إذا أصابت استطلاعات الرأي، من المتوقع أن يفوز "الحزب الوطني الاسكتلندي" بولاية جديدة لرئاسة الحكومة الاسكتلندية بعد ثلاثة أسابيع، حيث سيصل هذا الحزب إلى السلطة وهو يحمل معه تفويضاً بإجراء استفتاء حول الاستقلال، وقد تتوصل الانتخابات إلى نتائج مفاجئة طبعاً، لكن يثبت الوضع الراهن إلى أي حد أهملت حكومة بوريس جونسون هذا الملف لدرجة أن ترتكز استراتيجيتها الآن على الأمنيات لتجنب تفكك المملكة المتحدة.

ما كان يُفترض أن يصل الوضع إلى هذه المرحلة، فربما تعكس مقاربة جونسون المبنية على الأمنيات الإيجابية تجاه اسكتلندا التزامه التفاؤلي والعشوائي بأي شكل جدّي من الكفاءة السياسية، لكنها تجسّد أيضاً معنى الإهمال الذي يتجاوز أداءه الشخصي، وقد سلّط تقريران مهمان الضوء على هذه الظاهرة حديثاً.

Ad

صدر هذان التقريران عن "معهد بينيت للسياسة العامة" في جامعة "كامبريدج" و"كلية بلافاتنيك للإدارة الحكومية" في جامعة "أكسفورد"، وهما يحللان الإخفاقات السياسية التي جعلت المملكة المتحدة على شفير التفكك، يذكر التقريران معاً مجموعة متلاحقة من العادات السيئة في طريقة تعامل الحكومات البريطانية مع الدول والمناطق التابعة للمملكة المتحدة منذ بدء عملية تفويض الصلاحيات في عام 1997.

قد تكون ثقافة الإهمال راسخة جداً في السياسة البريطانية، لكن يكشف التقرير الصادر عن جامعة "أكسفورد" أن هذه الظاهرة أصبحت مدمّرة اليوم أكثر مما كانت عليه قبل عشر سنوات. يذكر هذا التقرير أيضاً أن جزءاً من السبب يتعلق بسوء تقدير ديفيد كاميرون غداة استفتاء عام 2014، فقد سارع هذا الأخير إلى تأييد مبدأ "تصويت الإنكليز على القوانين الإنكليزية" بدل محاولة التواصل مع 45% من الاسكتلدنيين الذين صوّتوا لقرار الاستقلال، وزاد الوضع سوءاً بسبب فشل بريطانيا في التعامل مع التغيرات المحتملة في القوانين المرتبطة بالاستفتاءات المستقبلية حول وحدة المملكة المتحدة بعد عام 2014.

لقد أثبتت خطة "بريكست" أن وحدة المملكة المتحدة لم تعد مبنية على التوافق بل على القوانين، حيث يُصاغ القانون في "وستمنستر" المستقلة، وتسيطر إنكلترا على هذه المنطقة، فقد أصبح ضبط النفس الإنكليزي الذي كان واضحاً حين أدركت الحكومات ضرورة التكيف مع الاختلافات أشبه بمنزل مهجور فوق جرف منهار اليوم.

تتّضح عواقب هذا الوضع في انهيار "اتفاقية سيويل" التي تنص على عدم تغيير الصلاحيات المعمول بها من دون موافقة الحكومات المكلّفة بهذه المهام، فقد جاءت خطة "بريكست" لتقضي على هذه الاتفاقية، حتى أن "قانون السوق الداخلية" يذهب إلى حد تعزيز صلاحيات الحكومة البريطانية، فقبل أيام أطلقت المملكة المتحدة تحدياً عبر المحكمة العليا ضد قانونَين اسكتلنديَين على اعتبار أنهما يتجاوزان صلاحيات هوليرود، لكن من المتوقع أن يتفوق أي قرار يرفض الاستفتاء الذي شارك فيه الاسكتلنديون على تلك المحاولة، وسينقل ذلك القرار رسالة إلى الاسكتلنديين حول عدم وجود أي طريقة قانونية للتخلي عن المملكة المتحدة.

قد يخطئ من يفترض أن الانتخابات في هوليرود ستطلق صراعاً شاملاً بين لندن وإدنبره على جميع الجبهات اعتباراً من 7 مايو المقبل، لكن "الحزب الوطني الاسكتلندي" يحتفظ بسرّ غريب مفاده أن الوقت قد لا يكون مناسباً لهذه الأحداث. لا تزال الآراء منقسمة جداً حول هذا الموضوع، حتى أن بعض مؤيدي استعمال القوة في حزب المحافظين يرغب في أن تنظّم "وستمنستر" صيغة مبكرة أو استفتاءً معيناً.

إذا لم يحصل استفتاء آخر قبل عام 2023، فقد يصبح المجال مفتوحاً على الأقل أمام ظهور أفكار عقلانية وتوافقية تفتقر إليها الساحة السياسية منذ وقت طويل، لكن سيكون هذا التوجه بعيد المنال إذا لم يصبح جزءاً راسخاً من العقلية السائدة.

مارتن كيتل - الغارديان