يقدم هذه الدراسة الباحث الدستوري المستشار شفيق إمام، رداً على رأي طرحه السيد الأستاذ الدكتور محمد المقاطع بقناة ATB في مطلع هذا الشهر خلال الحوار السياسي الذي استضافته القناة، وهي فكرة لم يسبق د. محمد المقاطع من قبل إليها أحد، وهي أن لمجلس الأمة، بالأغلبية العادية المُطلقة للحاضرين من أعضائه، الحق في عزل رئيس المجلس، أي أن ثلاثة وثلاثين عضواً من حقهم عزله، وهي الفكرة التي ابتناها الأستاذ الدكتور على قاعدتين، أطلق عليهما أنهما من القواعد الأصولية في تفسير النصوص التشريعية، وهما أن مَنْ يملك الكُل يملك الجزء، وأن مَنْ يملك التعيين يملك العزل.

ويناقش صاحب هذه الدراسة الفكرة وأسانيدها بموضوعية وتجرُّد، غير عابئ بما قد يتقوَّله البعض عن هذه الدراسة، بأن مصداقيتها محل شك أو ريبة، لكونه مستشاراً بمجلس الأمة، وقد سبق له أن خالف رأي المجلس عندما كان خبيراً قانونياً به في الفصل التشريعي السابع في طلب تفسير المادة 71 من الدستور، الذي تقدمت به الحكومة إلى المحكمة الدستورية في مقال نُشر له بصحيفة القبس في عددها الصادر 3 أبريل 1995، بعنوان: «لماذا كان التجاء الحكومة إلى المحكمة الدستورية؟»، فقد كان رأي المجلس وقتئذ أن على الحكومة أن تسحب هذا الطلب من المحكمة، وكان رأيه أن «الدستورية» يجب أن تُدلي بدلوها في هذا الموضوع، إزاحةً لأي شبهة، الأمر الذي أدى بإدارة الفتوى والتشريع إلى تقديم هذا المقال إلى المحكمة الدستورية بجلستها التي عُقدت بتاريخ 6 مايو 1995.

Ad

وقد قال الحاضر عن الحكومة، وهو يقدمه للمحكمة: «لقد شهد شاهد من أهلها»، ويقصد بهذه العبارة المستشار شفيق إمام، لكونه مستشاراً بمجلس الأمة.

ولم يخشَ الباحث في الحق لومة لائم عندما نشر مقالاً على صفحات «الجريدة» بعددها الصادر 25/ 3/ 2018 انتقد فيه قانون تعارض المصالح تحت عنوان: «جعلوني مجرماً في قانون تعارض المصالح»، وقد أعقب المقال بدراسة له نُشرت على صفحات «الجريدة» عن المثالب الدستورية بهذا القانون في أعداد «الجريدة» بتاريخ 1 و2 أبريل 2018 و6 و13 و20 مايو 2018، وقد كان وقتئذ مستشاراً لوزير المالية، وهو الرأي الذي أيَّدت فيه المحكمة الدستورية المستشار في هذه الدراسة، بحُكمها الذي أصدرته بجلستها التي عُقدت بتاريخ 10 مايو 2019 في الحُكم الذي قضت فيه بعدم دستورية القانون رقم 13 لسنة 2018 بشأن تعارض المصالح.

وإزاحة لأي شبهة في مصداقية هذه الدراسة، فقد علمت «الجريدة» أن المستشار اعتذر عن عدم استمرار عمله بالمجلس بعد نهاية مدة عقده.

وتتناول هذه الدراسة الرد على القاعدتين اللتين تبناهما السيد الدكتور محمد المقاطع، وبنى عليهما رأيه، ومخالفة هذا الرأي للمادة 92 من الدستور، التي حددت مدة ولاية رئيس مجلس الأمة بمدة الفصل التشريعي كاملة، مؤكداً بذلك فساد الاستدلال بهما، وفقاً لقواعد التفسير السليمة لنصوص الدستور، باعتباره وحدة واحدة يُكمل كل نص النص الآخر.

وتنشر «الجريدة» هذه الدراسة فيما يلي:

طالعتنا قناة ATB التلفزيونية بمطلع هذا الشهر ببرنامجها «الحوار السياسي» برأي لم يكن في حسبان أحد، بعد أن تم انتخاب السيد مرزوق الغانم رئيساً لمجلس الأمة، ولمثل مدة المجلس، بأغلبية الحاضرين من أعضائه، إعمالاً لأحكام المادة 92 من الدستور، دون اعتراض من أحد على خطأ في حساب الأصوات، أو ورقة تصويت شابتها شبهة بطلان، كما حدث في انتخابات الرئاسة للفصل التشريعي الثامن، حيث لجأ مجلس الأمة إلى المحكمة الدستورية بطلب تفسير المادة 92 من الدستور، الذي قررت فيه المحكمة بجلستها التي عُقدت في 8 يناير 1997 فوز مَنْ حصل على الأغلبية المطلقة للحاضرين من الأعضاء بأكثر من نصف الأصوات الصحيحة المعطاة، ولو كانت هذه الزيادة أقل من الواحد الصحيح.

وكان رأي ضيف هذا الحوار الذي استضافته القناة، أستاذ القانون الدستوري والقانون العام د. محمد المقاطع، والذي نُكنُّ لشخصه كل احترام وتقدير، أن الكتلة التصويتية من أعضاء المجلس التي صوَّتت لاختيار الرئيس تملك عزله.

وهي فكرة ابتدعها الأستاذ الكبير، لا مظهر لها من نصوص الدستور أو روحه نستدل بهما عليها، إلا ما بنى عليه فكرته من:

1 - أن مَنْ يملك التعيين يملك العزل.

2 - أن مَنْ يملك الكُل يملك الجزء.

وفكرة الأستاذ الدكتور في أن مَنْ يملك فعل الشيء يملك فعل ضده تنطوي على تشويه لنصوص الدستور وهدم لأركانه، عندما يقف الباحث حائراً ضالاً، يتطلب بصيصاً من نور يهديه، أو أثراً في الطريق سلكه مَنْ يجب أن يحتذيه، فهو أستاذ أجيال من خريجي المدرسة القانونية الكويتية؛ باحثين ومحامين وقضاة ومستشارين قانونيين، بما لا يجوز لمَنْ في مكانته العلمية أن يحوِّل الحوار السياسي في هذا البرنامج إلى حوار دستوري، وأن يخرج في تفسيره للنصوص الدستورية عن مجراه الطبيعي، ليلقي به في منعطفات تقصيه عن تحقيق أهدافه وتجعل أمره فرطاً.

وإن الباحث مهما فكَّر وجاهد النفس، في أن يجد شيئاً من العيب في صياغة نصوص الدستور قد أدى بالأستاذ الكبير إلى هذا الرأي، فلن يجد ولن يوفق من ذلك إلى قليل ولا إلى كثير، فليس ذنبه أن واضعي هذا الدستور قصدوا إلى عملهم في جد وأمانة وصدق وقدرة على احتمال المشقة والعناء والتجرد من المصالح الخاصة والأهواء التي تعبث بالنفوس، فوفقوا من ذلك إلى أعظم دستور تستطيع دولة أن تظفر به في هذه الحياة.

نعم، وليس من ذنب الباحث أن الرعيل الأول قد استقصى فأحسن الاستقصاء، وقرأ فأجاد القراءة، وفهم فأتقن الفهم، واستنبط فوفق إلى الصواب.

ليس من ذنب الباحث هذا ولا ذاك، وليس من ذنبه أنه بعد هذا كُله، وبفضل هذا كُله، أن الرعيل الأول فتح الباب على مصراعيه للعالم بعد الحرب العالمية الثانية، بإعلان وثيقة تقدمية لحقوق الإنسان، هي دستور الكويت، وقد ظلت الدول بعد صدور هذا الدستور تدنو من هذا الغرض في وضع دساتيرها، ثم ترتد عنه، أو تطرقه فلا يفتح لها، ففتحته الكويت على مصراعيه، وأظهرته للعالم على ما وراءه من حقائق ناصعة، يبتهج لها عقل الباحث والعالم والسياسي.

وإذا كان الدافع إلى طرح هذه الفكرة هو الحرص على صون الدستور وعلى تفعيل الصلاحيات الدستورية الواردة به، والتي ينشد الجميع تحقيقها، فإنه لا ريب أمر يحمد. أما إذا كان باعثها ولعاً باللدد، لتحريف الكلم عن مواضعه، وإطالة فيما لا طائل منه، فإنها تكون قصية عن الجادة، عصية على التقبل.

فالدستور له مكانته الكبيرة في عقول وقلوب المواطنين، حيث تتمثل فيه المبادئ الأساسية العليا في الدولة التي تتعلق بنظام الحُكم، وطبيعته، وتنظيم اختصاصات السُّلطات، علاوة على حقوق الأفراد وحرياتهم التي كفلها لهم الدستور، كما كفل لهم المساواة، حيث اعتبر الدستور الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، وقرر حق الاقتراع العام، ونظاماً ديمقراطياً يشع على الوطن العربي كُله.

لذلك فإننا لا نملك مع كل هذه المكانة العلمية الكبيرة للأستاذ الدكتور أن نُمسك عن الرد على هذا الرأي، تعففاً أو استحياءً، أو حملاً له عن العجز عن البيان، وقد تردى في متناقضات وخلط بين الأشياء والشطط بلب الموضوع إلى موضوعات أخرى تشتت الفكر، وتخرج به عن المجال الأصيل لبحث هذا الرأي الذي لم يسبقه إليه أحد، والذي ينبغي حصره فيه.

ونجتزئ بما نسوقه فيما يلي من تجني هذا الرأي على الحقائق الدستورية والقانونية والمنطقية والواقعية، وهو التجني الذي يدين نفسه بنفسه دون حاجة في استشفافه إلى عميق نظر أو التطرق إلى التفاصيل التي تشهد بذلك بين ثنايا السطور، والتي يطول تعقبها بالتفنيد بعضا من هذا التجلي:

أولاً: رئيس المجلس يمثل الأمة بأسرها

ولعل السيد الأستاذ الدكتور في رأيه، سالف الذكر، كان متأثراً بالاتجاهات التي سادت في بعض الأنظمة البرلمانية القديمة، والتي عفا عليها الزمن، حيث كانت هيئة الناخبين تفرض على النائب تعليمات محددة عليه أن ينفذها بدقة وأمانة، وإلا سحبت منه الثقة التي أولته إياها.

وتختلف الاتجاهات الدستورية الحديثة عن هذا كُله، حيث ينظر إلى سيادة الأمة على أنها لا تصادر حق كل فرد في هذه السيادة، باعتباره طرفاً في العقد الاجتماعي، الذي نشأت من رحمه الدولة أو مَنْ يمثلها في ممارسة جزء من هذه السيادة، لذلك أوجبت المادة 108 من الدستور على عضو مجلس الأمة تمثيل الأمة بأسرها، ورعاية المصلحة العامة، وأنه لا سلطان لأي هيئة عليه في عمله بالمجلس أو لجانه، بما لا يجوز معه أن تكون انتخابات الرئاسة موضع نقاش أو جدل بين فرد وهيئة، بعد أن تم اتخاذ القرار وفقاً للإجراءات الدستورية الصحيحة التي تبناها الدستور في المادة 92.

فمن الخطأ الخلط بين تمثيل الأمة وتقليد الوظيفة العامة، وإن كان كلاهما خدمة وطنية تستهدف المصلحة العامة، حيث نصَّت المادة 26 من الدستور على أن الوظائف العامة خدمة وطنية تناط بالقائمين بها، ويستهدف موظفو الدولة في أداء وظائفهم المصلحة العامة، وحيث نصَّت المادة 108 من الدستور على أن عضو مجلس الأمة يرعى المصلحة العامة.

وقد أدى الخلط بين تقليد المواطن الوظيفة العامة وبين تمثيل الأمة إلى خطأ أكثر خطراً وأكبر أثراً، هو الاعتقاد لدى الأستاذ الكبير بأن من يعين رئيس الأمة هم أغلبية الحاضرين من النواب، الذين لم يتجاوز عددهم الأربعة وثلاثين عضواً في انتخابات الرئاسة الأخيرة، وأن هذه الكتلة التصويتية المكونة من هذا العدد تملك عزل الرئيس، في الوقت الذي حظي رئيس المجلس بثقة هيئة الناخبين في كل دائرة من الدوائر الخمس التي يمثلها أعضاء المجلس المنتخبون الذين صوَّتوا لرئيس المجلس، فلم يكن تصويت كل منهم للرئيس بصفته الشخصية، بل باعتباره نائباً عن الأمة بأسرها، بل لا نذهب بعيداً عندما نقول إن رئيس المجلس في انتخابات الرئاسة، بفوزه بأصوات أغلبية الحاضرين، قد حصل على ثقة الأمة بأسرها، إعمالاً للمادة 108 من الدستور.

ثانياً: الولاية تتقيد بالزمان والمكان

وهي قاعدة من قواعد أصول الفقه في تفسير النصوص التشريعية بوجه عام، وفي تفسير النصوص الدستورية بوجه خاص.

وحيث تنص المادة 92 من الدستور على أن «يختار مجلس الأمة في أول جلسة له، ولمثل مدته، رئيساً ونائب رئيس من بين أعضائه....».

والقاعدة الأصولية الفقهية، أنه لا اجتهاد مع صراحة النص، ومن ثم يكون قد ثبت لرئيس مجلس الأمة حق دستوري في البقاء بمنصبه حتى نهاية مدة المجلس، وأن عزل الرئيس خلال هذه المدة واختصارها يكون إهداراً لهذا الحق الدستوري.

ثالثاً: إهدار هذا الرأي لكل ما يمثله الدستور من سمو ومكانة

وقد فات الأستاذ الدكتور في حماسه السياسي البالغ عن عزل رئيس مجلس الأمة، أن بقاءه في منصبه حتى نهاية مدة المجلس هو حق دستوري ثابت له بنص المادة 92 من الدستور، وأن الرأي القاضي بعكس ذلك إنما يفتح الباب على مصراعيه لإهدار الحقوق الدستورية كاملة والحريات العامة والحق في الخصوصية، وهي الحقوق التي كفلها الدستور، بما يخالف ما استقر عليه القضاء الدستوري من أن الحق الدستوري لا يمس به، ولا ينتقص منه قرار أو تشريع، ولو كان الدستور قد فوَّض السُّلطة التشريعية في إصداره تنظيماً لهذا الحق.

فليس معنى تفويض الدستور للمشرّع بتحديد الشروط والأوضاع التي يمارس من خلالها الحق الدستوري، إطلاق يده، بما ينتقص من الحق الدستوري أو ينال منه، وهو المبدأ الذي استقر عليه القضاء الدستوري في كل الدول التي تأخذ بهذا القضاء.

ومصداقاً لذلك ما قضت به المحكمة الدستورية بالكويت في حُكمها الصادر في أول مايو سنة 2006، بأن المشرّع فيما يسنّه من قوانين تنظيماً للحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، باعتبارها من الدعامات الأساسية التي لا يقوم أي نظام ديمقراطي من دونها، يجب عليه ألا يجاوز الحدود والضوابط التي فرضتها هذه النصوص، أو ينال من أصل الحق، أو يحد من ممارسته أو يحيـــــد عــــن الغـــايــــة من تنظيمه على الوجه الذي لا ينقص من الحق أو ينتقص منه.

كما قضت المحكمة الدستورية العليا في مصر، بأن الدستور إذ يعهد إلى السُّلطة التشريعية بتنظيم موضوع معيَّن، فإن تشريعاتها في هذا الإطار لا يجوز أن تنال من الحق محل الحماية الدستورية، باقتحامها بالنقض أو الانتقاص من المنطقة التي اعتبرها الدستور مجالاً حيوياً لهذا الحق لضمان فاعليته (جلسة 4 يناير سنة 1992- ق 27 لسنة 8 قضائية دستورية).

وأن تنظيم المشرّع للحق الدستوري ينبغي ألا يعصف به أو ينال منه، وأن القواعد التي يتولى المشرّع وضعها تنظيماً لهذه الحقوق، يتعيَّن ألا تؤدي إلى مصادرتها أو الانتقاص منها، كما يتعيَّن ألا تخل بالقيود التي يفرضها المشرّع في مجال هذا التنظيم (جلسة 15/ 4/ 1991 ق23 لسنة 8 ق دستورية عليا).

فإذا كان الدستور في تفويضه للسُّلطة التشريعية لتنظيم حق من الحقوق الدستورية أو حرية من الحريات العامة أو الخاصة، لا يعطي هذه السُّلطة تفويضاً على بياض، بل يقيدها بعدم المساس بأصل الحق أو الانتقاص منه، فإن السُّلطة التشريعية في غياب هذا التفويض يكون واجبها مضاعف الأثقال في عدم المساس بأصل حق دستوري أو الانتقاص منه، وهو هنا حق رئيس مجلس الأمة في البقاء بمنصبه للمدة التي حددتها المادة 92 من الدستور، وهي مدة الفصل التشريعي كاملة.

رابعاً: فساد الاستدلال

ليس للقاعدتين اللتين بنى عليهما الدكتور رأيه في أن مَنْ يملك الكُل يملك الجزء، ومَنْ يملك التعيين يملك العزل، أصل ثابت في تفسير النصوص التشريعية، بل هما أبعد ما تكونان عن قواعد التفسير. أما إذا كان ما يقصده الدكتور أن مَنْ يملك الكُل يملك الجزء، فلابد أن يكون هذا الجزء فرعاً من أصل، فيكون صحيح القاعدة أن الفرع يتبع الأصل، والعزل ليس فرعاً من التعيين أو من تمثيل الأمة، وهو ما أوقعه في خطأ آخر أشد خطورة وتناقضاً، وهو أن مَنْ يملك فعل الشيء يملك أن يفعل ضده، وهذا ما لا يمكن قبوله عقلاً ومنطقاً، لأن للتعيين شروطه وقيوده وحدوده، وهي تختلف كُلية عن الشروط والقيود والحدود والضمانات التي يُحاط بها العزل من الوظيفة العامة.

ومن الجدير بالذكر أن المادة 163 من الدستور تنص على أن «يبين القانون ضمانات القضاة والأحكام الخاصة بهم وأحوال عدم قابليتهم للعزل».

حيث تعتبر عدم قابلية القضاة للعزل من أولى الضمانات التي تحيط بها الدساتير الحديثة استقلال قضائها، بعد التطور الهائل في قضايا حقوق الإنسان، والتي أصبحت قضايا كونية، يهتز ضمير العالم للعدوان عليها في أي بقعة بالعالم، وهو ما أدى إلى إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، للعقاب على جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وبسط القضاء الوطني في كثير من البلاد الأوروبية ولايته على هذه الجرائم أياً كانت جنسية مرتكبيها، وأياً كان موقع ارتكابها.

وكان تقرير هذه الضمانة بإنكلترا لأول مرة في عام 1701، كما قررها دستور الولايات المتحدة الأميركية سنة 1787، وقررها في فرنسا مرسوم ملكي صدر في أكتوبر سنة 1664، ثم توارى هذا المبدأ مع قيام الثورة الفرنسية حتى عادت دساتير الثورة لتنص عليه.

ومن القضاة في بعض الدول (مثل بريطانيا) مَن يبقون مدى الحياة.

ومن الوظائف الدينية بوجه خاص ما يرتبط البقاء فيها بحياة شاغلها، مثل بابا الفاتيكان، وشيخ الجامع الأزهر.

خامساً: مخالفة قاعدة أصولية في تفسير نصوص الدستور وهي وحدته

من القواعد السليمة في تفسير نصوص الدستور هي النظر إليه على أساس أن يكون التفسير لنصوصه باعتباره وحدة واحدة يُكمل كل نص النص الآخر، بما يبعد عنه التنافر أو التهاتر أو التناقض.

ونسوق بعض الأمثلة من نصوص الدستور فيما يلي:

1 - خالف الدستور القاعدتين اللتين بنى عليهما الدكتور رأيه، حيث ينص الدستور في المادة 56 على أن «يعين الأمير... الوزراء ويعفيهم من مناصبهم».

فلم يأخذ الدستور بما أطلق عليه الأستاذ الكبير قاعدة أصولية في تفسير النصوص، بأن مَنْ يملك التعيين يملك العزل، بل نصَّ على ذلك صراحة، ولو سكتت المادة 56، سالفة الذكر، عن صلاحية الأمير في إعفاء الوزراء من مناصبهم، لكان ذلك معناه ومفاده أن بقاء الوزير في منصبه رهن بإرادة مجلس الأمة وحده، من خلال استجواب يوجَّه إلى رئيس مجلس الوزراء أو إلى الوزراء بالأمور الداخلة في اختصاصاتهم، وهي طرح موضوع الثقة بالوزير إذا قرر المجلس عدم الثقة به، إعمالاً للمادتين 100 و101 من الدستور.

وهو ما تجري عليه الدساتير البرلمانية فيما تتطلبه من موافقة البرلمان على تشكيل الحكومة، وحق البرلمان في سحب الثقة منها.

2 - أكد الدستور الفصل بين الأداتين؛ التعيين والعزل، فيما تنص عليه المادة 74 من الدستور (يعين الأمير الموظفين المدنيين والعسكريين والممثلين السياسيين لدى الدول الأجنبية، ويعزلهم وفقاً للقانون.....).

ومفاد هذا النص أن صلاحية الأمير في عزل الموظفين المدنيين والعسكريين قيَّدها الدستور، بأن يكون العزل وفقاً للقانون، وهي تكليف من الدستور للسُّلطة التشريعية، بأن تضع قانوناً يحدد الشروط والضمانات اللازم تحققها لعزل الموظف من وظيفته العامة، باعتبارها خدمة وطنية تناط بالقائمين بها، ويستهدف موظفو الدولة في أداء وظائفهم المصلحة العامة..... فعزل الموظف من وظيفته أشد خطراً وأكبر أثراً من إسنادها إليه، وقد تتداول ألسنة الناس الشخص الذي يتم عزله بما يلحق به عاراً لا يمكن محوه، إذا لم تتم إحاطة هذا العزل بضمانات جوهرية تحفظ له حقوقه وحقوق أسرته.

3 - وقد خلط السيد الأستاذ الدكتور بين الاستقالة والعزل عندما استدل على أن قبول استقالة رئيس مجلس الأمة يماثل صلاحية عزله، مستدلاً على ذلك بما حدث في الفصل التشريعي الأول من استقالة السيد عبدالعزيز الصقر، وموافقة مجلس الأمة على قبول استقالته، حيث اعتبر الأستاذ الدكتور هذه الموافقة من المجلس دليلاً لا يرقى إليه شك على فكرته في حق أغلبية أعضاء المجلس في عزل رئيس مجلس الأمة، وهو قياس مع الفارق الكبير، لأن حق كل كويتي في العمل وفي اختيار نوعه هو حق دستوري، بموجب المادة 41 من الدستور، وأنه لا يجوز فرض عمل إجباري على أحد (مادة 42 من الدستور).

كما تنص المادة 17 من اللائحة الداخلية للمجلس على أن «مجلس الأمة هو المختص بقبول الاستقالة من عضويته». وهو ما يدل دلالة واضحة على افتقاد فكرته لأي سند من نصوص الدستور أو اللائحة الداخلية، وهي ذات طبيعة دستورية وفقاً لقرار المحكمة الدستورية في طلب التفسير رقم 26 لسنة 1996.

المستشار شفيق إمام