يأتي كتاب «جاسم حمد الصقر - سيرته السياسية والثقافية» في إطار سلسلة من الكتب الخاصة بتاريخ أسرة الصقر، والتي يعمل مركز البحوث والدراسات الكويتية برئاسة وإشراف د. عبدالله الغنيم على أن تكون ذات مرجعية موثقة، نظراً لإيداع أسرة الصقر مجموعة من الوثائق الخاصة بها.

ابتدأت السلسلة بكتاب تناول سيرة حمد عبدالله الصقر، ثم كتاب عن عبدالله حمد الصقر ودوره السياسي والاقتصادي.

Ad

اهتم كتاب «جاسم حمد الصقر»، الذي أعده د. فيصل عادل الوزان، بجوانب ذات قيمة في سيرته الثقافية والسياسية معاً. فقد كان العم المرحوم أبو وائل شديد الاهتمام بالوثائق التي تخص أسرته ويحتفظ بها في أرشيفه الخاص، الذي قام بتصنيفه بشكل أولي.

وتكمن أهمية هذا المخزون الوثائقي في أنه يحتوي على عقود تجارية، ووثائق عدسانية، ومراسلات، ومقتنيات خاصة أسرية، ومسودات أبحاث تاريخية، إضافة إلى مذكرات يومية كان يحرص على تدوينها.

ومن بين الوثائق النادرة رسائل كتبها أحد أعضاء كتلة الشباب الوطني إلى المرحوم جاسم الصقر حول أحداث مجلس 1938، وقصة إيفاده من الشيخ عبدالله السالم الصباح سنة 1963 للاجتماع مع الرئيس العراقي عبدالسلام عارف بعد سقوط عبدالكريم قاسم، ومفاوضات إيصال مياه شط العرب إلى الكويت، فضلاً عن محاضر لجان سرية عُقِدت بمجلس الأمة عن طرح فكرة تنقيح الدستور، وغيرها الكثير من الوثائق.

وفيما يلي عرض حلقات الكتاب الصادر عن مركز البحوث والدراسات الكويتية.

كان جاسم الصقر متفاعلاً مع الحياة الثقافية، متحمساً ونهماً في القراءة، وحريصاً أيضاً على التعريف بالكويت والمساهمة في كتابة مقالات أو تعقيبات عنها في بعض المجلات. ومما بقي منها، مسودة رسالة أرسلها لمجلة «اللطائف» المصورة، يتحدث فيها عن اكتشاف آبار نفط في بحرة، لعلها أرسلت في سنة 1936م أو 1937م وهذا نصها:

«سيدي الأستاذ صاحب اللطائف المصورة المحترم،

تحية واحتراماً:

تجد بطيه أربعة رسوم قد صورتها في أثناء عطلتي الصيفية بالكويت، وأرجو أن تكون موضع القبول لديكم، ولدى قراء اللطائف. ولعل هذه الرسوم تقوم بنزر قليل للتعريف بالمدينة العربية الجميلة الكويت، عروس الخليج.

وفي هذه الرسالة التي بعث بها إلى المجلة وضع الصقر شرحا للرسوم المصاحبة لرسالته، مبيناً أن أولها يتضمن رسما «للبرج الهرمي لبئر النفط في (بحرة)، إذ قد مُنح امتياز استثمار النفط الكويتي الى شركة تدعى شركة النفط الكويتية المحدودة، وبدأت الشركة منذ عدة شهور العمل، فحفرت بئرا عمقها نحو 3000 قدم».

أما عن الثاني فذكر أنه «رسم لسفينة شراعية في أثناء بنائها، إذ إن الكويت حائزة قصب السبق في بناء السفن الشراعية بسواحل بلاد العرب، ولأهلها شهرة في الملاحة وأحوالها»، والثالث عن «السفينة نفسها بعد الانتهاء من صنعها، وقد هُيئت لإنزالها بالبحر»، في حين يمثل الرابع تلك السفينة «أثناء إنزالها الى البحر، ونراها قد أحيلت الى جهة واحدة، وعند إنزال السفينة توثّق بالحبال وتوصل الى بَكرة حديدية مثبتة في الأرض، ويقوم الملاحون بإدارتها وبمساعدة البكرة والألواح الخشبية المطلية بمادة غروية تنزل السفينة رويدا رويدا».

حياته الجامعية في بغداد

وفي صيف سنة 1939م قبل التحاق الصقر بجامعة بغداد سافر إلى لبنان ليتلقى دروساً في اللغتين الإنكليزية والفرنسية؛ إذ إن هاتين اللغتين مطلوبتان في تخصص الحقوق، وكان بحاجة إلى تقوية فيهما، فدرس في معهد خاص بمنتجع برمانا. وكان جاسم راغباً في الدراسة في كلية الحقوق بجامعة القاهرة (كانت تسمى جامعة فؤاد آنذاك)، حيث راسلهم وطلب الالتحاق، ولكنه لم يدخلها بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية في 3 سبتمبر والتي حالت دون ذلك.

وصل جاسم الصقر إلى بغداد مسافراً إليها بالسيارة من دمشق وقدَّمَ أوراقه إلى جامعة بغداد وقُبل فيها. دامت دراسته لمدة أربع سنوات، حيث بدأ في أكتوبر 1939م وتخرج سنة 1943م ليكون من أوائل من حمل الإجازة الجامعية، وقيل إنه أول كويتي يحمل الشهادة الجامعية.

وفيما يلي رسالة من عبدالعزيز الصقر إلى أخيه جاسم يسأل عن أحواله وهو في لبنان أثناء دراسته للغتين الإنكليزية والفرنسية. ويبدو أن توقيت هذه الدراسة كان في العطلة الصيفية التي سبقت أول سنة دراسية لجاسم في جامعة بغداد. وفيها كتب عبدالعزيز:

«أخي جاسم، السلام عليكم. أرجو أنكم بصحة تامة. وصلت الشام بأتم الراحة، وأقمنا في فندق الخديوية، وفكرنا الإقامة هنا لمدة 10 أيام زايد ناقص، وقبل لا نعزم على السفر سنعرفكم. وأملي أنكم باشرتم الدراسة للغة الإنكليزية والفرنسية، ومنكم الإفادة.

تجدون في طيه مكتوب لكم من الأخ عبدالله. اطلاعكم عليه كفاية، وأفيدونا عما استقر عليه رأيكم بخصوص الدراسة، تكون في بغداد أو مصر؟ وعن الفن الذي ستتخصصون به. هذا ما لزم. سلامي للأخت شاهة وثنيان والأخ يوسف، ودمتم. (توقيع عبدالعزيز الصقر)».

رسالة من عبدالعزيز حمد الصقر إلى جاسم، يتفقد أحواله ويبشره بوصوله ويسأله عن قراره حول استكمال دراسته الجامعية، بتاريخ 16 أغسطس 1939م.

رسالة من عبدالعزيز حمد الصقر إلى جاسم، يتفقد أحواله ويبشره بوصوله ويسأله عن قراره حول استكمال دراسته الجامعية، بتاريخ 16 أغسطس1939م.

وفيما يلي رسالة بعثها عبدالله الصقر إلى أخيه جاسم (يبدو أنها تلك التي أشار إليها عبدالعزيز في الرسالة الماضية) كتب فيها مقارناً بين المنهجين في مصر والعراق فيما يتعلق بالدراسة القانونية، ويبدي فيها رأيه.

وكذلك يتبين اشتراك عبدالله الصقر في النادي العربي في دمشق، وصلته بفريد عزالدين أحد أعضاء النادي القومي:

«أخي جاسم

بعد السلام عليكم

كتابكم من دمشق وصل، والآن أنتم بقرب الأخ عبدالعزيز. الجميع إن شاء الله بصحة تامة. لما رجعت من بغداد وجدت تقويم الجامعة لكلية الحقوق المصرية. وقد أرسلته لكم مع خالد العدساني، لا بد اطلعتم عليه. ولا أعرف أنتم الآن تدرسون اللغة الإنكليزية والفرنسية أم لا؟ ولا أعرف ما استقر رأيكم عليه عن الدراسة في بغداد أو في مصر؟

منهج الكلية التجارية المصرية لا بد وردكم إيضاح عنه. أنا رأيي إذا عندكم رغبة للتجارة فهو ما يلائم لكم في المستقبل نظراً لوضعنا وأعمالنا من الناحية المالية والتجارية للمستقبل وللبيئة الذي نحن بها. بقي ميلكم، إذا لكم ميل هذا الأحسن. وأما إلى الحقوق فأنا تصفحت تقويم الجامعة فوجدت أن منهج الدراسة يحوي على أربعة فروع، منها حقوقي ومالي وإداري واقتصاد سياسي. وما يختص بالجنايات وسلك الشرطة. والمنهج جداً راقٍ وغزير المادة، وأقوى وأرقى من بغداد بكثير، وأحسن ما يلائمكم فرع الليسانس والاقتصاد المالي. فالإفادة منكم قادمة عما استقر عليه وضعكم بعد الاطلاع على المناهج والاستجواب. هذا ما لزم، ومنا الوالدة والأولاد يسلمون. (توقيع عبدالله الصقر)

تجد طيه وَصْل وَرَدَ عليَّ وأنا في بغداد، وبقي هنا إلى أن عدت من هناك، وكان داخل (كتالي؟) في النادي العربي في دمشق يطالبون برسم الاشتراك، وأنا كنت معتمداً على الأستاذ فريد عزالدين. سلم لهم أنت أو سلم إلى فريد يسلم لهم. وإذا لم يمكن أن تواجه فريد أنت سلم أو وصّل لهم المبلغ. (توقيع عبدالله)

رسالة من عبدالله إلى أخيه جاسم الصقر، غير مؤرخة

ثورة رشيد الكيلاني

عاصر جاسم أثناء دراسته معظم مدة الحرب العالمية الثانية (1939-1945م)، وعاصر أيضاً الثورة على الإنكليز عام 1941م، وهي تسمى أيضاً ثورة رشيد عالي الكيلاني، وصفها الصقر بأنها «حركة وطنية كبرى». وكان الصقر إبانها في السنة الثانية بالجامعة، وتعطلت الدراسة ودعي الناس للتطوع للأعمال المدنية، فوقعت عليه مهمة توزيع الرسائل في دائرة البريد. وانتهى هذا الأمر مع إخفاق الحركة.

ويقول جاسم الصقر، إن التيار العام في العراق كان متعاطفاً مع ألمانيا الهتلرية، ومعجباً إعجاباً «ساذجا» بشخصية الزعيم الألماني هتلر ويحمل تمنيات له بتحقيق الانتصارات العسكرية. وهذا التوجه كما يؤكد الصقر ليس حباً بالألمان بل بدافع كراهية الإنكليز التي ترسبت خلال العقود الأولى من ذلك القرن.

وحينذاك استقدمت الجامعة الأستاذ الكبير والفقيه القانوني المصري المعروف عبدالرزاق السنهوري ليجري تعديلات على نظام الدراسة في كلية الحقوق. فجعل السنتين الأولى والثانية ذات مقررات عامة، أما السنتان الثالثة والرابعة فألزم الطلاب اختيار قسم واحد من بين قسمين، الأول: دراسة الفقه الإسلامي، والتحقيقات الجنائية والطب الشرعي. أما القسم الثاني فتضمن القانون الدبلوماسي والتاريخ السياسي والمذاهب السياسية.

وهذا التخصص الثاني هو الذي التحق به المرحوم جاسم الذي كان يهتم بالجانب الثقافي من القانون.

كان الجو العام في بغداد، وبخاصة في مجتمع الطلبة مشبعاً بالشؤون السياسية، وكان يخرج مع زملائه سنوياً في مظاهرات ذكرى وعد بلفور كل يوم 2 نوفمبر. وأصبح جاسم الصقر أمين صندوق لجنة إعانة فلسطين، وزاول نشاطات اجتماعية وسياسية عدة في تلك المرحلة.

ويؤكد جاسم الصقر أن مفهوم القومية العربية في ذلك الوقت لم يتبلور بشكل أيديولوجي ممنهج يعالج قضايا الاقتصاد والسياسة والأمن، بل كان «يغلب عليه التوجه العاطفي، والتغني بأمجاد الأمة العربية وتراثها، والتذمر من حالة الانحطاط التي بلغناها».

وعند تخرجه لم يزاول المحاماة رغم انتمائه لنقابة المحامين، ولم يعمل بأي وظيفة قانونية. ويعلل ذلك بأنه كان منشغلاً بشؤون تجارة أسرة الصقر الواسعة التي أخذت قسماً كبيراً من حياته، وقد خلف أخاه عبدالله في البصرة بإدارة شركة عبدالله الصقر وإخوانه، التي كانت تصدّر التمور وتتاجر بالمواد الإنشائية والغذائية وغيرها. وعلى الرغم من عمله التجاري، فإن ذلك لم يشغله عن الاهتمام بالفكر وممارسة السياسة على مستوى عال.

وكتب أيضاً قائمة للمبالغ المجبية من الأقاليم:

جمعية «العباسيين»

وكتب جاسم الصقر أيضاً عن الجمعية السرية التي شكلها بنو العباس بمساعدة نقبائهم الاثني عشر قبل توليهم الخلافة:

«الجمعية السرية:

ابتدأت هذه الدعوة على عهد عمر بن عبدالعزيز، الخليفة الأموي. ومركز الدعوة هو الكوفة.

وفي ورقة أخرى كتب جاسم الصقر قائمة بالمبالغ المجبية من الأقاليم الإسلامية:

ويبدو أن المرحوم جاسم الصقر قد اطلع على كتاب جرجي زيدان «تاريخ التمدن الإسلامي»، حيث نقل منه قوائم عدة من المصادر الإسلامية كابن خلدون وقدامة بن جعفر وابن خرداذبة وغيرهم.

وكتب الصقر في كشكوله قائمة بأسماء الخلفاء العباسيين وسنوات حكمهم، وقائمة بأسماء أهم شعراء وقواد وعلماء الفترة الإسلامية وسنوات حياتهم، وقائمة بالملوك البويهيين، والسلاطين الغزنويين، والسلاجقة، وتلخيصاً عن حياة السلطان ألب أرسلان السلجوقي.

أبحاث تاريخية

من بين أوراق جاسم الصقر امتحان مقرر القانون الدستوري، الصف الأول، الذي حصل فيه على درجة 45. وسؤالا الامتحان هما: 1) عرف مفاهيم الدولة، الأمة، والحكومة؛ 2) تكلم بإيجاز عن الانتقادات التي وُجِّهت إلى الديمقراطية. وهذه صور الأوراق:

تتضمن مجموعة وثائق أسرة الصقر أوراقاً للمرحوم جاسم كتب فيها أبحاثاً وتلخيصات جميلة عن مسائل تاريخية عدة. ولعله كتبها أثناء دراسته الجامعية في بغداد. وفيما يلي بعض مما كتبه المرحوم:

درهم

12.000 لأزواج النبي (ص) ولعمه العباس

5.000 لمن شهد بدراً من المهاجرين والأنصار، وألحق بهم الحسن والحسين

4.000 لمن كان إسلامه كإسلام أهل بدر ولم يشهدها، وألحق بهم أسامة بن زيد

3.000 لعبدالله بن عمر ولبعض أبناء المهاجرين والأنصار كعمر بن أبي سلمة

2.000 لأبناء المهاجرين والأنصار

800 لأهل مكة

300 و 400 لسائر الناس

200 و 400 و 600 لنساء المهاجرين والأنصار

«وكان يفرض لأمراء الجيوش والقرى في العطاء ما بين 9.000 و8.000 و7.000 على قدر ما يصلحهم من الطعام وما يقومون به من الأمور، وكان المنفوس إذا طرحته أمه 10 دراهم، فإذا ترعرع بلغ به 200، فإذا بلغ زاده.» [من كتاب الخراج لإبي يوسف يعقوب].

وفي ورقة أخرى كتب أسماء حكام شمال إفريقيا وجنوب أوروبا المتعاصرين: «بن إبراهيم فاتح صقلية 201 – 223 هـ، ويعاصره في فرنسا شارلمان صديق أبيه، وقد توفي سنة 814م، ثم لويز الأول الملقب باللين. ويعاصر في بلاد المغرب الأقصى إدريس بن إدريس بن عبدالله سنة (188 – 213) ثم ابنه محمد بن إدريس (213 – 221). ويعاصره في إفريقيا من بني الأغلب، عبدالله بن إبراهيم بن الأغلب (196 – 201)، ثم ابنه زيادة الله. وكان يعاصره من الملوك بالأندلس ملكان: الحكم بن هشام ثالث أمراء بني أمية (180-206)، ثم ابنه عبدالرحمن الثاني (206-238). ويعاصره في القسطنطينية ليون الأرمني (813 - 820)، ثم ميخائيل الثاني الملقب بالتمتام [المتئتئ بالكلام] ثاني مرة (820 - 829)».

وفي ورقة ثالثة كتب ملخصات ونبذة عن الأمين والمأمون:

«محمد الأمين:

الولادة: سنة 170 هـ.

ولايته للعهد سنة 175هـ.

الوفاة: 198هـ قُتل، محرم.

والده هارون الرشيد ووالدته زبيدة.

5 سبتمبر 813، مدة حكمه ثلاث سنوات وثمانية أشهر لا غيرها.

المأمون:

هو عبدالله المأمون، والده هارون الرشيد.

ولادته سنة 170هـ، وفاته سنة 218هـ بمدينة طرسوس 19 رجب / 833م. بويع له بالخلافة سنة 198 بعد قتل أخيه الأمين. مدة حكمه عشرين سنة وخمسة أشهر وثلاثة أيام. أقام بخراسان من تاريخ ولايته سنة إلى منتصف صفر سنة 204هـ، وهو تاريخ قدومه لبغداد. تمرض بمرض الحمى وهو بالبدندون شمالي طرسوس في رجب 218 وعمره 48، وحمل إلى طرسوس ودفن فيها».

حمزة عليان