يبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ينوي الحفاظ على الوضع الراهن غداة انتخابات مجلس الدوما، وقد يكتفي بتغيير تركيبة البرلمان الحالي.

لكن ستتغير طبيعة قيادة بوتين على الأرجح، فقد تحوّل من شخصية تُحدد قواعد اللعبة لتطوير المجتمع إلى معالج نفسي يسعى إلى إقناع المجتمع بتقبّل تلك القواعد الثابتة. لم يظهر بوتين في خطابه الأخير كسياسي بل كطبيب يوصي مرضاه بممارسة التأمل وتلقي اللقاح وأخذ المهدئات للتمكن من تحمّل الواقع المضطرب.

Ad

هذه السنة، اتّضح أكثر من أي وقت مضى أن الخطابات الرئاسية لا تعكس الأجندة الحقيقية بل تُخفيها، وتوقّع الجميع تعليقات مفصّلة حول أبرز المواضيع المتداولة، مثل أوكرانيا وبيلاروسيا والاحتجاجات وتراجع المداخيل، لكن أغفل بوتين هذه اللائحة الطويلة وتطرّق في القسم الأول من خطابه إلى تدابير اجتماعية ثانوية.

تمحور الجزء الثاني من الخطاب حول البنى التحتية والسياسة الإقليمية، لكن اكتفى بوتين في هذا المجال بالتكلم عن مسؤوليات الحكومة. ذكر مصدر مقرّب من الحكومة أن الرئيس طرح خطة التنمية الاستراتيجية في روسيا حتى عام 2030: إنها وثيقة يُفترض أن تنهيها الحكومة بحلول الصيف المقبل،

أما الجزء الثالث من الخطاب، فكان مُخصصاً لواحد من أكثر المواضيع التي تهمّ بوتين: الوضع الجيوسياسي، لكن كان هذا الجزء الأقصر أيضاً، فلا يتعلق السبب بتعب المجتمع الروسي من السياسة الخارجية فحسب، وهو ما تثبته استطلاعات الرأي، بل يبدو أن الرئيس لم يعد مستعداً لمناقشة خطط السياسة الخارجية وقراراته مع الرأي العام. لقد أصبحت جميع المسائل التي تهمّ بوتين عبارة عن سلسلة من العمليات السرية والخاصة.

بدل الكشف عن أجندة حقيقية، تُستعمل الخطابات اليوم لطرح نماذج تجريبية أمام الرأي العام وتلقينه المفاهيم الضرورية، وبرأي بوتين، تُعتبر العملية التي أطلقتها الوكالات الاستخبارية ضد أعضاء من المعارضة البيلاروسية مثلاً انقلاباً خطيراً ضد نظيره البيلاروسي وخطة من تنظيم الغرب، وفي الوقت نفسه، يغفل الجميع عن حقيقة ما يحصل في بيلاروسيا: لم يكشف بوتين أي معلومة رغم وفرة التوقعات حول القمة التي جمعته بنظيره البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو في اليوم الذي تلا خطابه.

حتى أن بوتين بدا أقل استعداداً للتكلم عن موضوع مهم آخر بات محط جدل واسع في الفترة الأخيرة: المعارضة، فلم يذكر شيئاً عن زعيم المعارضة المعتقل ألكسي نافالني (يُقال إنه مريض وحالته خطيرة غداة إضرابه عن الطعام منذ وقتٍ طويل)، ولم يتطرق إلى النقاش الحاصل في الغرب حول هذا الملف، أو رسائل الدعم لنافالني من شخصيات عامة متنوعة (منهم أشخاص فائزون بجائزة نوبل)، أو حملة قمع الاحتجاجات بطرق وحشية، أو التخطيط لتصنيف المعارضة غير النظامية ككيان متطرف. أغفل خطاب بوتين عن هذه المسائل كلها.

يريد الكرملين أن يبعد نفسه بالكامل عن المعارضة المعزولة عن النظام السياسي، فقبل يوم من خطاب حالة الأمة، قال المتحدث باسم بوتين، ديمتري بيسكوف، إنه لن يجيب بعد الآن عن أي أسئلة مرتبطة بنافالني لأنه لا يملك أي معلومات عن هذا الموضوع وأكد ضرورة أن تُوجَّه هذه الأسئلة كلها إلى خدمة السجون الفدرالية.

نتيجةً لذلك، بدأت قنوات التواصل بين الرئيس والمجتمع تنحسر بدرجة غير مسبوقة، حيث تتعدد الأحداث المهمة التي يحتاج الرئيس إلى مناقشتها جدياً مع الرأي العام، لكن يُستبدَل هذا النقاش بصور مبسّطة وكأنها مستوحاة من كتب الأطفال، وفي المقابل، تبرز مسائل مزعجة أو غير مهمة للرئيس، ولكنها لا تخضع للنقاش أيضاً رغم أهميتها.

باختصار، من الواضح أن بوتين يريد عزل نفسه عن الواقع الراهن الذي بات أكثر تأثراً بعوامل خارجية متعددة، فهو لا يترك لنفسه فرصاً كثيرة لإثبات قدرته على التعامل مع الظروف القائمة.

تاتيانا ستانوفايا - موسكو تايمز