تُعوّل معظم الدول على اللقاحات لتحقيق مناعة جماعية، وعند بلوغها قد تتوقف مقاربات الصحة العامة المستمرة اليوم لمكافحة «كوفيد 19» دون أن يخشى أحد تجدد الفيروس، غير أن توقيت النهاية يختلف بين بلد وآخر، وسيتأثر بعدة عوامل تشمل تأمين اللقاحات وفاعليتها وتقبّلها بين الناس، فضلاً عن مستوى المناعة الطبيعية لدى السكان نتيجة التعرّض للفيروس، وسط تقديرات بوجود تلك المناعة لنحو 300 مليون شخص عالمياً.

كما سيتأثر توقيت نهاية الفيروس بنشوء مناعة متقاطعة محتملة نتيجة التعرّض لأنواع أخرى من فيروسات كورونا، مع مناعة جزئية محتملة بفضل لقاحات أخرى مثل لقاح «عصية كالميت غيران» المضاد للسل، فضلاً عن الاختلافات بين المناطق في طريقة اختلاط الناس، ما يعني ظهور عتبات مختلفة للمناعة الجماعية.

Ad

يمكن توزيع اللقاحات على عدد كافٍ من السكان لبلوغ مرحلة المناعة الجماعية في نحو ستة أشهر، لكن هذا الهدف يستلزم توفير مئات الملايين من الجرعات سريعاً، وتأمين سلاسل فاعلة لتزويد الدول باللقاحات، وضمان تقبّل الناس لتلقيه خلال النصف الأول من 2021، وبناءً على بيانات شركات تصنيع اللقاحات ونتائج الاستطلاعات المرتبطة بموقف المستهلكين منها، تبدو هذه التوقعات منطقية.

تلك المناعة الجماعية يمكن تحقيقها اعتباراً من الربع الثاني من 2021 إذا كانت اللقاحات شديدة الفاعلية، وسارت حملاتها بسلاسة، أو في حال اكتشاف مستوى مرتفع من المناعة المتقاطعة لدى السكان، لكن الوباء قد لا ينتهي قبل عام 2022 أو في مرحلة لاحقة إذا واجهت اللقاحات مشاكل على مستوى الفاعلية والسلامة الشخصية، أو إذا تباطأت عمليات التوزيع وحملات التلقيح.

وفي أسوأ الحالات، قد تتابع الولايات المتحدة محاربة «كورونا» حتى عام 2023، أو أكثر، إذا اجتمعت عوامل عدة ضدها، مثل عدم فاعلية اللقاحات وتراجع مدة المناعة الطبيعية.

من المتوقع أن تكون مسارات المناعة الجماعية في الدول الأخرى ذات الدخل المرتفع مشابهة للوضع الأميركي، وقد يختلف التوقيت وفقاً لمستويات المناعة المتقاطعة ونطاق الحماية التي تضمنها لقاحات أخرى، غير أنه حتى لو حققت عدة مناطق المناعة الجماعية المنشودة فمن المتوقع أن يتضمن العالم بؤراً دائمة لـ«كوفيد 19»، لاسيما في المناطق الغارقة بالحروب أو المجتمعات التي تتراجع فيها حملات التلقيح، إذ يصبح «كوفيد 19» في هذه الأماكن، مشابهاً لمرض الحصبة حتى بلوغ المناعة الجماعية، ما يعني أنه لا يطرح تهديداً يومياً على معظم الناس، لكن مخاطره تبقى قائمة، وإذا تلاشت المناعة بسبب عدم تلقي اللقاح فقد تتوسع نقاط ترسّخ الفيروس.

لا يعني تحقيق المناعة الجماعية إنهاء جميع المقاربات الصحية المعمول بها، فقد تبرز الحاجة إلى تكرار اللقاح بانتظام للحفاظ على تلك المناعة، ومتابعة مراقبة مسار تطور «كوفيد 19»، لكن هذه المناعة في المقابل تعني إمكانية رفع التدابير المفروضة راهناً في عدد كبير من الدول.

سيكون إيقاع تخفيف التدابير الصحية التي تفرضها الحكومات عاملاً أساسياً في هذا المجال، إذ يترافق جزء من تلك التدابير (مثل الإقفال التام وفرض ضوابط معينة على بعض الصناعات) مع تداعيات اجتماعية واقتصادية بارزة، لكن التدابير الأخرى، مثل إجراء الفحوصات وتعقب الإصابات، لن تكون مسيئة، مع أنها عالية الكلفة.

يمكن بلوغ المرحلة النهائية من الوباء في وقت أبكر من المرحلة الأولى، إذ تشير التقديرات إلى احتمال تحقيق هذا الهدف خلال الربع الأول أو الثاني من 2021 في الولايات المتحدة والاقتصادات المتقدمة الأخرى، ويتعلق العامل الأساسي في هذا المجال بتراجع حالات الوفاة.

لقد اعتادت المجتمعات تعقب أعداد الإصابات بـ «كورونا»، لأن الناس يموتون بسبب العدوى، ولأن الناجين قد يواجهون عواقب صحية طويلة الأمد بعد التقاط الفيروس، وما من معطيات علمية مؤكدة حتى الآن حول هذه الفئة الثانية من الناس، لكن هناك مخاوف من احتمال أن يواجه بعض المتعافين تداعيات أخرى على المدى الطويل.

أحرزت معظم الدول تقدماً بارزاً على مستوى تخفيض أعداد الوفيات وحالات الاستشفاء المرتبطة بالفيروس، حتى أن بعضها يوشك أن يتجاوز مشكلة فائض الوفيات، لكن هذه النتائج لم تتحقق عموماً بسبب إنجاز واحد وواضح، بل بفضل خليط من المقاربات الفاعلة نسبياً.

ستبدأ المرحلة الانتقالية نحو الوضع الطبيعي الجديد، بغض النظر عن شكله، حين يتأكد الناس من قدرتهم على عيش حياتهم السابقة دون التعرّض للمخاطر أو تعريض الآخرين للخطر، ولاسترجاع هذه الثقة لابد من متابعة التقدم الحاصل لتخفيض عدد الوفيات والمضاعفات المحتملة، فضلاً عن تكثيف الدراسات العلمية المرتبطة بالعواقب الصحية التي يواجهها المتعافون على المدى الطويل، وحين تتجدد هذه الثقة، لن يتردد الناس في ملء الحانات والمطاعم والمسارح والنوادي الرياضية مجدداً، ولن يرفضوا السفر إلى الخارج (باستثناء الوجهات الأكثر عرضة للخطر)، وسيحرصون على تلقي الرعاية الطبية الاعتيادية بمستويات مشابهة لما كانوا يفعلونه قبل زمن الوباء.

ويتوقف توقيت هذه العملية الانتقالية على إيقاع التقدم الذي يمهد لتحقيق مناعة جماعية، فضلاً عن فاعلية استجابة قطاع الصحة العامة داخل الدول، وسيكون ذلك تدريجياً.

سبق أن بدأت هذه المرحلة في بعض المناطق ويمكن تسريعها في معظم البلدان بحلول الربع الأول أو الثاني من 2021، ونظراً إلى ترابط الاقتصاد العالمي، لن تكون عودة الدول إلى الوضع الطبيعي مستقلة بالكامل عن مسار البلدان الأخرى.

لتحقيق هذه الغاية، يجب أن يحصل تقدم بارز في مساعي إنهاء الوباء، ويتطلب ذلك أن تحصد اللقاحات الفاعلة «إذن الاستخدام في حالات الطوارئ»، كما حصل خلال الربع الرابع من 2020 أو الأول من 2021، بشرط أن تليها حملة سلسة لتوزيع اللقاحات وتلقيح الجماعات السكانية الأكثر عرضة للخطر.

قد تسهم النتائج الإيجابية المرتبطة بالمناعة الطبيعية والمتقاطعة في تسريع توقيت التعافي، وكذلك تؤثر خمسة معايير أخرى على تسهيل العملية الانتقالية واسترجاع الوضع الطبيعي، وكلما زادت الأهداف المحققة من بين تلك العوامل تراجعت المدة التي تفصلنا عن بلوغ المرحلة المنشودة، وتشمل متابعة الجهود الحكومية لتحسين طريقة تطبيق مقاربات الصحة العامة (مثل الفحوصات وتعقب الإصابات) من دون الحد من النشاطات الاقتصادية والاجتماعية، مع الالتزام بتدابير الصحة العامة حتى بلوغ المناعة، ثم إجراء فحوصات دقيقة وسريعة وشائعة لتسهيل المتابعة.

كما تتضمن تلك العوامل متابعة التقدم في ابتكار علاجات «كورونا»، إلى جانب تجديد ثقة الناس بتلاشي أي عواقب صحية على المدى الطويل وسط المتعافين من الفيروس.

في النهاية، سيكون الانتقال إلى وضع طبيعي جديد إنجازاً اجتماعياً واقتصادياً بارزاً، وقد تصبح المناعة الجماعية نهاية حاسمة للوباء، وقد تنتهي هذه المرحلة الانتقالية أبكر من المتوقع داخل الولايات المتحدة، لكن نقطة انتهاء الوباء لن تتحقق على الأرجح قبل النصف الثاني من 2021.

سارون شاروميليند - ومات كرايفن - وجيسيكا لامب - وآدم سابو ومات ويلسون