بدأ الوجود الأوروبي يتوسع على الساحة الأمنية الآسيوية، وقد اتّضح ذلك في المقام الأول عبر تكثيف انتشار القوات البحرية الأوروبية في المنطقة، ومن المنتظر أن تصل سفن أوروبية أخرى إلى آسيا، مما يعكس الروابط المتزايدة بين آسيا وأوروبا، ويثبت هذا الوضع أيضاً توسّع المخاوف الأوروبية من الصين في السنوات القليلة الماضية.

دائماً رحّبت طوكيو بالالتزام الأوروبي بأمن آسيا، وفي ظل تدهور البيئة الأمنية المحيطة بالبلد، تحتاج اليابان إلى شركاء إضافيين يتقاسمون معها القيم والمصالح الأساسية دعماً لمبادئ دولية مثل حرية الملاحة، وحل الصراعات سلمياً، والتصدي للمزاعم الخاطئة، ومنع تغيير الوضع القائم بالإكراه، ومن خلال طرح رؤية واضحة عن إنشاء نسخة حرّة ومنفتحة من منطقة المحيطين الهندي والهادئ، نجحت طوكيو في التواصل مع أوروبا وعمّقت تعاونها مع أستراليا والهند ودول إقليمية أخرى.

Ad

تستطيع أوروبا من جهتها أن تؤدي دورَين أساسيَين:

أولاً، ستكون مشاركة أوروبا في النشاطات الأميركية في هذه المنطقة بالغة الأهمية، وتحديداً في سياق التحالف الياباني الأميركي والتعاون القائم بين اليابان والولايات المتحدة وأستراليا، يتماشى حضور حاملات الطائرات البريطانية مع الوحدات الأميركية إلى آسيا وحصول تدريبات يابانية فرنسية أميركية مع هذا الالتزام المشترك.

لكن لطالما كانت توقعات واشنطن من أوروبا على المستوى العسكري في آسيا غامضة، فقد قدّمت الولايات المتحدة المساعدة في عمليات الانتشار العسكري البريطانية والفرنسية، لكن تسود شكوك في واشنطن حول الدور العسكري الأوروبي في آسيا، وفي هذا السياق، يقول المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأميركية، إلبريدج كولبي: «من الأفضل أن تستغل أوروبا نقاط قوتها في المنطقة الأوروبية الأطلسية بدل أن تحاول سدىً فرض قوتها العسكرية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ»، ويجب أن تتوصل إدارة بايدن من جهتها إلى فكرة واضحة حول الدور العسكري الذي تتوقعه من أوروبا في آسيا.

ثانياً، قد لا يؤثر الانتشار البحري الأوروبي على التوازن العسكري في المنطقة، لكنه قادر على توجيه رسالة استراتيجية قوية إلى بكين وتبدو أوروبا أكثر استعداداً اليوم لاتخاذ هذه الخطوة، فلا تريد بكين أن تتركز دول إضافية على أعتاب المنطقة وتتورط في شؤون آسيا، لا سيما في بحر الصين الجنوبي.

لكن ستواجه طوكيو ثلاثة تحديات كبرى قبل أن تستفيد بالكامل من الالتزام العسكري الأوروبي في آسيا:

أولاً، لا تطبّق اليابان على ما يبدو أي استراتيجية متماسكة في مجال التعاون الأمني والدفاعي مع أوروبا، ولم تتضح بعد الأهداف التي تريد طوكيو تحقيقها على المدى القصير والمتوسط والبعيد ولا الموارد التي تستطيع تأمينها للتعاون مع أوروبا، وبسبب غياب هذا النوع من الاستراتيجيات الواضحة، تميل طوكيو إلى اتخاذ خطوات تفاعلية، فتتجاوب مع الاقتراحات البريطانية أو الفرنسية بدل أن تأخذ مبادرات خاصة بها، حتى أن مواقفها تجعل البريطانيين والفرنسيين يتساءلون عما تريد اليابان فعله.

ثانياً، لا تزال وجهة السياسة الأمنية والدفاعية في اليابان غير واضحة أيضاً، فقد عبّر رئيس الوزراء الياباني، شوقا يوشيهيدي، عن التزامه بتقوية التحالف مع الولايات المتحدة، لكن لا يزال موقفه من العلاقات الأمنية الأخرى، بما في ذلك روابط بلده مع أوروبا، غير معروف بالكامل. يؤثر غياب القيادة السياسية القوية في هذا المجال على حجم وطبيعة التدريبات المشتركة مع أوروبا.

ثالثاً، يجب ألا تكون طوكيو الجهة التي تطالب بتعزيز الالتزام الأوروبي في آسيا، إذ يتعلق عامل مؤثر آخر بالتزامات اليابان في مناطق تملك فيها أوروبا مصالح أكثر أهمية، منها مساحات داخل أوروبا أو مناطق مجاورة لها مثل إفريقيا وغرب البلقان. باختصار، ستكون مساعدة الآخرين أضمن طريقة لتلقي المساعدة عند الحاجة.

دبلومات