مع اقتراب فصل الصيف، استذكرت الأيام الجميلة عندما كنا نقضي الصيف في مدن لبنان الجبلية، تستوقفني لحظة التقائي بأشخاص يرتدون ملابس غريبة ليوضح لي والدي، رحمه الله، أنهم «دروز»، اعتدت ملاقاتهم وإلقاء التحية أثناء المشي مع والدي من آرصون إلى حمانا مروراً بـبتخنيه، لم أكترث وقتها بهذه العقيدة، إلا أن فضولي اتسع بعدها.

تعود جذور الديانة الدرزية إلى الإسماعيلية، وهي حركة دينية فلسفية أسست الخلافة الفاطمية في مصر في القرن العاشر، تعود كلمة الدروز الى مؤسس الطائفة، إسماعيل الدرازي والتي تعني «إسماعيل الخياط»، في حين يرى بنيامين فون توديلا المتوفى ١١٧٣ أن اشتقاق الكلمة من البارون المسيحي (دي دروز) والتي يعدها البعض خرافة نشأت في عهد فخر الدين الذي استغلها لكسب تأييد المسيحيين في حربه ضد الأتراك.

Ad

يتحدث الدروز اللغة العربية وينتمون الى الثقافة والعادات العربية. ومن محادثاتي لبعض الدروز في لبنان، تتميز صوتيات لكنتهم عن المجتمعات اللبنانية الأخرى، فمثلا تُنطق القاف عادة همزة (ء) glottal stop- في اللهجة اللبنانية، إلا أن القاف تنطق قافاً (ق) uvular في اللهجة الدرزية للحفاظ على نطق العربية الصحيح.

تبحث روزنهويز في لهجة الدروز بتسجيل نصوص لستة طلاب في العشرينيات والثلاثينيات من العمر، وترى روزنهويز أنه يوجد اختلاف وفروق واضحة في اللهجتين وخصوصا في استخدام الحروف المتحركة (vowels).

وتقول الباحثة مع وجود هذه الفروق الصوتية بين الدروز والمسيحيين والمسلمين، إلا أن هذه اللهجات متقاربة جغرافيا.

وتحتوي العقيدة الدرزية على الكثير من الأفكار المستمدة من الديانات الوثنية ومدارس الفلسفة القديمة، كما تأثرت العقيدة الدرزية بالمسيحية (بالرغم من أنها- حسب إيمانهم- ترتكز على الإسلام)، يشير المستشرق الألماني والباحث في العقيدة الدرزية ماكس أوبنهايم أن الإنجيل والقرآن الكريم كتابان مقدسان لا مرجعان للدين، في حين تؤكد ديانة الدروز على وحدانية الله، ويفضل الدروز تسميتهم «الموحدين» على الدروز.

يقول أبونهايم إن الدروز يؤكدون أنهم مسلمون، إلا أنني أختلف بهذا الاعتقاد، حيث تنص العقيدة الدرزية على إعفائهم من تطبيق أربعة أركان: الصلاة، الحج، الصيام والزكاة، والتي تعتبر من ركائز الإسلام. ويرى أوبنهايم أن للدروز شبها في الديانة الإسلامية في المظاهر الخارجية وخصوصا في المناسبات والأعراس ودفن الأموات، كما يحتفل الدروز بعيد الأضحى.

يقول لي والدي إن الديانة الدرزية ديانة سرية ومغلقة للمتحولين، حيث إنهم لا يدعون أحدا للاطلاع على طقوسهم. وتعتبر الكتب الدينية الدرزية متاحة فقط للمبتدئين، وهم العقال، بمعنى (العارفين)، ويقبل الشخص الجهل (الجاهلون) الإيمان على أساس التقليد المتوارث من جيل إلى جيل.

فيما يتعلق بالأحوال الشخصية، تعتبر حقوق النسوة الدرزية مماثلة لحقوق الرجل، فالنسوة الدرزيات مفضلات على الرجال في الانضمام إلى العقال، لأنهن يعتبرن أفضل و»مهيآت روحيا»، وبذلك هناك نساء أكثر من الرجال في العقال، وتشارك أنثى العقال في التجمعات الدينية إلا أنها تجلس منفصلة عن الرجال.

يعتبر الزي الدرزي مميزا جدا، حيث يقوم الدروز بتصنيعه بأنفسهم، ويتألف زي الرجل من قميص أبيض وسروال أسود وعباءة سوداء من غير أكمام وحزام للوسط، ويتميز العقال عن غيره بحزام الوسط المصنوع من الجلد في حين يصنع من الصوف لدى عامة الدروز، ويرتدي الرجل الدرزي أيضا عمامة وطربوشا.

يعود أصل الدروز الى الفارسي أو الكردي، ويؤكد أوبنهايم أن السكان الدروز الحاليين يعودون الى قبائل عربية جاءت في القرن الثاني الهجري الى لبنان، ويشكل الدروز نحو 5.2% وسكنوا وادي التيم والشوف وعاليه.

د. منيرة عبد الكريم العجلان