طريق طويل

من جهته، قيم وزير الخارجية المصري الأسبق محمد العرابي، بدء المباحثات بين مصر وتركيا بشكل علني قائلا لـ "الجريدة": "لدينا فترة طويلة من المشاكل المتراكمة بين البلدين، لذا أعتقد أننا في مرحلة استكشاف النوايا، وطرح كل طرف لوجهة نظره، وما يطلبه من الطرف الآخر، لكن لايزال الطريق طويلاً".

وتابع العرابي: "كل الملفات ستكون محل بحث على الطاولة، خصوصا الملف الليبي وخروج المرتزقة الأتراك منها، فضلا عن ملف شرق المتوسط، وترسيم الحدود البحرية بين مصر وتركيا، دون المساس بعلاقات مصر مع اليونان وقبرص، فضلا عن ملف الوجود التركي في عدد من الدول العربية مثل العراق وسورية، وفي النهاية يأتي ملف جماعة الإخوان الذي أرى أنه لن يحظى بأهمية لأن هناك توافقا حول التعاطي معه".

«سد النهضة»

إلى ذلك، لم يقتصر نشاط الخارجية المصرية على ملف العلاقات مع تركيا، فحظي ملف السد النهضة باهتمام مكثف أمس، إذ التقى وزير الخارجية سامح شكري، المبعوث الأميركي الخاص للقرن الإفريقي، جيفري فيلتمان، في مستهل جولته الأولى في المنطقة، والتي تشمل أيضا السودان وإثيوبيا وإريتريا، في محاولة أميركية للوساطة في أزمة سد النهضة مع استعداد إثيوبيا لبدء الملء الثاني في يوليو المقبل.

وتزامنت زيارة المبعوث الأميركي للقاهرة مع إلقاء السفير المصري لدى واشنطن، معتز زهران، لكلمة حول سد النهضة أمام كلية الحرب الأميركية أمس الأول، واعتبر أزمة السد أبرز التحديات التي تواجه المنطقة، وأبرز أن مصر لن يمكنها بأي حال التهاون فيما يخص أمنها المائي، محذراً من الإدارة الأحادية لعملية ملء وتشغيل سد النهضة يمكن أن ينجم عنها تفاقم حالة الفقر المائي في مصر، وهو ما أكد أنه لا يمكن السماح بحدوثه.

واعتبر زهران، الذي سبق أن وجه خطابا للإدارة الأميركية للتدخل في أزمة سد النهضة، أن قضية مياه النيل في كل من مصر والسودان أخطر من أن تترك أسيرة للوضع الداخلي في إثيوبيا، لما لها من تبعات جسيمة على شعوب المنطقة، وأشار إلى أن الإدارات الإثيوبية المتعاقبة هي التي دأبت بشكل متعمد على اتباع سياسات تأجيج الرأي العام الإثيوبي للمتاجرة بها في إطار محاولة لاحتواء التوترات الداخلية المزمنة.

وشدد السفير المصري على أن بلاده لا يمكن أن تسمح بتكرار مثل هذه الممارسات الإثيوبية الأحادية في حوض النيل، وأن ذلك يعد قضية وجودية ومصيرية بالنسبة للشعب المصري، مطالبا بدعم الولايات المتحدة لعملية الوساطة الراهنة تحت قيادة رئيس الاتحاد الإفريقي، من أجل التوصل لاتفاق ملزم على قواعد ملء وتشغيل سد النهضة في أقرب وقت، لحماية الأمن والاستقرار في المنطقة، وزودًا عن المصالح الاستراتيجية الأميركية مع الدول الثلاث.

فجوة مائية

ويبدو أنه لا حديث يعلو على أزمة سد النهضة في القاهرة، إذ قال وزير الموارد المائية والري محمد عبد العاطي في الجلسة الافتتاحية لملتقى "حوار المناخ" الدولي أمس، إن مصر من أكثر بلاد العالم جفافًا، إذ تبلغ الفجوة المائية 90 في المئة، لافتا إلى أن مصر تواجه تحديات كبرى في مجال المياه، حيث إن 97 في المئة من موارد المياه المتجددة تأتي من خارج الحدود، في إشارة لمياه نهر النيل التي يأتي معظمها من الهضبة الإثيوبية.

واشتكى الوزير المصري من الإجراءات الأحادية التي يقوم بها الجانب الإثيوبي، فيما يخص سد النهضة، والتي تزيد من حجم التحديات التي تواجهها مصر في مجال المياه.

القاهرة - حسن حافظ