اكتمل النصاب وانعقدت الجلسة من بعد الزوبعة الشعبية التي ما زالت آثارها واضحة على محيا الشعب سواء كان مع هذا الفريق أو ذاك، وعليه نستذكر حقيقة كانت مخبأة في صفحات الماضي القريب والقريب جداً، منذ قرابة الأسبوعين أو الثلاثة، فنقول: عادت إلينا تلك المطالبات الغريبة وفي التوقيت الأغرب كذلك، وتعالت الهتافات والصيحات وانشق الصف ما بين مؤيد ومعارض للطرح القديم/الجديد "اللي خبري خبركم"! ما الطرح المقصود؟! نعم، أسلمة القوانين في دولة الكويت، وفي هذا الشأن تفصيل مهم يجب أن نقف عنده ونروي فيه من عدة جوانب حيوية تهم الشارع.

الكويت دولة عربية مستقلة ذات سيادة يربط الحاكم والمحكوم بها "دستور" ذو طابع مدني في ظل حكم سمو أمير البلاد (حفظه الله ورعاه) ممارسا صلاحياته الدستورية من خلال وزرائه. هذا الدستور هو في الواقع دستور حد أدنى كان وما زال من المفترض أن ينقح تجاه المزيد من الحريات مع حفظ حق كل الأقليات على أرض هذا الوطن الطيب، وعليه فإن أي مطالبة بتعديل للدستور "من باب أولى" أن تكون في هذا الاتجاه الرافع لسقف الحرية.

Ad

وفي الوقت الذي نرى فيه الشارع الكويتي يصطف في وجه قضايا عدة تمس المال العام والمطالبة بمحاسبة الفاسدين والمفسدين، يخرج علينا البعض مطالبا بتنقيح الدستور لكن باتجاه مخالف لمدنية الدولة الحديثة تماما. ما الاقتراح؟! نعم هو ذاك "ما غيره" تعديل المادة 79 من الدستور الكويتي، بحيث يكون أي قانون في الدولة موائما للشريعة الإسلامية في محاولة لاختراق واضح لأصحاب مشروع الإسلام السياسي لمكتساب شعبية في كسب فئة دون الأخرى من أبناء الشعب الكويتي.

والسؤال هنا الذي يطرح نفسه: أي إسلام هنا هو المقصود من هذا كله؟ أو بالأصح أي مذهب أو مرجعية أو رأي فقهي؟! حسناً، وإن كان المواطن أو المقيم ليس مسلماً من الأصل، فما الدولة التي سيعيش عليها إن طبق هذا التعديل الدستوري؟! طيب، أي تصادم سيُخلق مع المادة (2) من الدستور والتي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي مصدر وليست المصدر الوحيد للتشريع؟! والأهم هو التوقيت، فلمَ طرح هذا الموضوع الآن وفي زحمة المشاكل التي نعيش؟!

الكويت بحاجة ماسة الآن لرفع سقف الحريات وإعادة النظر بصورة جادة لقضايا الفساد ورفع سقف الحريات الشخصية والتي تكون من أولى أولوياتها إعادة النظر بقانون الجرائم الإلكترونية والنية الصادقة بتعديله وتنقيحه ومعالجة الاحتقان السياسي من خلال إقرار العفو عن أصحاب قضايا الرأي، ففرض سلطة كهنوتية الآن ستزيد الطين بلة و"لا طبنا ولا غدا الشر" من بعدها.

على الهامش:

من يدخل سوق النخاسة فهو راضٍ بالعبودية، وبئس منصباً تكون فيه راضيا عن خراب وتدليس وظلم واستبداد وأحادية في الرأي.

هامش أخير:

ما كنا بحاجة لمراجعة موقف كل نائب في مجلس الأمة على حدة، والتأكد من موقفه إزاء مقاطعة جلسة القسم وانتظار صدور كشف الحضور والغياب لو كان لدينا نظام ديمقراطي برلماني حقيقي يعمل بنظام أحزاب معلنة واضحة المعالم والرؤى وذات أهداف وأجندات معلنة.

د. سلطان ماجد السالم