بصرف النظر عن الخلافات السياسية، التي حصلت خلال المرحلة الماضية، تبقى غاية الخيار ‏الديمقراطي هي الوصول إلى حالة من التعاون الجاد والحقيقي، الذي يؤمّن المناخ السياسي ‏للإنجاز، ولا يمكن الوصول إلى هذا التعاون دون توافر إرادة سياسية جادة لدى السلطة التنفيذية ‏تجعلها تُغلّب مسارات الإنجاز على مسارات الخلاف والأزمة؛ ولابد في هذا السياق أن تدرك ‏هذه السلطة أن الأغلبية التشريعية في أي برلمان منتخب، هي أغلبية شعبية بامتياز، وسواء ‏اختلفت معها أو اتفقت، تبقى هذه الأغلبية خيار الشعب، تجسد إرادته وتعبر عن تطلعاته. ‏وانطلاقاً من ذلك، لن يكون هناك استقرار سياسي من دون إدراك هذه المعادلة والانطلاق منها.‏

كثيراً ما تأتي الأغلبية البرلمانية على غير ما تتمناه السلطة السياسية في البلدان الديمقراطية، ‏لكن يبقى التوافق على الأهداف الوطنية الجامعة هو البوصلة التي تقود العمل السياسي، وهذا ‏يحتاج إلى رغبة حقيقية وسعي جاد من قبل السلطة التنفيذية للتعاون البناء مع هذه الأغلبية، ‏لتنحية الخلافات والبدء بالعمل التشريعي والتنفيذي، الذي ينتظره الشارع.‏

Ad

تستمد الديمقراطية قوتها من الفصل بين السلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، ‏ومن العلاقة المتكاملة بينها وفق ما يقتضيه الدستور، وإضعافُ السلطة التشريعية، بتغول ‏السلطتين التنفيذية والقضائية عليها، هو إضعاف للديمقراطية وتفريغ للدستور من مضامينه ‏التي تتأسس على التوازن والتعاون بين السلطات الثلاث، إضافة إلى أن السلطة التشريعية ‏تعبر عن خيارات الشعب، ومحاولةُ تهميشها وإضعافها هي إخراج للإرادة الشعبية من ‏اللعبة السياسية، وفي ذلك إضعاف لكل السلطات، كما أن إشغال البلد لفترات طويلة ‏بالخلافات السياسية يوقف عجلة التنمية، ويعرقل إمكانية اتخاذ قرارات هامة ومصيرية لإنقاذ ‏البلاد، وهو ما يقود الجميع إلى الفوضى، ويعتبر في نظر الشارع نوعاً من عبث سياسي لا ‏طائل منه، الأمر الذي يُرتب مآلات مستقبلية مدمرة سنحتاج إلى وقت طويل للخروج منها.‏

ويبقى السؤال الذي يتكرر دائماً: لماذا كل هذه الممارسات الحكومية لعرقلة عمل أي أغلبية ‏تشريعية تصل إلى البرلمان؟ ولماذا عملت الحكومة، طوال السنوات الماضية، على إجهاض أي ‏مشروع لأغلبية تشريعية خرجت من صناديق الاقتراع؟ متى تتغير هذه المنهجية السياسية في ‏التعاطي السلبي مع أي أغلبية تعبر عن إرادة الشعب؟ ومتى تدرك الحكومة أن مشروع ‏الأغلبية التشريعية هو فرصة حقيقية للإنجاز الوطني غير المسبوق على مستوى القوانين ‏والتشريعات، والتصدي لأصعب الملفات وحلها، في حال صدقت النوايا وتوافرت إرادة سياسية ‏جادة للتعاون والإصلاح؟!‏

‏***‏

‏«‏Catalyst‏» مادة حفّازة:‏

احترام خيارات الشعب + فصل السلطات = دستور 62