هل هو من كوكب آخر؟

Ad

ذلك الطبيب الذي أجرى عملية لي وهي إصلاح الصمام الميترالي الذي يضخ الدم في القلب إلى كل وظائف الجسم الحيوية، وذلك بتركيب ميترال كليب له، وأثناء إجراء العملية أصيب بجلطة في القلب، فقام فريقه الطبي على الفور بإجراء رسم قلب له، فاكتشفوا حاجته إلى تركيب دعامتين في شرايين قلبه، إلا أنه رفض ذلك قبل أن ينتهي من إجراء عمليتي وتركيب كليب ثان للصمام، وهو يجلس على مقعد، وكان قبل إصابته قد ركب الكليب الأول.

وكان من فحصني من أطباء القلب قد أشاروا عليّ بتركيب هذا الكليب، وأن العملية آمنه بنسبة 95% إلا أنهم تحفظوا بأن الخطر لا يزال قائما إذا ضل الكليب طريقه إلى الصمام وخرم القلب أو أصابني بجلطة في المخ.

فكيف لم يضل الكليب الأول طريقه في يد هذا الطبيب الإنسان الماهر؟ سؤال مشروع وقد بدأت العملية في الساعة العاشرة صباح الأول من أبريل، ولم يكن قد مضى على هبوط الطائرة التي أقلته إلى مصر في منتصف الليل يوم 31 مارس سوى بضع ساعات.

ولا أجد إجابة عن هذا السؤال سوى أنه كان يتألم لألمي ويتوجع لوجعي طيلة أكثر من شهر تأخرت الشركة الأميركية المنتجة للكليب في تصديره، وفور علمه بوصول الكليب استقل أول طائرة ليجري العملية.

وكيف لم يضل الكليب الثاني طريقه عندما قام هذا الطبيب الإنسان بتركيبه وهو في هذه الحالة الصحية الحرجة، رغم اعتراض ونصح فريقه الطبي له بعدم إجهاد نفسه أكثر من هذا؟ ولماذا تحامل على نفسه كل هذا في المرتين، الأولى عندما حدد موعدا مبكرا لإجراء العملية ولم يكن قد أخذ قسطاً من الراحة الكافية من عناء السفر، والثانية عندما استكمل عمليته، قبل أن ينقلوه إلى غرفة عمليات أخرى لتخديره وتركيب دعامتين في شرايين قلبه؟

لقد شعر في المرتين بمسؤوليته الإنسانية والطبية عن مريض يتألم ويتوجع، بل شعر بمسؤوليته الإنسانية منذ اليوم الأول الذي اتصلت فيه به، وفور سماعه بحالتي، فتطوع لإجرائها في مصر، ولما سألته عن أتعابه قال لي لا تقلق بعد أن أجري العملية وتتعافى بإذن الله سأقول لك مقدار أتعابي.

هل هذا الطبيب من كوكب آخر؟

سؤال مشروع نطرحه على الأطباء والمستشفيات الخاصة في هذا الزمن الرديء، فهذا الطبيب الإنسان الرائع والماهر في آن واحد، هو المتخصص الوحيد في تركيب الميترال كليب للصمام الميترالي، بل إن صيته ذاع في المنطقة العربية كلها في تخصص استبدال الشريان الأورطي بشريان جديد أو إصلاحه.

لقد ضرب هذا الطبيب أبلغ مثال وأروع نموذج للطبيب الإنسان الماهر في زمن لا يدخل الطبيب فيه غرفة العمليات إلا بعد أن يأخذ أتعابه كاملة والمستشفيات الخاصة لا تسلم جثة المريض إلا بعد أن يقوم ذووه بسداد مصاريف الإقامة كاملة.

فقد تحولت المستشفيات إلى فنادق سبعة نجوم، والأطباء الذين تجردوا من إنسانيتهم، أصبحت مهنة الطب عندهم تجارة، وحياة المرضى هي الأخيرة في سلم الأولويات.

مهنة الطب

إن مهنة الطب هي من أسمى المهن وأجلها شأنا، لا يعادلها أو يوازيها إلا ولاية القضاء، وفي ناموس أبقراط أن الطب أشرف الصنائع كلها، وهي مهنة إنسانية نبيلة، ترسم البسمة على شفاه المرضى وشفاه ذويهم، بتخفيف ألم المريض وإدخال السعادة على قلبه وقلوبهم بعد الشفاء الكامل.

ولارتباط هذه المهنة بحياة الإنسان، وآلامه، وموته، ارتبطت بالدين، فكان التداخل بين وظيفتي الكهانة والتطبيب في مصر القديمة، وكانت مدارس الأحبار اليهود تدرس منهاجاً في الطب.

وكان ابن النفيس الرائد الأول في علوم الطب يكتب في الحديث وأصول الفقه، وإذا كان الطب قد امتزج بالسحر لدى الإغريق، فإن ذلك لم يستمر طويلاً، إذ أفرزت الحضارة الإغريقية أبقراط الذي أسس فن الطب على أصوله العلمية، يحدوه الجانب الأخلاقي، ويظهر ذلك في قسمه المشهور.

ويستهل أبقراط قسمه بقوله: "إني أقسم بالله رب الحياة والموت واهب الحياة والموت، وواهب الصحة، وخالق الشفاء، وكل علاج"، ويقول في هذا القسم "وأقصد في جميع التدابير بقدر طاقتي منفعة المرضى، وأما الأشياء التي تضر بهم، وتدني منهم بالجور عليهم، فأمتنع عنها ولا أعطي إذا طلب مني دواء قتال ولا أشير أيضاً بمثل هذه المشورة".

وفي وصية أبقراط يتطلب من الطبيب أن "يكون صحيح الرأي عند المشورة، عفيفاً شجاعاً غير محب للفضة، مالكاً لنفسه عند الغضب، ولا يكون تاركاً للغاية، مشاركاً للعليل، مشفقاً عليه حافظاً للأسرار".

المستشار شفيق إمام