• لك العديد من الأعمال الإبداعية الموجهة للأطفال واليافعة، ماذا عن بدايات هذه الرحلة، وكيف جاء توجهك للكتابة للطفل؟

Ad

- في الحقيقة لم أكن أخطط لأكون كاتباً للأطفال، رغم ولعي بمطالعة مجلات الأطفال في طفولتي. المصادفة وحدها قادتني إلى هذا الميدان؛ ففي منتصف السبعينيات من القرن الماضي بدأت خطواتي الأولى في النشر، فكنت أكتب الخاطرة والقصيدة والقصة للكبار، ونشرت في أغلب الصحف والمجلات المحلية وقتها. كانت الصحف اليومية في سبعينيات القرن الماضي تخصص صفحات للأطفال، وفيها "زاوية لقصيدة الأطفال"، وكانت فرصة النشر فيها صعبة جداً؛ كونها كانت مقتصرة على الأسماء المعروفة آنذاك، وقد جرّبت أن أرسلت إحدى القصائد فكانت دهشتي كبيرة عندما نشرت سريعاً، وكان التلفزيون يخصص برنامجاً لقراءة الصحف اليومية، وقد تمت قراء قصيدتي ضمن البرنامج، وسمعها الكثيرون، ونالت استحسانهم، الأمر الذي شجعني على تكرار المحاولة مع قصيدة أخرى، ونشرت أيضاً، وهكذا أصبحت من الكتاب الدائمين في تلك الصفحات، ومن حسن حظي أن الملحّن الكبير حسين قدروي أعجب بإحدى قصائدي ولحّنها للتلفزيون فكانت بدايتي مع أغاني الأطفال. وتم اختيار قصيدتين من قصائدي للأطفال، لتكونا ضمن المناهج المدرسية للمرحلة الابتدائية مما شجعني أكثر، وجعلني أواصل الكتابة وأتخصص شيئا فشيئاً في الكتابة للأطفال رغم أنني لم أنقطع عن الكتابة للكبار، فكنت أكتب الشعر، والقصة والمتابعات الثقافية. وأشارك في أغلب الفعاليات والنشاطات الثقافية، وبعد تخرجي من الجامعة كنت أبحث عن عمل إضافة إلى عملي في التدريس فتم تعييني مُحرراً في دار ثقافة الأطفال. ثم تدرجت بعد ذلك وأصبحت مديراً للتحرير.

• أدب الأطفال مازال مهمشا ولم يأخذ حقه من الاهتمام، ما رأيك في هذه المقولة؟

- مصطلح أدب الأطفال كتخصص وفن أدبي يعد من المصطلحات الحديثة النشأة، وقد انتزع شرعيته واستقلاله عن أدب الكبار متأخراً، رغم أن المحاولات الأولى له تعود إلى بدايات القرن العشرين.

كما أن الجهل بأهمية هذا النوع من الأدب والخلط بين الكتابة للأطفال والكتابة عنهم، والنظرة الاستعلائية التي ينظر بها بعضهم لمن يكتبون للأطفال ويرونهم كتاباً من الدرجة الثانية، جعل أدب الأطفال مهمشاً، لم يلق الاهتمام والدعم المطلوب. لكنه اليوم أصبح مؤثراً وصارت له دراساته الخاصة وكتابه الذين تخصصوا فيه.

أدب خيالي

• الكتابة للأطفال مسؤولية تتطلب الكثير من الدقة والمعرفة للولوج إلي عالم الطفل... ما المعايير التي تحرص عليها في هذا النمط من الكتابة؟

- مقومات الكتابة الأدبية سواء كانت للكبار أو الأطفال تكاد تكون واحدة، لكن اختيار الموضوعات ورسم الشخصيات وخلق الأجواء وأسلوب التناول يختلف بعض الشيء كونه يخضع لضوابط خاصة، تراعي فيها حاجات الطفل وقدراته ومستوى نموه. أدب الأطفال يمتاز بالبساطة والسهولة وهو أدب خيالي يعتمد على الخيال غالباً الذي يعد سلاح كاتب الأطفال الناجح، كما يمتاز بالطرافة والمرح والفكاهة المحببة.

• طغت التكنولوجيا الحديثة والألعاب الإلكترونية على عقل الطفل العربي، برأيك كيف يمكن للإبداع أن يلعب دوراً في انتشاله من مخاطرها؟

- الألعاب الرقمية رغم خطورتها أصبحت حقيقة لا يمكن تجاهلها أو الاستغناء عنها بسهولة بالنسبة لأطفال اليوم، يجب علينا رسم خطط واضحة وحملات منظمة لتوعية الطفل والأسرة بمخاطر هذه الألعاب الصحية والنفسية، وتقديم البدائل القادرة على المنافسة عبر اختيار نماذج إبداعية متقدمة تشد الطفل وتجعله يقبل على مطالعة الكتاب الورقي أو الرقمي. كما يمكن للبرامج التلفزيونية المتطورة والموسيقى وأغنية الطفل ومسرح الطفل القيام بمهمة جذب الطفل إلى ميدان الأدب والثقافة والتقليل من خطورة الألعاب الألكترونية وآثارها الجانبية على مستقبل الطفل جسدياً ونفسياً، حتى على مستوى تحصيله الدراسي والمعرفي.

• ترجمت أعمالكم إلى العديد من اللغات كيف تنظر إلى كتاباتك وهى تسافر إلى لغات أخرى؟

- تزداد سعادتي وأفرح كثيرا بالتأكيد عندما تسافر أعمالي إلى جمهور أوسع، يدفعني الفضول مثل طفل لمعرفة ردود فعل الآخر المختلف عني ثقافياً وبيئياً حول ما أكتب. ترجمة أعمالي هي فرصة لأعرف أين أنا بالنسبة للتجارب العالمية في هذا الميدان.

فالمعروف أن كتب الأطفال في العالم تحظى باهتمام كبير من النقاد والباحثين، ويتم تناول محتوياتها بالدراسة والتحليل في الكثير من الورش والمؤتمرات والندوات التي يشارك فيها باحثون ونقاد متخصصون.

وقد شعرت بالفخر عندما تم اختياري ضمن ثلاثة شعراء متميزين في العالم عام 2018 حيث نشرت ثلاث من قصائدي في كتاب "عام الشاعر 2018" في الولايات المتحدة بعد ترجمتها إلى اللغة الإنكليزية.

• تناولت أعمالك العديد من الأحداث التىي تمس الواقع المؤلم الذي يعايشة الواقع العربي، هل استطاعت نصوصك التعبير عنها؟

- أدب الأطفال هو أدب وظيفي يتفاعل مع قضايا المجتمع وعلى الخصوص تلك التي تتعلق بقضايا الطفولة. كاتب الأطفال الناجح يساهم في صناعة قرارات المستقبل عبر ما يطرحه من موضوعات وطنية وما يغرسه من قيم واتجاهات في جمهوره. أعتز بنصوصي الوطنية الكثيرة التي يردّدها الأطفال في ساحات المدارس واحتفالاتهم بالمناسبات الوطنية المختلفة وفي مقدمتها قضايا الأمة المصيرية كقضية فلسطين وتحرير المدن العربية المغتصبة في الجولان ولبنان وغيرها. وحب الوطن والمدرسة وكذلك محاربة التطرف والإرهاب والجهل والفساد ونشر ثقافة المحبة والتسامح والنزاهة وقبول الآخر، والحفاظ على البيئة ومكافحة الجهل والأمراض وحب النظافة، وحقوق الطفل وغيرها من الموضوعات التي تشيع ثقافة الجمال والذوق الرفيع في المجتمع، ونالت نصوصي القبول الواسع في هذا المجال في الكثير من البلدان العربية.

سحر الكلمة

• ما الفرق بين الكتابة لطفل الأمس وطفل اليوم؟ وهل الطفل هو الطفل في كل زمان ومكان؟

- طفل اليوم لم تعد تبهره الأشياء التي كان طفل الأمس ينبهر بها، لا المخترعات العلمية ولا الاكتشافات ولا رحلات الفضاء، فكل شيء أصبح مألوفاً ومتاحاً أمامه. طفل اليوم لم يعد لديه الوقت لتأمل الطبيعة وألوان الزهور والفراشات واللعب بالطيارات والزوارق كما كنا نفعل، فماعادت هذه الأمور تعنيه كثيرا، لذا علينا أن نبتكر موضوعات أخرى قريبة من عالمه واهتمامه. أطفال اليوم يجيدون التعامل مع الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة أفضل من الكاتب نفسه، مما يتيح لهم فرصة الاطلاع على عوالم وآفاق متعددة، لذا على الكاتب الناجح أن يعرف كيف يجذب هذا النوع من القراء، فلم تعد الموضوعات والأمور الساذجة مقبولة بالنسبة لهم، فهم يبحثون عن الخيال الساحر الذي يتفوق على ما لديهم من وسائل ويجعلهم منجذبين لسحر الكلمة وإيقاعها المنسجم مع رغباتهم وميولهم واهتماماتهم. وهذه أمور يكتشفها الكاتب الموهوب بطبيعته، تساعده في ذلك الدراسات الخاصة بعلوم الطفولة المتعددة ومنها علم نفس الطفولة، وفنون التدريس والاتصال الحديثة والدراسات الاجتماعية واللغوية لتطوير أدواته في الكتابة.

أطفال اليوم توفرت لهم فرص لم تتوفر للأجيال التي سبقتهم، بفضل ثورة الاتصالات الجارفة التي عمّت العالم، وحولته ليس لقرية صغيرة حسب، بل إلى "مقهى كوني" صغير يرتاده الكبار والصغار، بدون ضوابط أو موانع. فلم يعد الأدب أو الكلمة المكتوبة هي التي تشدهم، وإنما ثقافة الصورة هي السائدة اليوم، وهذا الأمر ينطبق على الكبار كذلك.

• ماذا عن أحدث كتاباتك والفكرة التي تتناولها؟

- أحدث كتبي بعنوان "عندما تغار معزوزة"، وهو قصة تناولت شعور الغيرة عند الأطفال، المعروف أن الطفل يشعر بالإحباط والغيرة حاله حال الكبار في مواقف كثيرة منها عندما يشعر بالفشل وعدم القدرة على القيام بفعل يقوم به طفل مثله، ومعزوزة هي بطلة برنامج: "أهلاً سمسم" الذي يعرض حاليا على الفضائيات العربية.

محمد الصادق