في حدث نادر، أعلنت القوات المسلحة المصرية، توقيع مصر وفرنسا عقد توريد 30 طائرة مقاتلة من طراز «رافال»، لتعزز القاهرة موقعها كأبرز عميل لهذا الطراز من المقاتلات الجوية في العالم بعد الدولة المصنعة، إذ سبق أن حصلت على 24 مقاتلة من الرافال عززت بها أسطولها الجوي، في إطار خطة تحديث شاملة لأفرع القوات المسلحة بدأتها مصر منذ تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي مقاليد الحكم في 2014.

وعادة لا تعلن القوات المسلحة المصرية عن صفقات السلاح إلا عند تسلمها، لكنها كشفت في بيان، أمس الأول، عن توقيع الاتفاقية مع شركة «داسو أفياسيون» الفرنسية، على أن يتم تمويل العقد المبرم من خلال قرض تمويلي يصل مدته كحد أدنى 10 سنوات، دون الحديث عن القيمة الفعلية للصفقة، إلا أن تقديرات أولية تقول إن الصفقة بلغت 3.9 مليارات يورو.

Ad

وأشار بيان القوات المسلحة إلى صفقة لعام 2015، والتي شملت حصول مصر على 24 طائرة رافال «تمثل الذراع الطولى لتأمين المصالح القومية المصرية»، وأشادت القاهرة بمميزاتها لكونها «تتميز بقدرات قتالية عالية تشمل القدرة على تنفيذ المهام بعيدة المدى، فضلا عن امتلاكها منظومة تسليح متطورة، وقدرة عالية على المناورة، وتعدد أنظمة التسليح بها، بالإضافة إلى تميزها بمنظومة حرب إلكترونية متطورة تمكنها من القدرة على تنفيذ كل المهام.

ترحيب فرنسي

في الأثناء، قالت وزارة الجيوش الفرنسية، أمس، أن «العقد يوضح الطبيعة الاستراتيجية للشراكة التي تقيمها فرنسا مع مصر، في حين أن بلدينا منخرطان في مكافحة الإرهاب والعمل من أجل الاستقرار في محيطهما».

واستبقت وزارة الدفاع الفرنسية أي انتقادات قد توجه للصفقة من قبل منظمات غير بالقول، إن «تصدير معدات عسكرية جزء من السياسة الدفاعية الأمنية لفرنسا»، وأن الصفقة «حيوية أيضا لصناعة الدفاع لدينا... وتساهم في تأثير بلدنا»، ويفترض أن يوفر العقد نحو 7 آلاف وظيفة في فرنسا على مدى ثلاث سنوات.

من جهتها، قالت شركة داسو أفياسيون المصنعة لطائرات الرافال، إن «هذا الطلب الجديد يكمل عملية أولى اشترت خلالها مصر 24 مقاتلة «رافال» عام 2015، وبذلك سيرتفع عدد مقاتلات «رافال» التي تحمل ألوان العلم المصري إلى 54، مما يجعل القوات الجوية المصرية الثانية في العالم بعد القوات الجوية الفرنسية... وهو دليل على الصلة التي لا تتزعزع التي تربط مصر وشركة داسو»، ومن المتوقع أن يبدأ تسليم المقاتلات بعد ثلاث سنوات.

رسائل متعددة

ويأتي اعلان الصفقة في توقيت سياسي واستراتيجي مهم. فقد جاء قبل ساعات من زيارة وفد تركي الى القاهرة بينما تشهد العلاقات الفرنسية- التركية والأوروبية- التركية عموماً توتراً، وكذلك وسط سجال متصاعد وصل الى حد التهديدات بين اثيوبيا والسودان حول ازمة سد النهضة.

وحول أهمية الصفقة لمصر، قال رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق، والمستشار بأكاديمية ناصر العسكرية، اللواء نصر سالم، لـ «الجريدة»: إن «مصر تتبنى استراتيجية ردع في الدفاع عن أمنها القومي بمعنى إذا أردت منع الحرب فاستعد لها، وذلك بامتلاك قدرات قتالية عالية تجعل كل من يفكر للتعرض لمصالحها وأمنها القومي يفكر أكثر من مرة ويمتنع عن تهديد مصالح مصر الاستراتيجية».

وحول لكون الصفقة رسالة لإثيوبيا في ظل تعثر مفاوضات سد النهضة، قال سالم: «الصفقة رسالة ردع لجميع الاتجاهات ولجميع الأطراف وليس لإثيوبيا وحدها بل لأي طرف يحاول تهديد مصالح مصر، بأن القاهرة قادرة على حماية مصالحها، وتمتلك من أدوات الردع ما يمنع أي طرف من المساس بمصالحها».

الوفد التركي

ووسط تحركات تركية لإعادة الانفتاح على دول عربية في مقدمتها مصر والسعودية بعد سنوات من التوتر، قال متحدث حزب «العدالة والتنمية» التركي الحاكم، عمر جليك، إن بلاده تعمل عن تشكيل آليات جديدة لبحث قضاياها مع مصر، بالتزامن مع زيارة وفد تركي برئاسة نائب وزير الخارجية سادات أونال إلى القاهرة والتي يفترض أن تبدأ رسميا خلال ساعات.

وقال جليك بحسب ما نقلت وكالة الأناضول للأنباء الرسمية، إن هناك ضرورة لتباحث الطرفين (مصر وتركيا) بشأن قضايا أمنية إقليمية، على رأسها مسائل البحر المتوسط، بالإضافة إلى مواضيع أخرى مثل اتفاقيات التنقيب عن الغاز في المتوسط، وأن الزيارة المرتقبة تهدف إلى تطوير آلية حوار بين البلدين بشكل أكثر فاعلية في المرحلة المقبلة، سواء على صعيد البحر المتوسط أو العلاقات الثنائية.

وزير التجارة التركي، محمد موش، قال أمس الأول، إن بلاده تريد تحسين علاقاتها الاقتصادية مع مصر، وأضاف في تصريحات إعلامية: «بالتوازي مع تطور العلاقات الدبلوماسية مع مصر، نريد تعزيز علاقتنا التجارية والاقتصادية في الفترة المقبلة».

نزع الفتيل

وفي محاولة أميركية جديدة للعودة الى ملف أزمة النهضة، أعلنت الخارجية الأميركية عن بدء المبعوث الجديد للقرن الإفريقي، جيفري فيلتمان، جولة لدول مصر والسودان وإثيوبيا وإريتريا، تستمر حتى 13 الجاري، حيث «سيعقد اجتماعات مع مسؤولين من الحكومات المعنية وكذلك الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي».

ويبدو أن فيلتمان سيركز على أزمات سد النهضة والوجود العسكري الإريتري في إثيوبيا وازمة تيغراي، إذ قالت الخارجية الأميركية، إن هذه الجولة «تؤكد التزام الإدارة الأميركية بقيادة جهد دبلوماسي مستدان لمعالجة الأزمات السياسية والأمنية والإنسانية المترابطة في القرن الإفريقي»، لافتة إلى أن فيلتمان «سينسق سياسة الولايات المتحدة في جميع أنحاء المنطقة لتحقيق هذا الهدف».

جولة فيلتمان ستتزامن مع جولة أخرى لرئيس الاتحاد الإفريقي رئيس دولة الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسكيدي تشمل مصر والسودان وإثيوبيا بخصوص أزمة سد النهضة، لافتا خلال استقباله وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق، إلى أن هناك تنسيقا بين الاتحاد الإفريقي والأمين العام للأمم المتحدة والمبعوث الأميركي للقرن الإفريقي بغية إيجاد حل.

ملفات مرتبطة

الملفات الثلاثة رأى فيها ريس مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية سعد الدين إبراهيم، ارتباطا وثيقا، إذ قال في اتصال مع «الجريدة»: «الملفات الثلاثة بينها علاقة، فصفقة الرافال تشير إلى زيادة القدرات العسكرية المصرية بشكل غير مسبوق، وهو ما ظهر بوجود أسطول مصري منفصل في البحر الأحمر، فضلا عن أسطول البحر المتوسط، فمصر في طريقها لتصبح دولة عظمى عسكريا في المنطقة».

وأضاف: «تعزيز القوات الجوية المصرية رسالة إلى إثيوبيا بالتوازي مع التدخل الأميركي في هذا الملف المتعثر، فزيادة القدرة المصرية يعني أن لديها القدرة بعمليات انتقائية أن تهدد كل من يهدد مصالحها في البحرين المتوسط والأحمر وحوض نهر النيل»، لافتا إلى أن مصر تعزز علاقتها من خلال صفقات السلاح مع دول أوروبا الرئيسة، خصوصا فرنسا وألمانيا وإيطاليا، بما يعزز من الموقف المصري.

وأشار إلى تنوع العلاقات المصرية وزيادة قوتها العسكرية بالتوازي مع تحركاتها الإقليمية وتحقيق نجاح في ملف غاز شرق المتوسط، أدى إلى عزل تركيا في المنطقة الغنية بالغاز الطبيعي، فضلاً عن إن إعلان الرئيس السيسي عن الخط الأحمر في ليبيا، كل هذا أجبر تركيا على إعادة النظر وأجبرها على طلب العودة إلى طاولة التفاوض وإعادة النظر في علاقتها مع مصر.

القاهرة - حسن حافظ