لماذا الكتابة عن «العبيد في الخليج العربي»؟

الجواب ببساطة، بالرغم من كونهم أدوا دوراً كبيراً في اقتصاد وثقافة المنطقة، فإنه تم إقصاؤهم من الرواية التاريخية الرسمية. هكذا اختصر المؤلف الدكتور هشام العوضي إقدامه على إصدار كتاب غير مسبوق وبجرأة متناهية، عن فئة مهمشة ينظر إليها بالكثير من الارتياب عند الحديث عنهم.

Ad

لم يثن الكاتب الانتقاد الذي تعرض إليه وتسليطه الضوء على آلام تلك الفئة بل راح يبحث وينقب ويسأل أهل الرأي والاختصاص، عن الأثر الذي تركوه في بناء المجتمعات الخليجية في الفن واللغة والعادات والملابس والطعام.

تسنى لي قراءة الكتاب أثناء عطلة الأسبوع وفتح لي آفاقا من المعرفة كانت مجهولة، شعرت أن هذا النوع من الكتب سيأخذ مكانته بين أرفف المكتبات، فقد آثر الدكتور هشام العوضي أن يذهب إلى قضايا المجتمع ومكوناته والطبقات الاجتماعية والأعراق والأديان وأن يطل على التاريخ من نوافذ اجتماعية ابتعدت الغالبية من الباحثين والدارسين عن الولوج إلى عوالمها.

من وجهة نظر المؤلف يعود الفضل إلى بريطانيا بالدرجة الأولى بشن حرب على تجارة الرق، استهدفت تجارة العبيد أولا بعد أن بلغ ذروة وجوده بالجزيرة العربية.

كان الخليج تحت الانتداب الإنكليزي يعاني من تجارة العبيد وكانت بريطانيا مترددة بالإلغاء السريع والفوري للرق، كما كان من الضروري الاحتفاظ بعلاقات طيبة مع الأسر الحاكمة، إن أرادت الاستمرار بهيمنتها على المنطقة، ومع ذلك عقدت اتفاقيات مع حكام وأمراء الخليج لمنع هذه التجارة وبالأخص مع حكام الشارقة وسلطنة عمان ورأس الخيمة وأبوظبي وأم القيوين وعجمان ومنحت هذه الاتفاقيات بريطانيا الحق في مراقبة طرق الملاحة وتفتيش القوارب التي تحمل العبيد.

اعتبرت النخبة في المنطقة أن محاربة الإنكليز لتجارة العبيد كان لخدمة مصالحها الاستعمارية وتحويل الخليج إلى بحيرة «بريطانية صرفة» وهذه السياسة مردها إلى غرورها بتفوقها العنصري وانتداب نفسها لنشر الحضارة ونقلها إلى العالم المتخلف!

أسباب أخرى لها علاقة بمنع وتحريم تجارة العبيد، أولها أن الإسلام حرم هذه التجارة، ومنها أن الحكام هنا يودون نقل رسالة مختلفة عن مجتمعاتهم، إضافة إلى عنصر آخر مهم، وهو أن الدول الساعية إلى الانضمام للمنظمات الدولية عليها الالتزام بمحاربة الرق.

أول دولة خليجية ألغت الرق كانت البحرين سنة 1937 ثم الكويت وقطر سنة 1952 والسعودية سنة 1962 والإمارات 1963 وعمان 1971. رسميا انتهى الرق في الخليج لكن آثاره لم تنته علما أن الحديث عنهم يعتبر من المحظورات، ما حصل كان نوعاً من «السكوت الضمني» يهدف صناعة «ذاكرة صديقة» وغير محرجة لنسل العبيد الذين تم عتقهم.

العبيد في الخليج أسهموا في بناء المنطقة وتأمين أوضاعها الاقتصادية والتي أتاحت العيش الكريم لكل السكان. يعتقد الدكتور العوضي أنه «ليس من المعيب إلقاء الضوء على هذا التاريخ بل من الضروري إنارة تلك الفترة للتصالح معها وعدم إنكارها».

العبيد جزء من نسيج هذه المنطقة، والكثير منهم أبناء أهل هذه البلاد من الزيجات الكثيرة بين البيض والسود، فقد ظهر أن عدد النساء المجلوبات من إفريقيا ومن غيرها، أكثر من عدد الرجال ولا يجوز بالتالي اعتبار من كانت جدته شركسية أو كازاخية أو بلوشية أو جورجية، يتميز على من كانت جدته إفريقية، فكلهن صرن تزوجن رجالا أصولهم من هذه المنطقة.

الإسلام أدى دوراً في التزاوج مع العبدات وضرب على ذلك مثلاً برأس الخيمة حيث أغلبية سكانها من «العرق الهجين» الناتج عن تزاوج القبائل العربية مع الأفارقة، حتى المهن المقتصرة على ذوي البشرة السمراء، حصل فيها تغيير وتبديل إيجابي وقبول من المجتمع والانخراط فيها.

وصل عدد العبيد في الخليج إلى نحو المليون وكان لهم تأثير مباشر على عادات وتقاليد المجتمع وعلى اللغة والتناسل وطرق العمل وفي سنة 1928 وجد في الكويت ستون فتاة من أصول أرمينية!

من لا يذكر قصة «عنبر» المسؤول عن تحصيل الرسوم الجمركية من التجار في الكويت ومنحه سلطة عامة واعتدائه بالضرب على أحد التجار مما أدى إلى المطالبة بنفيه! إذاً الكتاب يستحق فعلاً القراءة.

حمزة عليان