ولما كانت الليلة السادسة والثمانون بعد الستمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، أن الشاب قال لتاج الملوك: فلما رفست ابنة عمي في صدرها، انقلبت على طرف الإيوان، فجاء الوتد في جبينها وسال دمها فسكتت ولم تنطق بحرف واحد، ثم أنها قامت في الحال وأحرقت حرقاً وحشت به ذلك الجرح، وتعصبت بعصابة ومسحت الدم الذي سال على البساط وكأن ذلك ما كان، ثم انها أتتني وتبسمت في وجهي، وقالت لي بلين الكلام: والله يا ابن عم ما قلت هذا الكلام استهزاءً بك ولا بها، وقد كنت مشغولة بوجع رأسي ومسح الدم في هذه الساعة قد خفت رأسي وخفت جبهتي فأخبرني بما كان من أمرك، فحكيت لها جميع ما وقع لي منها في ذلك اليوم.

Ad

علامة القبول

وبعد كلامي بكيت، وقالت يا ابن عمي أبشر بنجاح قصدك وبلوغ أملك، إن هذه علامة القبول، وذلك أنها غابت لأنها تريد أن تخبرك وتعرف هل أنت صابر أم لا، وهل أنت صادق في محبتها أم لا، وفي غد توجه إليها في مكانك الأول وأنظر ماذا تشير به إليك، فقد قربت أفراحك وزالت أتراحك، وصارت تسليني على ما بي وأنا لم أزل متزايد الهموم والغموم، ثم قدمت لي طعاماً من الزبدية فرفسته فانكبت كل زبدية في ناحية، وقلت كل من كان عاشقاً فهو مجنون لا يميل إلى الطعام ولا يلتذ بمنام، فقالت لي ابنة عمي عزيزة، والله يا ابن عمي إن هذه علامة المحبة وسالت دموعها ولمت شقافة الزبادي ومسحت الطعام، وأنا أدعو الله أن يصبح الصباح.

مرآة وقنديل

فلما أصبح الصباح وأضاء بنوره ولاح، توجهت إلى ذلك الزقاق بسرعة، وجلست على تلك المصطبة، وإذا بالطاقة انفتحت وأبرزت رأسها منها وهي تضحك، ثم رجعت وهي معها مرآة وكيس وقصرية ممتلئة زرعاً أخضر وفي يدها قنديل، فأول ما فعلت أخذت المرآة في يدها وأدخلتها في الكيس ثم ربطته ورمته في البيت، ثم أرخت شعرها على وجهها ثم وضعت القنديل على رأس الزرع لحظة ثم أخذت جميع ذلك وانصرفت به وأغلقت الطاقة، فانفطر قلبي من هذا الحال ومن إشاراتها الخفية ورموزها المخفية والطلاسم، وهي لم تكلمني بكلمة قط، فاشتد ذلك غرامي وزاد وجدي وهيامي، ثم إني رجعت على عقبي وأنا باكي العين حزين القلب حتى دخلت البيت، فرأيت بنت عمي قاعدة ووجهها إلى الحائط، وقد احترق قلبها من الهم والغم والغيرة، لكن نكبتها منعتها أن تخبرني بشيء مما عندها من الغرام، لما رأت ما أنا فيه من كثرة الوجد والهيام، ثم نظرت إليها فرأيت على رأسها عصابتين إحداهما من الوقعة على جبهتها، والأخرى على عينيها بسبب وجع أصابها من شدة بكائها، وفي أسوأ الحالات تبكي وتنشد هذه الأبيات:

أينما كنت لـم تـزل بـأمـان

أيها الراحل المقيم بقـلـبـي

ولك الله حيث أمـسـيت جـار

منقذ من صروف دهر وخطب

ليت شعري بأي أرض ومغنى

أنت مستوطن بدار وشـعـب

إن يكن شربك الـقـراح زلالا

فدموعي من المحاجر شربـي

كل شيء سوى فراقك عـذب

كالتجافي بين الرقاد وجنـبـي

فلما فرغت من شعرها، نظرت إلي فرأتني وهي تبكي فمسحت دموعها ونهضت إلي، ولم تقدر أن تتكلم مما هي فيه من الوجد، ولم تزل ساكتة برهة من الزمان، ثم بعد ذلك قالت: يا ابن عمي أخبرني بما حصل لك منها في هذه المرة، فأخبرتها بجميع ما حصل لي.

وعود اللقاء

فقالت لي: إصبر فقد آن أوان وصالك وظفرت ببلوغ آمالك، أما إشارتها لك بالمرآة وكونها أدخلتها في الكيس فإنها تقول لك: إصبر إلى أن تغطس الشمس، وأما إرخاؤها شعرها على وجهها فإنها تقول لك: إذ أقبل الليل وانسدل سواد الظلام على نور النهار فتعال، وأما إشارتها لك بالقصرية التي فيها زرع فإنها تقول لك: إذا جئت فادخل البستان الذي وراء الزقاق، وأما إشارتها لك بالقنديل فإنها تقول لك: إذا جئت البستان فامش فيه، وأي موضع وجدت القنديل مضيئاً فتوجه إليه وإجلس تحته وانتظرني فإن هواك قاتلي.

فلما سمعت كلام ابنة عمي صحت من فرط الغرام، وقلت: كم تعديني وأتوجه إليها ولا أحصل مقصودي ولا أجد لتفسيرك معنى صحيحاً، فعند ذلك ضحكت بنت عمي، وقالت لي: بقي عليك من الصبر أن تصبر بقية هذا اليوم إلى أن يولي النهار ويقبل الليل بالاعتكار فتحظى بالوصال وبلوغ الآمال، وهذا الكلام صدق بغير يمين، ثم أنشدت هذين البيتين:

درب الأيام تندرج

وبيوت الهم لا تلج

رب أمر عز مطلبه

قربته ساعة الفرج

ثم إنها أقبلت علي وصارت تسليني بلين الكلام، ولم تجسر أن تأتيني بشيء من الطعام مخافة من غضبي عليها، ورجاء ميلي إليها ولم يكن لها قصد إلا أنها أتت إلي، ثم قالت: يا ابن عمي أقعد معي حتى أحدثك بما يسليك إلى آخر النهار، وإن شاء الله تعالى ما يأتي الليل إلا وأنت عند محبوبتك، فلم ألتفت إليها وصرت أنتظر مجيء الليل وأقول: يا رب عجل بمجيء الليل، فلما أتى الليل بكت ابنة عمي بكاء شديداً، وأعطتني حبة مسك خالص، وقالت لي: يا ابن عمي اجعل

هذه الحبة في فمك، فإذا اجتمعت بمحبوبتك فأنشدها هذا البيت:

ألا أيها العشاق بالـلـه خـبـروا

إذا اشتد عشق بالفتى كيف يصنع

ثم إنها حلفتني أني لا أنشدها ذلك البيت من الشعر إلا بعد خروجي من عندها، فقلت لها سمعاً وطاعة، ثم خرجت وقت العشاء ومشيت، ولم أزل ماشياً حتى وصلت إلى البستان فوجدت بابه مفتوحاً فدخلته، فرأيت نوراً على بعد فقصدته، فلما وصلت إليه وجدت مقعداً عظيماً معقوداً عليه قبة من العاج والأبنوس والقنديل معلقاً في وسط تلك القبة، وكان ذلك المقعد مفروشاً بالبسط الحرير المزركشة بالذهب والفضة، وهناك شمعة كبيرة موقودة في شمعدان من الذهب تحت القناديل، وفي وسط المقعد فسقية فيها أنواع التصاوير، وبجانب تلك الفسقية سفرة مغطاة بفوطة من الحرير، وإلى جانبها باطية كبيرة من الصيني وفيها قدح من بلور مزركش بالذهب، وإلى جانب الجميع طبق كبير من فضة مغطى فكشفته فرأيت فيه من سائر الفواكه ما بين تين ورمان وعنب ونارنج وإترنج وكباد، وبينها أنواع الرياحين من ورد وياسمين وآس ونسرين ونرجس، ومن سائر المشمومات، فهمت بذلك المكان وفرحت غاية الفرح وزال عني الهم والترح، لكني في هذه الدار لم أرَ أحداً من خلق الله تعالى. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

شهية الطعام

ولما كانت الليلة السابعة والثمانون بعد الستمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، أن الشاب قال لتاج الملوك: ولم أرَ عبداً ولا جارية، فجلست في ذلك المقعد أنتظر مجيء محبوبة قلبي إلى أن مضت أول ساعة من الليل وثاني ساعة وثالث ساعة فلم تأت واشتد بي الجوع لأن لي مدة من الزمان ما أكلت طعاماً لشدة وجدي، فلما رأيت ذلك المكان وظهر لي صدق بنت عمي في فهم إشارة معشوقتي استرحت، ووجدت ألم الجوع وقد شوقتني روائح الطعام الذي في السفرة لما وصلت إلى ذلك المكان، واطمأنت نفسي بالوصال فاشتهت نفسي الأكل فتقدمت إلى السفرة وكشفت الغطاء فوجدت في وسطها طبقاً من الصيني وفيه أربع دجاجات محمرة ومتبلة بالبهارات، وحول ذلك الطبق أربع زبادي واحدة حلوى والأخرى حب الرمان والثالثة بقلاوة والرابعة قطايف، وتلك الزبادي ما بين حلو وحامض، فأكلت من القطايف، وأكلت قطعة لحم، وعمدت إلى البقلاوة وأكلت منها ما تيسر، ثم قصدت الحلوى وأكلت ملعقة أو اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً، وأكلت بعض دجاجة، وأكلت لقمة، فعند ذلك امتلأت معدتي وارتخت مفاصلي، وقد كسلت عن السهر، فوضعت رأسي على وسادة بعد أن غسلت يدي فغلبني النوم، ولم أعلم بما جرى لي بعد ذلك، فما استيقظت حتى أحرقني حر الشمس لأن لي أياماً ما ذقت مناماً، فلما استيقظت وجدت على بطني ملحاً وفحماً فانتصبت واقفاً ونفضت ثيابي، والتفت يميناً وشمالاً فلم أجد أحداً، ووجدت أني كنت نائماً على الرخام من غير فرش فتحيرت في عقلي وحزنت حزناً عميقاً وجرت دموعي على خدي وتأسفت على نفسي فقمت وقصدت البيت، فلما وصلت إليه وجدت ابنة عمي تبكي بدمع يباري السحب الماطرات، وتنشد هذه الأبيات:

هب ريح من الحي ونـسـيم

فأثار الهوى ينشر هبـوبـه

يا نسيم الصبا هـلـم إلـينـا

كل صب بحظه ونصـيبـه

أو قدرنا من الغرام اعتنقـنـا

كاعتناق المحب صدر حبيبه

حرم الله بعد وجه ابن عمـي

كل عيش من الزمان وطيبه

ليت شعري بل قلبه مثل قلبي

ذائب من حر الهوى ولهيبـه

الملح والفحم

فلما رأتني قامت مسرعة ومسحت دموعها وأقبلت عليّ بلين كلامها، وقالت: يا ابن عمي أنت في عشقك قد لطف الله بك حيث أحبك من تحب، وأنا في بكائي وحزني على فراقك من يلومني، ولكن لا آخذك الله من جهتي، ثم إنها تبسمت في وجهي تبسم الغيظ ولاطفتني وقلعتني ثيابي ونشرتها وشمتها، وقالت: والله ما هذه روائح من حظي بمحبوبه فأخبرني بما جرى لك يا ابن عمي فأخبرتها بجميع ما جرى لي فتبسمت تبسم الغيظ ثانياً، وقالت: إن قلبي ملآن موجع فلا عاش من يوجع قلبك، وهذه المرأة تتعزز عليك تعززاً قوياً، والله يا ابن عمي إني خائفة عليك منها، واعلم يا ابن عمي أن تفسير الملح هو أنك مستغرق في النوم، فكأنك دلع الطعم بحيث تعافك النفوس فينبغي لك أن تتملح حتى لا تمجك الطباع، لأنك تدعي أنك من العشاق الكرام، والنوم على العشاق حرام فدعواك المحبة كاذبة، وكذلك هي محبتها لك كاذبة، لأنها لما رأتك نائماً لم تنبهك، ولو كانت محبتها لك صادقة أنبهتك، وأما الفحم فإن تفسير إشارته سود الله وجهك حيث ادعيت المحبة كذباً، وإنما أنت صغير لم يكن لك همة إلا الأكل والشرب والنوم، فهذا تفسير إشارتها فالله يخلصك منها.

فلما سمعت كلامها ضربت بيدي على صدري، وقلت: والله إن هذا هو الصحيح لأني نمت والعشاق لا ينامون، فأنا الظالم لنفسي وما كان أضر علي من الأكل والنوم فكيف يكون الأمر، ثم إني زدت في البكاء وقلت لابنة عمي: دليني على شيء أفعله وارحميني يرحمك الله وإلا مت، وكانت بنت عمي تحبني محبة شديدة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

نصيحة عزيزة

وفي الليلة الثامنة والثمانين بعد الستمئة، قالت شهرزاد: بلغني الملك السعيد، أن الشاب قال لتاج الملوك فقالت لي على رأسي وعيني، ولكن يا ابن عمي قد قلت لك مراراً لو كنت أدخل وأخرج لكنت أجمع بينك وبينها في أقرب زمن وأغطيكما بذيلي، ولا أفعل معك هذا إلا لقصد رضاك، وإن شاء الله تعالى أبذل غاية الجهد في الجمع بينكما، لكن اسمع قولي وابلغ أمري واذهب إلى نفس ذلك المكان وأقعد هناك، فإذا كان وقت العشاء فاجلس في الموضع الذي كنت فيه، واحذر أن تأكل شيئاً لأن الأكل يجلب النوم، وإياك أن تنام فإنها لا تأتي لك حتى يمضي الليل ربعه كفاك الله شرها، فلما سمعت كلامها فرحت وصرت أدعو الله أن يأتي الليل، فلما أردت الإنصراف قالت لي ابنة عمي: إذا اجتمعت بها فأذكر لها البيت المتقدم وقت انصرافك، فقلت لها: على الرأس والعين، فلما خرجت وذهبت إلى البستان وجدت المكان مهيأ على الحالة التي رأيتها أولاً، وفيه ما يحتاج إليه من الطعام والشراب والنقل المشموم وغير ذلك، فطلعت المقعد وشممت رائحة الطعام فاشتاقت نفسي إليه فمنعتها مراراً فلم أقدر على منعها، فقمت وأتيت إلى السفرة وكشفت غطاءها، فوجدت صحن دجاج وحوله أربع زبادي من الطعام فيها أربعة ألوان، فأكلت من كل لون لقمة، وأكلت ما تيسر من الحلوى، وأكلت قطعة لحم، وشربت من الزردة وأعجبتني فأكثرت الشرب منها بالملعقة حتى شبعت وامتلأت بطني، وبعد ذلك انطبقت أجفاني فأخذت وسادة ووضعتها تحت رأسي وقلت لعلي أتكئ عليها ولا أنام، فأغمضت عيني ونمت، وما إن انتبهت حتى طلعت الشمس فوجدت على بطني كعب عظم وفردة طاب بلح وبزرة خروب، وليس في المكان شيء من فرش ولا غيره، وكأنه لم يكن فيه شيء بالأمس، فقمت ونفضت الجميع عني وخرجت وأنا مغتاظ إلى أن وصلت إلى البيت فوجدت ابنة عمي تصعد الزفرات وتنشد الأبيات:

جسدنا حل وقـلـب جـريح

ودموع على الخدود تـسـيح

وحبيب صعب التجني ولكـن

كل ما يفعل المليح مـلـيح

يا ابن عمي ملأت بالوجد قلبي

إن طرفي من الدموع قريح

فنهرت ابنة عمي وشتمتها فبكت، ثم مسحت دموعها، وقالت لي: يا ابن عمي كأنك نمت في هذه الليلة، فقلت لها: نعم، ولكنني لما انتبهت وجدت كعب عظم على بطني وفردت طاب ونواة بلح وبزرة خروب، وما أدري لأي شيء فعلت هكذا، ثم بكيت وأقبلت عليها وقلت لها: فسري لي إشارة فعلها هذا، وقولي لي ماذا أفعل؟ وساعديني على الذي أنا فيه.

نواة بلح وخروب

فقالت لي: على الرأس والعين، أما فردة الطاب التي وضعتها على بطنك فإنها تشير لك إلى أنك حضرت وقلبك غائب، وكأنها تقول لك: ليس العشق هكذا فلا تعد نفسك من العاشقين، وأما نواة البلح فإنها تشير لك بها إلى أنك لو كنت عاشقاً لكان قلبك محترقاً بالغرام، ولم تذق لذيذ المنام، فإن لذة الحب كتمرة ألهبت في الفؤاد جمره، وأما بزرة الخروب فإنها تشير لك به إلى أن قلب المحب مسلوب، وتقول لك: اصبر على فراقها صبر أيوب.

فلما سمعت هذا التفسير انطلقت في فؤادي النيران، وزادت بقلبي الأحزان فصحت وقلت: قدر الله علي النوم لقلة بختي، ثم قلت لها: يا ابنة عمي بحياتي عندك أن تدبري لي حيلة أتوصل بها إليها فبكت، وقالت: يا عزيزي، يا ابن عمي إن قلبي ملآن بالفكر، ولا أقدر أن أتكلم ولكن رح الليلة إلى ذلك المكان، واحذر أن تنام فإنك تبلغ المرام، هذا هو الرأي والسلام، فقلت لها: إن شاء الله لا أنام وإنما أفعل ما تأمريني به، فقامت بنت عمي وأتت بالطعام، وقالت لي: كل الآن ما يكفيك حتى لا يبقى في خاطرك شيء، فأكلت كفايتي ولما أتى الليل قامت بنت عمي وأتتني ببدلة عظيمة ألبستني إياها وحلفتني أن أذكر لها البيت المذكور وحذرتني من النوم، ثم خرجت من عند بيت عمي وتوجهت إلى البستان، وطلعت ذلك المقعد، وجعلت أفتح عيني بأصابعي وأهز رأسي، حين جن الليل. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

شفرة ودرهم حديد

وفي الليلة التاسعة والثمانين بعد الستمئة، قالت شهرزاد: بلغني الملك السعيد، أن الشاب قال لتاج الملوك: وطلعت من ذلك المقعد ونظرت إلى البستان وجعلت أفتح عيني وأهز رأسي حين جن الليل فلما طلعت رجعت من السهر وهبت علي روائح الطعام فازداد جوعي وتوجهت إلى السفرة وكشفت غطاءها، وأكلت من كل لون لقمة، وأكلت قطعة لحم، وقد ضربني الهواء، فوقعت على الأرض كالقتيل ومازلت كذلك حتى طلع النهار فانتبهت فرأيت نفسي خارج البستان، وعلى بطني شفرة ماضية ودرهم حديد، فارتجفت وأخذتهما وأتيت بهما إلى البيت فوجدت ابنة عمي تقول، إني في هذا البيت مسكينة حزينة ليس لي معين إلا البكاء، فلما دخلت وقعت من طولي ورميت السكين والدرهم من يدي وغشي علي، فلما أفقت عرفتها بما حصل لي، وقلت لها: إني لم أنل إربي فاشتد حزنها علي لما رأت بكائي ووجدي، وقالت لي: إني عجزت عن النوم، فلم تسمع نصحي فكلامي لا يفيدك شيئاً.

فقلت لها: أسألك بالله أن تفسري لي إشارة السكين والدرهم الحديد، فقالت: إن الدرهم الحديد فإنها تشير بها إلى عينها اليمنى، وأنها تقسم بها، وتقول: وحق رب العالمين وعين اليمين، إن رجعت ثاني مرة ونمت لأذبحنك بهذه السكين، وأنا خائفة عليك يا ابن عمي من مكرها، وقلبي ملآن بالحزن عليك، فما أقدر أن أتكلم فإن كنت تعرف من أنك إن رجعت إليها لا تنام، فإرجع إليها وإحذر النوم، فإنك تفوز بحاجتك، وإن عرفت أنك إن رجعت إليها تنام على عادتك ثم رجعت إليها ونمت ذبحتك، فقلت لها: وكيف يكون العمل يا بنت عمي أسألك بالله أن تساعديني على هذه البلية.

الجريدة - القاهرة