اقتصر حضور الفنانة رجاء الجداوي وقتاً طويلاً على أنها «الفتاة الجميلة» أمام سيدة الشاشة فاتن حمامة في «دعاء الكروان» عام 1959 للمخرج هنري بركات، أو صديقة للسندريلا سعاد حسني في «إشاعة حب» عام 1960، والنجمة شادية في «كرامة زوجتي» عام 1967، للمخرج فطين عبدالوهاب، وغيرها من الأفلام التي كان حضورها فيها مبهجاً. وتركت الممثلة الشابة في ذلك الوقت انطباعاً جيداً لدى المشاهد، باعتبارها تتميز بتلقائية الأداء من دون تكلف أو مبالغة، وفي مرحلة الشباب أيضاً خلال السبعينيات والثمانينيات، لعبت دور «صديقة للبطلة» مع النجمة نادية لطفي في «على ورق سيلوفان» عام 1975، قصة الدكتور يوسف إدريس وإخراج حسين كمال، ومع السندريلا مرة أخرى في «موعد على العشاء» عام 1981 للمخرج محمد خان.

ومع نهاية الثمانينيات، كانت الجداوي تجاوزت الخمسين من عمرها، ودخلت في مرحلة جديدة، ميّزها شيئان، الأول هو صداقتها والكيمياء الفنية بينها وبين الممثل الكبير عادل إمام، وهو ما جعلها شريكته في العديد من الأعمال طوال 30 عاماً، سواء في المسرح «الواد سيد الشغال» 1986 و«الزعيم» 1993، أو في السينما مثل «حنفي الأبهة» 1991، و«التجربة الدنماركية» و«بوبوس» 2009، أو بالتلفزيون مثل «أحلام الفتى الطائر» 1978، و«عوالم خفية» 2018، وغيرها من الأعمال التي اعتبرتها علامات مهمة في مشوارها الفني.

Ad

وكان للمسرح حب كبير في قلبها، واكتشف موهبتها المسرحية النجم عادل إمام، وكانت أول مسرحية لها هي «الواد سيد الشغال» عام 1986، وكــــــانت رجـــاء ترفض العمل في المسرح، لأنها لا تعرف كيف تُضحك الجمهور، فأقنعها الزعيم بخفة ظلّها، فوافقت وكانت المسرحية سبباً في شهرتها على النطاق العربي، لأنها عُرضت على مدار ثماني سنوات في العديد من الدول العربية، وبعدها قدمت مع عادل أيضاً مسرحية «الزعيم» التي عُرضت على مدار تسع سنوات، ثم قدمت بعض التجارب في المسرح الخاص، منها «الثعلب في الملعب» مع الفنان محمد رضا.

وعلى الشاشة الفضية، قدمت رجاء عدداً كبيراً من المسلسلات، مثل «يوميات زوجة مفروسة» و«شربات لوز» و«أزمة سكر» و«للعدالة وجوه كثيرة» و«جراند أوتيل» و«حلاوة الدنيا»، وكان آخر مسلسل لها هو «لعبة النسيان».

الأيام العصيبة

ظلت الجداوي في ذروة تألقها الفني، حتى أصيبت على نحو مفاجئ بفيروس «كورونا» أثناء تصوير الحلقات الأخيرة من مسلسل «لعبة النسيان» ونقلت في 24 مايو 2020 إلى أحد مستشفيات العزل في مسقط رأسها بمدينة الإسماعيلية، وفقاً لتوصية من وزيرة الصحة المصرية الدكتورة هالة زايد. وقيل إنها التقطت العدوى أثناء تقديمها واجب العزاء في وفاة رجل الأعمال السعودي صالح كامل خلال شهر رمضان الماضي.

وسرى الخبر المحزن عبر وسائل الإعلام والإنترنت، وأحدث صدمة بالغة لجمهورها في مصر والعالم العربي، في حين بقيت الفنانة المحبوبة تحت العلاج في المستشفى 43 يوماً، وخلال الأيام الأخيرة، تدهورت حالتها الصحية بشكل حرج إلى أن توفيت صباح الأحد 5 يوليو 2020 عن عمر ناهز 86 عاماً. وفي بيان لها وصفت وزارة الثقافة المصرية الجداوي بأنها «إحدى نجمات الزمن الجميل ونموذج للفن الجاد ونجحت بحسها الراقي في خلق شكل مميز للأدوار التي لعبتها طوال تاريخها الفني الممتد».

أدركت الجداوي محطتها الأخيرة، وتركت فراغاً هائلاً في الساحة الفنية، ولكن حضورها يتجدد في قلوب محبيها في أرجاء العالم العربي، بما قدمته من خلال الفن عبر أكثر من نصف قرن، وتعد الممثلة الأكثر ظهوراً في السينما المصرية، وشاركت في أفلام مهمة مع أجيال من الفنانين، ولكن النسبة الأكبر من مسيرتها الفنية كانت مع الدراما التلفزيونية، ووصلت أحياناً إلى ثمانية مسلسلات في عامٍ واحد. كما شاركت في خمسة مسلسلات في عام 2018، وهي في الثمانين من عمرها، وكانت تبرر دوماً كثافة حضورها بأنها «تحب التمثيل والكاميرا» ولذلك أحبها الجمهور، وصارت نجمة استثنائية وظاهرة في عالم التمثيل غير قابلة للتكرار.

فان دام يرثي النجمة المصرية على صفحات «نيويورك تايمز»

أفردت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية تقريراً كبيراً تحدّثت فيه عن الفنانة رجاء الجداوي بعد رحيلها بأيام قليلة، وذكرت أن الراحلة لم تؤدِّ أدوار البطولة المطلقة، لكنها كانت محبوبة بشدة من الجمهور، وكانت تحافظ على جمالها وأناقتها حتى أصبحت أيقونة للجمال والرقي.

وألقت الصحيفة الضوء على مسيرة الفنانة المصرية التي امتدت ستة عقود متتالية، لافتة إلى أنها تتمتع بحب الجمهور في مصر، وأوضحت أنّ مسيرتها بدأت في العصر الذهبي للسينما المصرية، وتنوّعت أدوارها ما بين العمل في السينما والتلفزيون والمسرح، ووصل عدد أعمالها إلى أكثر من 300 عمل، مؤكدة أن أداء الفنانة الراحلة كان يتميز بالتلقائية والكوميديا.

وأشارت الصحيفة أيضاً إلى رثاء نجم أفلام الحركة في هوليوود «فان دام» الفنانة الراحلة، وأنه حَزِن جداً لوفاتها ونعاها برسالة مؤثرة، حيث أكد النجم العالمي أنها كانت فنانة تتمتع بالبهجة وحب الحياة، وأنه تأثر برحيلها لدرجة أنه لا يصدق أنها رحلت، واصفاً الأمر بأنه صدمة بالنسبة إليه.

ميرفت ودلال تحتفلان مع رجاء بعيد ميلادها الأخير

احتفلت رجاء الجداوي بآخر عيد ميلاد لها في سبتمبر 2019، بصحبة صديقتيها ميرفت أمين ودلال عبدالعزيز وعدد آخر من الصديقات المقربات لها، وتعد النجمتان من أشهر صديقاتها في الوسط الفني إلى جانب يسرا، وتربطهن علاقة قوية منذ سنوات طويلة، وكن دائمات اللقاءات والمقابلات معاً، كما أنهن لا يتأخرن عن الحضور في المناسبات الاجتماعية، سواء لزملائهن في الوسط الفني، أو لأشخاص آخرين، وبمرور الوقت تحولت صداقتهن إلى ترابط أسري وثيق.

بدأت صداقة رجاء بميرفت أمين منذ سنوات وتحديداً عندما تعاونا معاً في فيلم «أصعب جواز» عام 1970، بينما تعرفت الجداوي إلى دلال عبدالعزيز في مسلسل «شقة بدون سقف»، حيث كانت رجاء تُحضِر طعمية وفلفل وباذنجان وتأكل مع العمّال، واندهشت دلال من هذا التصرف، وبعدها توطدت صداقتهما حتى رحلت رجاء عن عالمنا في 5 يوليو العام الماضي.

أميرة تكشف أسراراً لا يعرفها أحد عن «مهر» والدتها

استعادت أميرة حسن مختار، ابنة الفنانة الراحلة رجاء الجداوي، ذكريات الاحتفال الأخير بعيد ميلادها، ونشرت عبر حساب والدتها الراحلة على تطبيق «إنستغرام» مقطع فيديو للاحتفال الذي أقيم داخل منزلها، واتضح في الفيديو صوت الإعلامية بوسي شلبي، وهي تهنئ صديقتها رجاء بعيد ميلادها، وتتمنى لها الصحة والعافية، كما ظهرت الفنانة الراحلة وهي تتحدث متمنية للجميع الصحة والعافية.

ولا تزال أميرة تنشر صوراً من ذكريات أمها لتحافظ على تواصلها مع جمهور والدتها، وكشفت سرا عن والدتها، حيث نشرت صورة لمهرها الذي طلبته أسرتها عند زواجها من حسن مختار، في 22 نوفمبر 1970، والذي كان يبلغ 25 قرشاً مصرياً (مبلغاً زهيداً جداً)، وعلقت أميرة على الصورة قائلة: «مهر ماما.. أحلى قصص الحب».

تفاصيل الأيام الأخيرة في حياتها

مرت الجداوي بأصعب اللحظات، حين دخلت مستشفى العزل، بعد إصابتها بفيروس كورونا، وأجريت لها ثلاث مسحات «pcr»، كانت الأولى بعد دخولها بثلاثة أيام، وظهرت نتيجتها إيجابية، والثانية عقب حقنها بمصل البلازما بيومين، وظهرت أيضاً نتيجتها إيجابية، والمسحة الثالثة تمت قبل رحيلها بأيام، وكانت نتيجتها إيجابية.

وخلال فترة إقامتها بالمستشفى، توطدت علاقتها بالأطباء وطاقم التمريض، وأشرف على علاجها الطبيب المصري محمد خالد، وكانت تعتبره مثل ابنها، وتناديه باسمه من دون ألقاب، وبعد فترة طويلة من متابعته حالتها الصحية، حكت له بكل ود وألفة عن حياتها وأقرب الناس لقلبها، وعن مولدها بمحافظة الإسماعيلية، وكيف جاءت للعلاج بها بعد إصابتها بـ «كورونا»، وأن القدر شاء أن تعود مرة أخرى إلى المدينة التي ولدت فيها.

وكانت الفنانة الراحلة دائمة التفاؤل، قليلة الطلبات، وملتزمة للغاية ببروتوكول العلاج، وبجميع تعليمات الطاقم الطبي، وتتعاون مع الجميع، وكانت ودودة، وتتمتع بالرقي في تعاملها، ولديها قوة تحمل كبيرة، وبمثابة الأم والأخت والصديقة للجميع بالمستشفى، وبادلها الجميع الحب والتقدير، واعتادوا وجودها بينهم، لذا جاء مشهد وفاتها مؤثراً وصادما للجميع.

كانت الجداوي حريصة على ترديد عبارات «يا رب.. راضية بقضاء الله»، وكانت دائمة التسبيح والاستغفار طوال وجودها بالمستشفى، وكانت دائما تقرأ القرآن، وشاشة التلفزيون الموجودة داخل العناية المركزة تذيع القرآن طوال اليوم، وظلت الجداوي حتى آخر لحظات حياتها توزع طاقة حبها للناس، محتفظة بإنسانيتها وإحساسها بالآخرين والقيام بواجبها تجاه أحبائها رغم مرضها وشدتها.

ومن المواقف المؤثرة للفنانة الراحلة، أن طبيبها محمد خالد، تأكدت إصابته بفيروس كورونا، بعد استمراره بالعمل أكثر من 100 يوم متصلة داخل مستشفيات العزل الصحي في الإسماعيلية، وتم احتجازه بنفس المستشفى، وكانت الفنانة لا تزال بالعناية المركزة، وحين علمت بإصابته من ابنتها أميرة، كانت دائمة السؤال عنه للاطمئنان عليه».

أحمد الجمَّال