قد يبدو الإعلان عن انسحاب الجنود الأميركيين وقوات التحالف من أفغانستان في سبتمبر المقبل موقفاً إيجابياً بنظر الأوساط السياسية والرأي العام، فقد أدت هذه الحرب القائمة منذ عشرين سنة إلى مقتل نحو 3 آلاف عنصر من تلك القوات وعشرات آلاف الأفغان، كذلك، صُرِف أكثر من تريليون دولار لمحاربة حركة "طالبان" ومساعدة حكومة أفغانستان على بناء مجتمع مستقر.

برأي النقاد، يصعب تبرير استمرار الدعم لهذه الحملة التي لم تُحقق أهدافها الأصلية، بل تكبدت خسائر بشرية ومالية كبرى، ففي غضون ذلك، تتابع "طالبان" فرض نفوذها في أنحاء البلد، في حين تجد الحكومة الأفغانية صعوبة في إرساء حُكم القانون ومكافحة مظاهر الفساد، وقد يكون الانسحاب من أفغانستان خياراً مناسباً ومبرراً من الناحية السياسية، لكنّ ترك أفغانستان وحدها في هذه المرحلة المفصلية قد يؤدي إلى تدهور الوضع ويطرح مخاطر متزايدة على أمن الغرب.

Ad

منذ عام 2001، اضطلع تحالف متعدد الأطراف (بين حلف الناتو، والهند، وباكستان، وأستراليا، واليابان، ودول ومنظمات دولية أخرى تحمل الدوافع نفسها) بأدوار متنوعة لإيجاد الحلول المناسبة وإعادة بناء أفغانستان وإرساء الاستقرار في المنطقة.

بسبب عوائق متعددة، بقي التقدم بطيئاً لكنه بارز في بعض المجالات الأساسية، إذ كانت الرعاية الصحية شبه معدومة في أفغانستان، لكن تذكر منظمة الصحة العالمية اليوم أن هذا القطاع أحرز تقدماً ثابتاً في آخر 17 سنة، حتى أن الرعاية الصحية باتت متاحة في عام 2018 لنحو 87% من السكان.

على صعيد آخر، يسير التقدم في مجالات مثل الحُكم والتنمية والأمن في الاتجاه الصحيح، ولو بدرجات متفاوتة، فلم تعد أحداث أفغانستان جزءاً من عناوين الأخبار العالمية في السنوات الأخيرة لأن البلد زاد استقراراً بفضل قوة التحالف الدولي، ففي هذه المرحلة يترافق قرار الانسحاب إذاً مع مخاطر بارزة.

عملياً، لا تزال حركة "طالبان" قوة مؤثرة وسيستمر تنامي نفوذها على الأرجح بعد انسحاب قوات التحالف وستصبح المكاسب المُحققة في مجالات الحُكم، والتعليم، وحقوق المرأة، والرعاية الصحية، والبنية التحتية، مُهددة مجدداً، كذلك قد يخضع أمن المواطنين الأفغان للقوانين الصارمة التي فرضتها "طالبان" قبل عام 2001، ولهذا السبب، يجب أن يدرك الأميركيون وشركاؤهم أن الانسحاب قد يطلق مجموعة كبرى من التحديات الإنسانية والأمنية ويزعزع استقرار أفغانستان.

سبق أن نشأت ظروف مماثلة في السابق، وأدى تجاهل انتصار "طالبان" في عام 1996 إلى تدفق عناصر "القاعدة" إلى أفغانستان والمنطقة عموماً، ثم تعرّضت نيويورك وواشنطن للاعتداءات في 11 سبتمبر 2001، كذلك أدى الانسحاب المفاجئ من العراق في عام 2011 إلى تنامي نفوذ "داعش" وزعزعة استقرار العراق والدول المجاورة له، تزامناً مع نشوء أزمة إنسانية ومعاناة كارثية، فقد يترافق انسحاب قوات التحالف الآن مع عواقب مماثلة.

قد يظن المراقبون أن هذا التقدم لا يعكس حجم الاستثمارات ومصادر الطاقة في أفغانستان حتى الآن، لكن لم تتحقق التوقعات المنتظرة بسبب انعدام الثقة بالحكومة، ومظاهر الفساد، واللجوء أحياناً إلى استراتيجية متقلبة وغير متماسكة، وبيئة البلد القاسية وغير المتطورة.

عند النظر إلى أفغانستان من وجهة نظر الغرب، قد يبدو المشهد العام مُحبِطاً، لكن عند تقييم الظروف التي تحمّلها هذا البلد منذ أن تعرّض للغزو في عام 1979 وتداعيات غياب الاستقرار على المنطقة ككل، سيصبح وجود قوات التحالف منطقياً.

باختصار، سيؤدي الانسحاب من أفغانستان في سبتمبر المقبل إلى إضعاف المكاسب المحققة حتى الآن وإهدار تضحيات آلاف الجنود وعمال الإغاثة الدوليين والمدنيين والشباب الأفغانيين الذيين يناضلون لإعادة بناء بلدهم، ويجب أن يقيّم المعنيون هذا القرار بناءً على التهديدات المترتبة عنه لأن الانسحاب قد يطلق أزمة إنسانية جديدة ويمنح المنظمات الإرهابية ملاذاً آمناً ويعيد ترسيخ حُكم "طالبان".

جيمس كرايتون - ناشونال إنترست