غداة الرفض المصري والسوداني للعرض الإثيوبي، حول تبادل المعلومات بشأن الملء الثاني لسد النهضة الإثيوبي، بدأ وزير المالية المصري محمد معيط، برفقة وزير النقل كامل الوزير، زيارة رسمية للخرطوم أمس، في خطوة لتعزيز التعاون والربط الاقتصادي بين البلدين العربيين اللذين يجمعهما نهر النيل والتاريخ المشترك ومواجهة تحديات متقاربة، في مقدمتها ما يطلق عليه البلدان «التعنت الإثيوبي» في ملف السد.

وسيبقى الوفد المصري في السودان ليومين، تزامنا مع الذكرى الثانية لإطاحة نظام عمر البشير، والذي تميز عهده بالتوتر الشديد في العلاقات مع مصر، بصورة جعلت إمكانية التكامل الاقتصادي بين البلدين الجارين شبه مستحيل، وهو وضع تغير مع النظام السوداني الجديد الذي انفتح على القاهرة، وصولا إلى مرحلة غير مسبوقة من التعاون والتنسيق المشترك.

Ad

وصرح معيط بأن الزيارة تأتي «في إطار توجيهات القيادة السياسية لمصر بتعزيز العلاقات مع أشقائنا في السودان، وتقديم كل أوجه الدعم للحكومة السودانية، وفي جميع الملفات ذات الأولوية»، لافتا إلى أن الزيارة ستبحث سبل تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، ومناقشة البرامج والسياسات الاقتصادية المصرية التي يرغب الأشقاء بالسودان في الاستفادة منها.

وستركز الزيارة على عرض محاور برنامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، الذي نفذته الحكومة المصرية بداية من عام 2016، وبرنامج الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وبرامج تعزيز الحماية الاجتماعية، وحماية الأسر الفقيرة، وتشغيل الشباب، وعرض الخبرة المصرية في التعامل مع المؤسسات الدولية وتصميم برامج للإصلاح الاقتصادي.

وستركز زيارة وزير النقل المصري على ملف الربط السككي بين البلدين، وهو أحد أهم المشروعات الطموحة لربط مصر بالسودان، إذ تجرى المباحثات حاليا حول ربط السكك الحديدية في البلدين، فضلا عن نية مصر تطوير عدد من الموانئ السودانية، فضلا عن السماح بتجارة الترانزيت للبضائع السودانية عبر الموانئ المصرية.

رفض مشترك

وجاء التعاون المصري السوداني، الذي تصدر المشهد أمس، غداة ترجمة سياسية للتنسيق في المواقف بين القاهرة والخرطوم، إذ رفضت الدولتان المقترح الإثيوبي بترشيح خبراء من الدولتين لتبادل البيانات قبل بدء الملء الثاني لسد النهضة، والذي سيجري في يوليو وأغسطس، واعتبرت أديس أبابا أن هذه الخطوة لبناء الثقة بين الأطراف الثلاثة حتى اختتام مفاوضات السد برعاية الاتحاد الإفريقي.

الرد السوداني كان الأكثر حسما لتأثر الخرطوم المباشر بالملء الثاني، إذ شدد على موقفه الثابت بأن تكون عملية تبادل المعلومات ضمن اتفاق قانوني وملزم للملء والتشغيل، وأن العرض الإثيوبي «ينطوي على انتقائية مريبة... وميل غير مقبول لاتخاذ الخطوات التي تلائمها فحسب، دون الاعتداد بمطالب السودان ومخاوفه، وتجنب السعي الجاد للتوصل إلى اتفاق شامل وملزم قانونا حول ملء وتشغيل سد النهضة».

وعبرت الخرطوم عن استيائها من طريقة التعامل الأحادية للجانب الإثيوبي، بما يجعل تبادل المعلومات مجرد منحة من إثيوبيا، توفرها أو تحجبها متى شاءت، وأن الاكتفاء بتسمية مندوبين لتبادل المعلومات «يعني عمليا تخفيض سقف التفاوض من اتفاق شامل إلى تبادل بيانات فقط، الأمر الذي يصعب على السودان القبول به».

وكشفت عن إخطار وزير المياه الإثيوبي نظيره السوداني بأن أديس أبابا ستختبر البوابات السفلى للسد بإطلاق حوالي مليار متر مكعب من المياه بعد أقل من 48 ساعة من تسليم للإخطار، «وهي فترة قصيرة لاتخاذ الإجراءات الفنية الوقائية، مما يؤكد من جديد أهمية التوصل إلى اتفاق ملزم قبل ملء السد، كما أن هذه الإجراءات تعني أن جزءا من عملية الملء ستحدث خلال مايو ويونيو، خلافا للجداول المتبادلة التي تؤكد بدء الملء في يوليو».

وتناغم الموقف السوداني مع موقف القاهرة، إذ أعلنت عبر وزارة الموارد المائية والري، رفض القاهرة المقترح الإثيوبي، واعتبرته «محاولة مكشوفة لاستخلاص إقرار مصري على المرحلة الثانية من الملء التي تنوي إثيوبيا تنفيذها خلال صيف العام الجاري، حتى لو لم تصل الدول الثلاث إلى اتفاق حول ملء وتشغيل سد النهضة».

وجددت القاهرة موقفها الرافض لأي إجراءات أحادية تتخذها إثيوبيا، ولن تقبل بالتوصل إلى تفاهمات أو صيغ توفر غطاء سياسيا وفنيا للمساعي الإثيوبية لفرض الأمر الواقع على دولتي المصب، وتمسكها بضرورة التوصل لاتفاق متكامل حول ملء وتشغيل السد، تنفيذا لأحكام اتفاق إعلان المبادئ المبرم عام 2015.

من جهته، قيم مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية هاني رسلان الموقف المصري السوداني، قائلا لـ«الجريدة» إن التنسيق بين القاهرة والخرطوم بات حقيقة سياسية، وظهر بشكل واضح في الرفض المتزامن للاقتراح الإثيوبي الذي يسعى إلى فرض الأمر الواقع، لافتا إلى أن أديس أبابا تدفع الأمور إلى لحظة الصدام بسبب إصرارها على احتكار مياه نهر النيل.

حديث وزير

في غضون ذلك، أدلى وزير الري المصري محمد عبدالعاطي بتصريحات كاملة حول الموقف المصري، خلال لقاء مع الإعلامي عمرو أديب مساء أمس الأول، إذ أكد أن الدولة المصرية لديها سيناريوهات جاهزة لمواجهة تداعيات الملء الثاني لبحيرة سد النهضة، كاشفا أن القاهرة بدأت الاستعداد لمواجهة الموقف قبل 5 سنوات، بما في ذلك تخفيض المساحة المزروعة بالمحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه مثل الأرز، والاعتماد على الري الحديث وتبطين الترع.

واستبعد عبدالعاطي اللجوء إلى الخيار العسكري، مبينا ان اندلاع حرب مياه في المنطقة أمر صعب، لكن لا يمكن استبعاده، مؤكدا أن إمكانية حل الأزمة لا تزال قائمة شريطة توفر الإرادة السياسية عند الإثيوبيين، وقال إن الجانب الإثيوبي لو جاهز لاتفاق عادل فسيتم الانتهاء من الأزمة في غضون ساعتين، لكنه أكد أن استمرار أديس أبابا في نهجها الحالي يجعل عملية التفاوض مجرد «تضييع وقت».

ونفى تلميح الجانب الإثيوبي لبيع المياه في مفاوضات سد النهضة، فضلاً عن أن مصر لن تسمح بطرح تلك الفكرة، قائلًا إن تأثر حصة مصر المائية حال الملء الثاني لسد النهضة يختلف باختلاف المياه التي تستقبلها مصر والسودان.

القاهرة - حسن حافظ