فاجأ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف صانع القرار المصري أمس الاثنين، بمواقف هادئة من أزمة سد النهضة الإثيوبي، إذ تمسك بالمسار الإفريقي للمفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان، ولم يدعم المقترح المصري السوداني بتشكيل رباعية دولية للوساطة لحل الأزمة، على عكس لهجة نظيره المصري سامح شكري الذي أبدى رغبة بلاده في انخراط موسكو في ملف السد على أمل حلحلة الجمود الحالي في المفاوضات وسط تصاعد الاتهامات المتبادلة بين مصر والسودان وإثيوبيا.

لافروف وخلال مؤتمر صحافي مع نظيره المصري سامح شكري في القاهرة أمس، استخدم لغة أكثر هدوءاً حول الوساطة الروسية في أزمة سد النهضة، إذ أكد أن موسكو مقتنعة بأن الحل المنسق بين كل الأطراف المعنية بقضية سد النهضة، ويضمن المصالح الشرعية، سيوفر ظروفاً للتسوية الشاملة، وأشار إلى أن روسيا مهتمة بتسوية هذه المسألة عبر الحوار السياسي، وتابع: "اقترحنا تحريك هذا الموضع، ولا نسعى للعب أي أدوار أخرى".

Ad

وأشار لافروف إلى أن روسيا اقترحت في وقت سابق مساعدة تقنية وفنية وتحليل الخبراء في هذا المجال، وهذه المعطيات نقلت إلى جميع الأطراف، ولم تكن هناك أي دعوة لروسيا للوساطة، بل ان الوساطة كانت للولايات المتحدة والاتحاد الإفريقي، وأن على الأخير أن يلعب دوره في هذا المسار ويحل هذه المسألة الإفريقية، وهو نفس موقف إثيوبيا التي ترغب في استكمال المفاوضات تحت مظلة إفريقية فقط.

رغبة مصرية

حديث لافروف يبدو أنه شكل خيبة أمل للقاهرة التي كانت تتلهف لدور روسي ضاغط على إثيوبيا، ما بدا واضحا في حديث سامح شكري، خلال المؤتمر الصحافي المشترك، الذي قال إن روسيا أظهرت استعداداً لاستمرار التنسيق مع مصر في إطار التوصل لاتفاق بشأن سد النهضة يحقق مصالح الدول الثلاث، مضيفاً: "نعول على علاقات روسيا بالدول الثلاث وقدرتها الدولية على الدفع لوقف اتخاذ أي إجراءات أحادية في قضية سد النهضة".

وأطلع شكري نظيره الروسي على نتائج جولات مفاوضات حول سد النهضة، وأهمية هذه القضية لمصر وشعبها، باعتبار أن حصتها المائية أمر وجودي، لافتاً إلى تعثر المسار الإفريقي بسبب التعنت الإثيوبي، داعياً إلى ضرورة التوصل لاتفاق يحقق مصالح الدول الثلاث، وينزع فتيل الأزمة بما يعفي من أي عواقب من إجراءات أحادية يكون لها تأثير ضار على دولتي المصب، وتابع "لروسيا دور مركزي باعتبارها عضواً دائماً في مجلس الأمن، ودولة لها إمكانياتها الدبلوماسية وتأثيرها على الساحة الدولية".

وأبدى مصدر مصري صدمته من الموقف الروسي، وقال إنه كان يتوقع مواقف روسية أكثر تفهماً لخطورة سد النهضة على دولتي المصب، وأن هناك نقطة غابت عن الجانب الروسي وهي أن الوساطة الإفريقية فشلت بسبب التعنت الإثيوبي المستمر، بهدف تضييع الوقت وفرض الأمر الواقع، لذا طلب السودان بوساطة رباعية دولية، وهو ما دعمته مصر للخروج من عبثية التفاوض تحت المظلة الإفريقية الذي أضاع أكثر من عام كامل دون التوصل لأي نتيجة.

هجوم إثيوبي

وغداة حديث سامح شكري لفضائية مصرية عن أن الانتقاص من حقوق مصر المائية يعتبر عملاً عدائياً، مؤكداً أن كل الخيارات متاحة، ردت وزارة الخارجية الإثيوبية باتهام مصر بالفشل في الاعتراف بـ "الكرم الإثيوبي" وتقبل تفاوض أديس أبابا بحسن نية، وتابع الحساب الرسمي للخارجية الإثيوبية على تويتر: "عالجت إثيوبيا جميع مخاوف السودان المتعلقة بسد النهضة، وتبادلت معه المعلومات".

وبدا واضحاً حجم المرارة التي تعانيها إثيوبيا من التنسيق السوداني مع مصر، إذ شددت على أن مسألة أمان السد وهي قضية محل تخوف الخرطوم "سيتم الاعتناء بها من أجل أمان إثيوبيا في المقام الأول، فمن المستفيد من رفض السودان لملء سد النهضة؟" في اتهام مبطن بانحياز الخرطوم للموقف المصري.

وأضافت الخارجية الإثيوبية: "لسنوات كان المسؤولون في السودان يمتدحون أهمية سد النهضة لمنع الفيضانات وتنظيم تدفق المياه وتوفير طاقة رخيصة، فكيف يمكن تحقيق مصلحة الشعب السوداني برفض ملء السد". وشددت على أنه "لا يوجد تجربة يمكن مقارنتها بتجربة إثيوبيا، بدعوتها لدولتي المصب للتفاوض حول سد لتوليد الطاقة الكهربائية من نهر تنبع مياهه من أرضيها".

ضجيج مصري

بالتزامن مع ذلك، شن عدد من الخبراء الإثيوبيين عبر وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية، أمس، هجوماً على دولتي المصب، بالتأكيد على أن السودان ومصر تتعمدان إطالة المفاوضات الثلاثية من أجل تأخير مرحلة الملء الثاني لسد النهضة، لكن هذه المحاولة ستبوء بالفشل في ظل التقدم المحرز في السد وبدء الملء الثاني في موسم الأمطار المقبل.

وبينما اتهم الأستاذ المساعد بمركز الدراسات الإفريقية بجامعة أديس أبابا، صامويل تيفيرا، مصر والسودان بأنهما تسعيان لكسب الوقت لإطالة أمد ملء السد، هاجم خبير السلام والأمن، لولسيجيد أبيبي، القاهرة قائلا: "استراتيجية مصر هي تحويل الانتباه وإحداث ضجيج كالمعتاد، والاختلاف الآن أن السودان انضم لمصر"، داعيا القاهرة والخرطوم لقبول الأمر الواقع.

القاهرة- حسن حافظ