يتوجب على برلمان العراق طبقاً للدستور حلّ نفسه قبل شهرين من موعد الانتخابات المبكرة المقررة في الخريف، لكن الأحزاب قلقة لأنها تجرب للمرة الأولى اقتراعاً يسبق موعده بستة أشهر، وهي قلقة أكثر من أن يختفي البرلمان ثم يحدث طارئ، في بلد يزخر بالأحداث المباغتة وتكون النتيجة بقاء حكومة مصطفى الكاظمي مدة غير معلومة دونما تقييد من سلطة الرقابة والتشريع.

ويوصف الكاظمي بأنه أضعف رئيس وزراء منذ سقوط الدكتاتور صدام حسين، لأنه غير مدعوم من حزب وجاء في لحظة طوارئ؛ بعد أن فرضت حركة «تشرين» الشعبية استقالة الحكومة في ربيع 2020، لكن طريقته الصبورة في إدارة الملفات وخبرته في العلاقات والوساطات مع معظم الأطراف، مكنتاه من إثارة قلق الهياكل السياسية التقليدية، التي ترى فيه طموحات يصعب التكهن بمآلاتها.

Ad

ويفترض إجراء الانتخابات في العاشر من أكتوبر المقبل، وينبغي حل البرلمان قبل شهرين من ذلك التاريخ، لكن 160 نائباً هم نحو نصف البرلمان، طلبوا أن يكون حل البرلمان حصراً قبل يوم واحد من موعد الانتخابات، خشية الفراغ المحتمل مع حصول طارئ.

ويحظى الكاظمي بدعم من الاتجاهات المعتدلة في السياسة العراقية، لكنه ينتمي إلى جيل أكثر شباباً خارج الآيديولوجيات التي صاغت معظم العقيدة السياسية عند معارضي صدام حسين القوميين والإسلاميين على حد سواء، كما أن فريق الكاظمي حظي بفرصة تنسيق دولي في مجال المعلومات المالية والأمنية أتاحت له بعض الاختراقات غير المسبوقة في التحقيق بملفات فساد كبيرة، أو إجراء تغييرات في مناصب الأمن العليا الحليفة لإيران، والتي لم يجرؤ سابقوه على المساس بها، مما جعله في عين العاصفة مع الفصائل المسلحة.

لكن الأحزاب التقليدية ليست وحدها من تقلق بشأن طموحات الكاظمي، رغم أنه يردد دوماً بأنه جاء ليقود مرحلة انتقالية، فهناك حراك «تشرين» الاحتجاجي الذي انبثقت عنه كيانات تحاول المنافسة في الاقتراع المقبل، ولم تتمكن من إقامة علاقة مستقرة مع فريق الكاظمي، لأن مطالبها ذات سقف عالٍ بينما يتمسك رئيس الحكومة بمناورات محسوبة وبطيئة بأمل أن يكون لها أثر عميق في المستقبل المنظور، رغم أنها كثيراً ما تحبط الجمهور الاحتجاجي.

واعترفت أحزاب كبيرة بأن بوصلة الجمهور تغيرت كثيراً عن أجواء الانتخابات الأولى عام 2005 وأن على السياسة التقليدية أن تتقبل تحولات عميقة في اتجاهات الناخبين، خصوصاً إذا دخل مجلس الأمن الدولي مشرفاً أو رقيباً شاملاً على اقتراع الخريف المقبل، لمنع التلاعب الذي يحصل عادة في التصويت أو احتساب النتائج، أو إذا نجح حراك «تشرين» في تعبئة معارضي النظام على التصويت بنحو واسع، وهي حسابات تقلق كثيراً من عرابي العملية السياسية في العراق من ظهور كتلة نيابية جديدة تقلص من مستوى تمثيل الأطراف المعتادة خصوصاً الحليفة لإيران.

بغداد - محمد البصري