• سهيل عرفة: فخري كان زميلي في الخدمة الإلزامية وقدمت له لحنين في فيلم الصعاليك

• صباح شارك دريد ونهاد في مسلسل مقالب غوار بوصلات غنائية تراثية

Ad

كانت حياة صباح فخري مليئة بالعمل والجد والمثابرة دون توقف، وانتقل من مكان إلى آخر ومن رتبة إلى أخرى، فقد قدم للتلفزيون من الأعمال التراثية في البرامج والأفلام والمسلسلات إرثاً تاريخياً عظيماً، وتابع عمله في منح نقابة الفنانين بدورتين كان رئيسها فيهما كل العطاء والجهد.

شارك فخري في مسلسل «أسماء الله الحسنى»، مع ثلة من الممثلين السوريين مثل عبدالرحمن آل رشي وزيناتي قدسية ومنى واصف، والذي صاغ ألحانه كل من عبدالسلام سفر وعدنان أبوالشامات وإبراهيم جودت، وقد أدى صباح فخري فيه أداء متميزا، حيث لا يزال رواد مواقع التواصل الاجتماعي يتناقلون تلك الحلقات حتى الآن، وما زالت تعرض على بعض الشاشات بين الحين والآخر، وخصوصا أيام شهر رمضان الكريم.

الصعاليك

كما شارك فناننا في عدد من الأفلام السينمائية، نذكر منها الصعاليك، وغابة الذئاب، والمدينة الهادئة. أما فيلم «الصعاليك» فقد تم إنتاجه سنة 1965 مع عدد من الممثلين النجوم، وتدور قصة الفيلم حول صديقين تربطهما مع بعض علاقة طيبة، إلا أنهما لدودان، يمارس هذان الصديقان مجموعة من أعمال النصب على عدد من النساء، ويتنافسان فيما بينهما على اصطياد تلك الضحايا، خصوصا من النساء الثريات، ويقرران بعد ذلك أن يتعاونا، وذلك بعد أن هدد أحدهما الآخر بأن يكشف ألاعيبه ومخططاته ويفضحه أمام العامة. وفي عملية جديدة ينزلان أحد الفنادق الفخمة، من أجل إلقاء شباك الصيد على فتاة جميلة ومليونيرة، لكن في النهاية يكتشفان أنها مفلسة لا تملك أية نقود. ووفق بعض المصادر فإن قصة الفيلم مأخوذة عن فيلم «قصة منتصف الليل» لرالف ليفي.

أما نجوم العمل فهم: دريد لحام في دور مسعد أبونواس، ونهاد قلعي في دور أحمد بيه، ومريم فخر الدين في دور جمانة هانم، وسلوى سعيد في دور سكرتيرة جمانة، وسليم حانا بدور مساعد جمانة، وصباح فخري بدور مطرب المطعم، ومظهر الحكيم (القبطان الفرنسي)، ونادية حمدي (جلنار هانم)، وشفيق المنفلوطي، وعمر حجو، وعبدالرحمن آل رشي، وكوكب جمال، وشاكر بريخان، وزياد مولوي.

سيناريو وحوار وإخراج: يوسف معلوف، ومساعد المخرج: زكي صالح، وموسيقى: عمر حلبي (تأليف الاستعراض)، وسهيل عرفة (تلحين الاستعراض).

من الأغاني التي غناها صباح فخري في الفيلم، ولقيت رواجاً كبيراً: أغنية «ميلي ما مال الهوى»، من تلحين الموسيقار السوري الراحل سهيل عرفة، الذي كانت تربطه بالفنان الأصيل صباح فخري علاقة وطيدة، وأول تعاون بينهما كان عبر قصيدة «حكاية شهيد»، للشاعر الفلسطيني عبدالرحيم محمود، التي تُعد من الأعمال الخالدة، أما التعاون الثاني فحدث في فيلم «الصعاليك»، بطولة مريم فخر الدين ودريد لحام ونهاد قلعي، وحل فيه صباح فخري ضيف شرف من خلال أغنيتين، هما «ميلي ما مال الهوى»، و«يا مال الشام» لأبي خليل القباني، وهي جملة لحنية صغيرة تتكرر عدة مرات في الأغنية بكلام آخر، والقصد من ذلك سعيه إلى تقديم الأغنية بأسلوب العصر، عبر توليد جملة ثانية وثالثة من الجملة الأصيلة، وكتب لها عمر الحلبي كلاماً جديداً، وما حدث أن كلتا الأغنيتين بإطارهما الجديد احتلتا مكان القديمتين، حتى إن صباح فخري بات يغنيهما. ويتحدث الموسيقار عرفة عن صباح فيقول:

كان زميلاً لي في خدمة العلم، رغم أنه أكبر مني سناً، وفي حياتي كلها لم أسمعه هاجم أحداً أو أساء إلى أحد، أخلاقه عالية، إضافة إلى صوته وقامته ونجاحاته والأوسمة، وما حصل عليه من تقديرات وجوائز في الغناء والأداء، كلها مع شخصه بكل ما قدمه في حياته الفنية، أظنها كلها لن تموت أبدا.

غابة الذئاب

ويتمحور الفيلم حول قضية تفاقم أزمة السكن، وزحف كتل الأسمنت باستمرار لابتلاع البيوت القديمة بمن فيها من سكان، ووراء غابة الأسمنت تكمن غابة الذئاب التي تعيش في عالم شرس تختلط فيه كل أنواع الشرور. ويصطدم صحافي شاب وزوجته الجميلة بما يعتقدون أنه ذئب الغابة. ثم يتضح أن هذا الذئب ليس سوى واحد من عدة ذئاب، وأن هناك غابة كاملة من الذئاب، فيقرر الصحفي مواجهة هذه الذئاب بما لديه من قوى.

الفيلم أنتج سنة 1977 وهو من بطولة: أسامة خلقي، وصباح جزائري، ورفيق سبيعي، ومنى واصف، وصباح فخري، وسامية جزائري، وعصام عبه جي، وأحمد طرابيشي، وأسامة عاشور، وأديب شحادة، وهدى شعراوي، ونبيلة كرم.

قصة وسيناريو وحوار: حسن سامي يوسف ومحمد شاهين. إخراج: محمد شاهين.

ويغني صباح فخري في الفيلم أغنيته المعروفة «يا جارحة قلبي»، وتقول كلماتها:

يا جارحة قلبي والجرح يئلمني

قلبي بعد غلبي وش عاد يلزمني

يا جارحة قلبي

ياللي نويتي الهجر ... خلي معك رسمال

الليل عقبه فجر ... مهما ظلامه طال

يا جارحة يالغدر ... يا مقطعة أوصال

هجرك بشهد العمر ... للموت سلمني

يا جارحة قلبي

أما فيلم المدينة الهادئة، الذي تم إنتاجه سنة 1972، فيحكي قصة الشاب عمر، الذي يعمل في إحدى الشركات التي يرأسها جميل، ويكتشف عمر تزويراً في أوراق الحسابات، فيحاول مقابلة جميل بك، لكن المدير العام محمود يمنعه، ليتم القبض على عمر، بينما نكتشف أن محمود حوّل الأموال إلى عشيقته... لتتصاعد الأحداث.

الممثلون في الفيلم: رياض سعيد، وشكرية عبدالكريم، وهدى فريد، وعبدالكريم سماقية، وأنور السردار، وصباح فخري، وفاتح غضنفر، وإبراهيم خان، ورفيق سبيعي، وزهير حداد، ويوسف شعبان (كمال)، وماجدة الخطيب (ناديا)، وعبدالمنعم إبراهيم (عمر الديرداعي)، وسوزي حمدي (راقصة)، وفايزة عادل. أخرج الفيلم: حسن رضا وساعده في الإخراج: صالح فوزي. وهو من قصة وسيناريو وحوار: أنور السردار.

مقالب غوار

شارك الفنان صباح في مسلسل «مقالب غوار» بالأبيض والأسود، المسلسل الكوميدي السوري، الذي أنتج عام 1967، وهو من إخراج خلدون المالح، ويتناول في إطار كوميدي قصة منافسة قوية بين مطرب يدعى غوار، ومطرب يدعى حسني، حيث يتنافسان على الغناء في مقهى يدعى الانشراح، وتقع العديد من المواقف والمقالب الكوميدية، حيث غنى صباح فخري في المسلسل: «فوق إلنا خل»... «يا طيرة طيري يا حمامة».

وبمناسبة الحديث عن أغنية «فوق إلنا خل»، فخلال البحث عبر الانترنت نجد تضاربا في كلمات الأغنية، وحتى في غناء بعض الفنانين لها، فمنهم من يغنيها «فوق النخل» ومنهم من يغنيها «فوق إلنا خل». وقال صباح فخري بأحد اللقاءات بأن «فوق إلنا خل» هي الصحيحة ولكن المطربين يغنونها فوق النخل، وذلك لتقبلها أكثر من المستمعين.

من جهته يقول الأستاذ ثابت البصري: كنا صغاراً نتصور أن الأغنية عن النخيل، وعندما كبرنا أدركنا الحقيقة، وعرفنا ما يقصده كاتبها، وهي عن تصوير حال محب لإحدى بنات العوائل الكبيرة سابقاً، تقف بشناشيل بيتهم الواسع الكبير، والذي يقف ببابه حرس، كعادة كبار التجار بذلك الزمان... وكان صاحبنا يمر يومياً من الطريق الذي تشرف عليه شناشيل البنت، وكان هناك ابتسامات متبادلة يلفها الخوف، ولاحظ بعض أصدقاء صاحبنا ما يدور عند مرور الشاب، وسأله أحدهم عن الأمر فأجاب: فوق إلنا خل، فوق مدري لمع خده. وهنا نجد الفارق، فليس للنخل خــــد. ونكمل: مدري القمر فوق ... ويتبرأ صاحبنا من حبه خوفاً من الفضيحة، ويقول: واللـــه ما ريده باليني بلوى.

ويظل الحب بريئاً وعذرياً لتلك العادات والتقاليد، التي كانت سائدة حينهــا، حباً يلفه الخوف والوجل.

وتقول كلمات الأغنية:

فوق النخل فوق يابا فوق النخل فوق

مادري لامع خدك يابا مادري القمر فوق

والله ما ريدا باليني بلوة

خدك لامع يا هوايا عني وضوا على البلاد

ما قدر ع صبري الراحة عيني وتحمل ابعاد

والله معذبني بعيونه الحلوة

فوق النخل فوق يابا فوق النخل فوق

مادري لامع خدك يابا مادري القمر فوق

والله ما ريدا باليني بلوة

نقابة الفنانين

توثق مجلة الشبكة اللبنانية في عددها 943 عام 1974 انتخابات نقابة الفنانين السوريين، في تلك الفترة، لتأخذنا في أرشيفها التوثيقي إلى كواليس إعادة انتخاب المطرب السوري «صباح فخري»، نقيباً للفنانين السوريين للمرة الثانية.

وقد عنونت المادة، التي تحدثت حول هذا الموضوع: «بعد انتقادات ومناقشات وآراء، دارت خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، اجتمع الفنانون السوريون لانتخاب نقيب جديد، ومحاكمة النقيب القديم ومجلس إدارته، وغصت صالة «الحمراء» بأهل الفن، وانطلقت الأصوات تفرغ أصوات الاتهامات والطلبات ومشتقاتها، وأعيد إجلاس صباح فخري على كرسي «محكمة الفنانين» تسع ساعات متواصلة، حيث كان التجمع يضم ما يقارب 175 فنانا وفنانة اتحدوا على إبقاء مجلس الإدارة، وأقنعوا صباح فخري بترشيح نفسه من جديد، كما أقنعوا هاني الروماني، والذي كان يشغل عضو مجلس الشعب ونائب النقيب بتأجيل ترشيحه حتى الدورة القادمة.

وبعد صعود النقيب صباح فخري ومجلس إدارته، وممثل وزارة الثقافة إلى المنصة، علت الأصوات تطالب بإيضاح أسباب ومبررات نواقص وثغرات العام الماضي، وكانت كلها مدونة في بيان التجمع، تحت فقرة السلبيات، لذلك ارتأى الجالسون في مقاعد المتهمين، توزيع البيان بشكل شامل، ثم أعلنوا استعدادهم للدفاع.

وقف المذيع والمخرج «داوود يعقوب» يطالب بالإيضاح، ويؤكد أن نتيجة الحكم ستخول المجلس نيل حق الاستمرار، وتسمح للنقيب بترشيح نفسه مرة ثانية، وتبقي الثقة لمن أولاهم الفنانون ثقتهم، وجاءت اتهامات داوود يعقوب حول الجهاز الإداري والكرم والإسراف في دفع المكافآت والرواتب والمصاريف الكمالية، وتكررت انتقادات يعقوب، وتكررت توضيحات النقيب ونائبه هاني الروماني، حتى كاد الأمر يتحول إلى حوار مفتوح بين الطرفين، ووقف المخرج محمد شاهين، مطالباً بمنح أكبر مبلغ ممكن لدعم المكتبة المقرر استخدامها، حتى تغني الباحثين والطلاب، ووقف صالح الحايك ليبين ضرر الإنتاج السينمائي ومنافعه وضرورة توزيع عوائد على الجميع في خمسة أفلام سنوياً، بدلا من فيلم واحد، وطالب عبدالوهاب الجراح، وهو فنان من حلب، بتشجيع الجمعية السكنية التعاونية هناك، مؤكداً أن الكثيرين يعيشون في الأقبية الرطبة، مما لفت انتباه المجلس الذي أقر فوراً مبلغ خمسين ألف ليرة سورية لإخراج الكثيرين من الأقبية.

وبعد نقاش حاد حول أرقام المبالغ المهيأة للصرف، خلال العام الجديد، استقر الرأي على أن تعرض الفكرة، ويتم التصويت على قبولها بطريقة إحصاء الأيدي من قبل مندوب وزارة الثقافة، موفق شقير، وبدأ النقيب يتلو أرقام المبالغ المقرر صرفها، مع إيضاح السبب أو العائد، وبدأ الفنانون يتهامسون ويرفعون أيدي الموافقة، حتى تمت الموافقة على صرف الميزانية البالغة، مع احتياطها، ثلاثمائة وسبعين ألف ليرة سورية.

في نهاية الجلسة، قال النقيب صباح فخري، الذي أعيد انتخابه: «عدت إلى المسؤولية، رغم قراري مؤخراً بتسليم الأمور إلى غيري، لكن رأي الزملاء كان أقوى، وأنا بالمناسبة أشكر الجميع على ثقتهم بي، وأتمنى التوفيق في تحقيق أهدافهم وفي إكمال الطريق الذي بدأناه».

تونس

تكررت زيارات صباح فخري إلى تونس، ومنها الدعوات إلى مهرجان قرطاج، وفي عام 2010 ورغم الوعكة الصحية، التي تعرض لها، تلقى صباح دعوة من تونس وكرمته وزارة الثقافة التونسية، حيث منحته الصنف الأكبر من وسام الاستحقاق الثقافي من الدرجة الممتازة، في احتفال أقيم بمقر وزارة الثقافة والمحافظة على التراث، في العاصمة التونسية.

وقلدت وزيرة الثقافة التونسية لطيفة لخضر الفنان السوري الوسام، في حضور وزير العدل محمد صالح بن عيسى، والفنان اللبناني مارسيل خليفة، وعدد من نجوم الفن والثقافة التونسيين.

وعبر فخري الذي يحضر ضيف شرف على مهرجان أيام قرطاج الموسيقية، في دورته الثانية، عن اعتزازه الكبير بمنحه الوسام الأكبر للاستحقاق الثقافي، وقال إنه أعاد له ذكريات سابقة عندما منحه الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة وسام تونس الثقافي في عام 1975، حيث كان لتونس في قلب صباح فخري مكانة خاصة، وبينهما ارتباط وثيق، فالمطرب فخري يصنف الشعب التونسي بالأكثر حبا للطرب والأصالة، وأنه يأتي بعد «سميعة حلب»، إن لم يوازهم عشقا للأصوات الجميلة والطرب الأصيل، وفي أول لقاء لصباح مع رئيس جمهورية تونس، في تلك الفترة، الحبيب بورقيبة، منحه وسام الاستحقاق الثقافي التونسي من الدرجة الأولى في قصر الرئاسة، وكان ذلك في اللقاء الأول، أما في اللقاء الثاني فقدم بورقيبة لصباح مشموم الياسمين، وقال: من تونس الخضراء إلى حلب الشهباء. وهذه العبارة لم تبق مجرد كلمة في ذهن صباح فخري، فقد ترجمت بفضل الشاعر التونسي أحمد الغربي، فكتب له قصيدة أعجبت الفنان صباح وتقول:

سلي فؤادي عن الخضراء يا حلب

لله كم حسنها إليك ينتسب

تقسم القلب في نصفين بينكما

على السواء فلا فرق ولا رتب

كان اللقاء بها في أرض موطنها

في ليلة عم فيها الأنس والطرب

تبارك الله كم جلت محاسنها

عن الحليّ فلا در ولا ذهب

يا رب لا تقطع الخضراء عن صلتي

فالحب مفخرة غنت بها العرب

وغنى صباح القصيدة بعد أن لحنها الأستاذ سليم ثروة.

سيطرة المقامات الشرقية

يقول الباحث التونسي إلياس بودن: نستطيع من خلال متابعتنا الإحصائية لإنتاج صباح فخري الغنائي توزّعه بنسب متفاوتة على القوالب الغنائية التقليدية بصفة عامّة، وخصوصاً الموشّح والقصيدة والقدّ الحلبيّ والموال، كما نستطيع أن نلمَح توزّع جلّ الأعمال التي قدّمها على المقامات العربية الشرقية مع أسبقية واضحة لمقامات الحجاز والبياتي والراست.

شادي عباس