دارت تفاصيل تلك المأساة المروعة في شارع «9» بحي المعادي الهادئ جنوبي العاصمة المصرية القاهرة، وتركت الحادثة أثراً دامياً في قلوب الملايين من المصريين وأرجاء العالم العربي، فور سماع خبر مصرع مريم دهساً تحت عجلات سيارة، وفرار الجناة من مسرح الجريمة، تاركين جثة الضحية وسط بركة من الدماء، وحولها تجمع لأهالي المنطقة، وقد تملكهم غضب عارم، بينما تقف صديقتها في ذهول وجسدها يرتعد من الخوف الشديد، ولا تقوى على النطق من هول الصدمة، وبعد دقائق حملت عربة الإسعاف جثة المجني عليها إلى المستشفى، وتكثفت تحريات الشرطة للوصول إلى الجناة.

وتناقلت وسائل الإعلام خبر مصرع مريم، وتعالت صيحات الغضب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبر المغردون أن الجريمة التي وقعت في أحد أيام شهر أكتوبر من العام الماضي، تعد من أبشع الجرائم بحق ضحايا أبرياء، إذ لقيت مريم حتفها دهساً أسفل عجلات «ميكروباص» لأنها قاومت الجناة في أثناء سرقتها بالقوة، وحين أخفقوا في اختطاف حقيبتها، قاموا بقتلها من دون وازع من رحمة، وتركوها مضرجة في دمائها.

Ad

وتتابعت أقوال الشهود خلال فترة التحقيقات، وقالت النيابة العامة إن شاهداً أبلغ الشرطة برؤيته سيارة «ميكروباص» بيضاء اللون مطموسة بيانات لوحتها المعدنية الخلفية، ويستقلها اثنان، انتزع مُرافق سائقِها حقيبة المجني عليها، ولكن الضحية تشبثت بها خلال تحرك السيارة، ما أخلّ بتوازن المجني عليها، فارتطم رأسها بمقدمة السيارة التي كانت تتوقف بجوارها، وفر الجانيان بالحقيبة، بينما ابتعدت الفتاة التي كانت بصحبة المجني عليها خوفاً أثناء وقوع الحادث، وبعدها ظلت الضحية قرابة نصف الساعة في مكان الحادث حتى قدوم سيارة الإسعاف، ثم فارقت الحياة متأثرة بجراحها.

وهوت الصدمة الفاجعة على أسرة مريم، ضحية حادث الدهس، وذكرت الأسرة في التحقيقات أن ابنتهم تعمل في أحد البنوك، ووقت الحادث كانت عائدة من عملها في البنك، وكانت تقف في انتظار والدها، وجاءت سيارة ميكروباص مسرعة، وقام شاب داخلها بخطف حقيبتها، فسقطت رأسها أسفل السيارة وتوفيت بعد نصف ساعة من الحادث. وطالبوا بسرعة إلقاء القبض على الجناة وتوقيع أقصى العقوبة عليهم.

وتطايرت أصداء الجريمة المروعة، وانتشرت تفاصيلها بشكل موسع ومتلاحق عبر الإنترنت من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وعبّر كثيرون عن سخطهم وتنديدهم بما تعرضت له مريم، مطالبين بمحاسبة الجناة وتطبيق القانون للحد من جرائم مشابهة، وضرورة الحفاظ على سلامة النساء في الشوارع والأماكن العامة، لا سيما عند خروجهن من المنزل بمفردهن، وتبين من التحريات الأوليّة، أن المتهمَين حاولا التحرش بالضحية في أثناء عودتها من العمل، وعقب هروبها منهما اشتبكت ملابسها في سيارتهما، ما أدى إلى سقوطها أسفل عجلات السيارة بعد ارتطام رأسها بسيارة كانت متوقفة في الشارع، وحاول المتهمان الهرب فسحلا الضحية عشرات الأمتار، حتى تهتك جسدها.

وذكر أحد شهود الواقعة أنه رأى المجني عليها في صحبة فتاة أخرى، وكانتا تتحدثان بالقرب من سيارة، وخلال توقفهما اقتربت سيارة ميكروباص بيضاء اللون يستقلها اثنان، حاول أحدهما انتزاع حقيبة المجني عليها التي كانت ترتديها على ظهرها، وتشبث بها خلال تحرك السيارة فاختل توازنها وارتطم رأسُها بمقدمة السيارة التي كانت بجوارها، وفرَّ الجانيان بالحقيبة.

وكثفت أجهزة الأمن في القاهرة جهودها، للقبض على الجناة، وكان مأمور قسم شرطة المعادي، قد تلقى بلاغاً من الأهالي بوجود جثة لفتاة في أحد الشوارع بدائرة القسم، وانتقل فريق من المباحث، وعثر على جثة فتاة في العقد الثالث من العمر مهتكة الجسد، وبها عدة كسور، وبتفريغ كاميرات المراقبة الموجودة في الشارع تبين أنه في أثناء سير المجني عليها في الشارع، تحرش بها مجهولان لفظياً، وحاول أحدهما الإمساك بها، وجرى تحرير محضر بالواقعة، وتولت النيابة التحقيق، وصرّحت النيابة بتشريح جثة الضحية لبيان أسباب الوفاة وملابساتها، وتسليمها لذويها لدفنها، وتكثيف الجهود لضبط الجناة.

سقوط الجانيين

تحوّلت حادثة «فتاة المعادي» إلى قضية رأي عام، وأدمت مشاعر الأسر المصرية، وبدورها تحركت سريعاً قوات الشرطة، لضبط الجناة، وجرى تكوين فريق من 16 ضابطاً من أكفأ رجال المباحث، وبمعاونة من ثلاثة أقسام شرطة، وعملت مديرية أمن القاهرة على مدار 36 ساعة متواصلة من أجل فك خيوط الجريمة المروعة.

وبدأ الضباط في الانتشار وفق الخطة المكلفين بها، وبدت المهمة العاجلة صعبة، فالشهود قدموا معلومات لكنها لم تكن كافية لتحديد هوية المتهمين، وكشف تفريغ كاميرات المراقبة جزءاً من الخيط، لكنها أيضاً لم ترصد المتهمين، حيث كانت السيارة التي استقلها المتهمان مطموسة الأرقام، واتسعت دائرة تعقب خط سير السيارة من خلال الكاميرات في أرجاء حي المعادي موقع الحادث إلى أن تنتهي رحلتها، وتستقر في المكان الأخير.

وقام الضباط والأفراد بتنفيذ الخطة الموضوعة بدقة وحرفية عالية، وجرى توخي السرية الكاملة للمهمة، حتى لا يشعر المتهمان بقرب رجال المباحث منهم ويفرا من جديد، وأسفرت نتائج فحص جميع كاميرات المراقبة التي مرت عليها السيارة أنها استقرت في حي «دار السلام»، ومن هنا بدأت تتكشف خيوط الجريمة وتحديد هوية الجناة.

وتمكنت القوة الأمنية من ضبط المتهم الأول ويُدعى وليد (34 عاماً)، سائق ومقيم في اسطبل عنتر بحي مصر القديمة، وسبق ضبطه واتهامه في عدة قضايا وهي «القضية رقم 7469 لسنة2008 - الدقي (مخدرات)، والقضية رقم 19768 لسنة 2009 - مصر القديمة (مخدرات)، وباستجواب المتهم أرشد عن مكان اختباء المتهم الثاني، وعلى الفور جرى توجيه مأمورية أخرى لضبط المتهم الثاني، ويُدعى محمد وشهرته محمد الصغير (37 عاماً)، مقيم في شارع الملكة بمنطقة «كفر طهرمس» بحي بولاق الدكرور، وسبق اتهامه في عدة قضايا، وهي القضية رقم 989 لسنة 2016 - العبور (مخدرات)، والقضية رقم 9305 لسنة 2015 - الهرم (مخدرات)، والقضية رقم 835 لسنة 2010، بولاق الدكرور (سلاح بدون ترخيص)، واعترف المتهمان بارتكاب الجريمة وسردا تفاصيل الحادث، الذي استغرق 36 ساعة متواصلة بين تحقيق وبحث وفحص وضبط للمتهمين، وجرى تحرير محضر وأُبلِغت النيابة للتحقيق.

شاهد عيان

كانت دوافع الجريمة واضحة، وسجلت كاميرات المراقبة تحرك السيارة من موقع الحادث حتى محطتها الأخيرة، وباشرت النيابة التحقيق، واستمعت لأقوال شاهد عيان الحادث الأليم، وروت صديقة الضحية تفاصيل لحظات الفزع التي مرت أمام عينيها، وكأنها تستعيد تفاصيل كابوس وليس حادثة جرت على أرض الواقع، وكانت في حالة انهيار تام، حين قالت إنها تقابلت مع مريم قبل نصف ساعة تقريباً من الحادث، ووقفتا تتحدثان معاً لدقائق في مفترق شارعين قبل أن تسلك كلتاهما طريقاً مختلفاً للعودة إلى منزليهما.

وتتابعت أقوال صديقة الضحية: «كانت مريم تعطي ظهرها للطريق، وتحمل حقيبة بلاستيكية في يدها، وعلى ظهرها تحمل حقيبة متعلقاتها الشخصية، فلم تكن تضع حقيبتها على إحدى كتفيها، بل كانت تعلقها على ظهرها، وفي لحظة ومن دون أن ننتبه وقع الحادث، ومر الميكروباص من خلفها، وفجأة مد شخص كان يجلس إلى جوار السائق يده وأمسك بحقيبة مريم ومع سرعة السيارة تعلقت مريم بالحقيبة، وسط حالة من الرعب التي انتابتني، فقط تسمرت في مكاني لدقائق، وصرخت بعد أن شاهدت مريم تسقط على الأرض ورأسها تصطدم بسيارة ملاكي كانت متوقفة إلى جوارها»، وأوضحت أن «ضعف جسد مريم مع قوة الاصطدام وسرعة حركة السيارة التي كان يقودها المتهمان جعل مريم تطير قرابة ثمانية أمتار من المكان الذي كنا نقف فيه».

وتابعت الشاهدة: «تسمرتُ في مكاني عندما شاهدت الدماء تسيل من كل مكان في جسد مريم النحيف، ولم أتبين المتهمين بشكل دقيق وكل ما لمحته أن الشخص الذي أمسك بمريم كان شعره طويلاً، وكنت أصرخ لأستغيث بأحد لينقذ صديقتي، واقتربتُ منها فوجدتها فاقدة للوعي وتجمع بعد دقائق عدد من المواطنين حتى جاءت سيارة الإسعاف».

وروى شاهد عيان بعضاً من تفاصيل الحادث، حيث قال إن السيارة «الميكروباص» اقتربت ناحية الضحية وصديقتها قبل أن يُخرِج المتهم يده من نافذة في مقدمة السيارة، ويمسك بحقيبة الضحية التي ارتطمت بسيارة أخرى وسقطت على الأرض واستقرت على بعد أمتار من مكان وقوفها.

وذكر الشاهد ذاته في أقواله أنه أسرع إلى منتصف الشارع لإنقاذ الفتاة وفي أثناء ذلك نظر إلى مؤخرة السيارة التي هربت مسرعة، ولم يتأكد من وجود لوحات معدنية عليها، وانصب اهتمامه كله على محاولة إنقاذ الفتاة والاتصال بسيارة الإسعاف وشرطة النجدة.

واستمعت النيابة لأقوال مالك السيارة الميكروباص التي كان يستقلها المتهمان. وأدلى بمعلومات عنهما، لافتاً إلى أن المتهم الأول تسلم منه الميكروباص في الساعة السابعة صباحاً، وتركها أمام منزله في الثامنة مساءً، وبدا عليه الارتباك على غير عادته، وحين استفسر منه عن الأمر، تعلّل بأنه يشعر بالتعب، وانصرف سريعاً.

وقرّرت النيابة العامة حبس المتهمين على ذمة التحقيقات، واصطحبتهما قوة من مباحث القاهرة بعد اعترافهما في محضر التحريات بما نُسِب إليهما من اتهامات بالشروع في سرقة الضحية بالإكراه واقتران ذلك بجريمة قتل.

وذكرت النيابة أنها انتقلت لمناظرة جثمان المجني عليها وتبينت إصابتها بأنحاء متفرقة من جسمها، كما انتقلت لمعاينة مسرح الحدث بصحبةِ ضُبَّاط «الإدارة العامة لتحقيق الأدلة الجنائية»، فتبينت آثار دماء ملطخة بالرمال على مقربة من إحدى السيارات، فأخذت عينات منها، وكلَّفتْ ضباط الإدارة بمضاهاتها بعينة دماء المجني عليها.

وتمكنت النيابة العامة من الحصول على خمسة مقاطع مرئية من كاميرات المراقبة المُطلَّة على موقع الحادث، والتي تبيَّن منها مرور السيارة التي استقلها المتهمان بسرعةٍ فائقة، وبسؤال أحد الشهود، قال إنه رأى المجني عليها مع صديقتها حيث كانتا تتحدثان بالقرب من السيارة التي أثبتت المعاينة وجود آثار دماء بالقرب منها، وخلال توقفهما اقتربت سيارة ميكروباص بيضاء اللون مطموس بيانات لوحتها المعدنية الخلفية، يستقلها اثنان أدلى بمواصفاتهما، حيث انتزع مرافق سائقها حقيبة المجني عليها التي كانت ترتديها على ظهرها، وتشبث بها خلال تحرك السيارة ممَّا أخلَّ بتوازن المجني عليها، فارتطم رأسُها بمقدمة السيارة التي كانت تتوقف بجوارها، وفرَّ الجانيان بالحقيبة، بينما ابتعدت الفتاة التي كانت بصحبة المجني عليها خوفاً أثناء وقوع الحادث، وأضاف بأن المجني عليها قد مكثت قرابة 30 دقيقة في مكان الحادث حتى قدوم سيارة الإسعاف، ثم فارقت الحياة.

هشام محمد