تم القبض على اللص الإيطالي فنشنزو بيبينو ومحاكمته العام الماضي بعد سلسلة سرقات كبرى ومتواصلة طوال عقود مضت، جعلت منه اللص الأشهر في أوروبا خلال العصر الحالي، وقد لقب بيبينو باللص الشريف أو النبيل، لأنه كان يسرق متاجر الذهب ومتاحف اللوحات الثمينة ومنازل الأغنياء، ليبيع المسروقات ويوزع المال على الفقراء، وهو بعمله هذا يكون قد اقتفى سيرة روبن هود اللص الأسطوري الذي كان يسرق الأغنياء ليوزع الغنائم على الفقراء أيضاً، أو الأميركي لويس ساكو أشهر اللصوص النبلاء في الوجدان الشعبي الأميركي.

ولعل التراث العربي يزخر باللصوص النبلاء أيضاً، الذين كانوا يسرقون الأموال والمقتنيات الثمينة من منازل مليونيرات العواصم العربية القديمة مثل بغداد ودمشق والقاهرة وغيرها، وربما كان اللصوص العرب أكثر نبلاً وشهامةً من نظرائهم الغربيين، فقد كانت قوانينهم تمنع سرقة الفقراء والأيتام والنساء والجيران، ومن يسرق هؤلاء يعامل معاملة الحثالات الذين لا يُجالسون أو يُصاحبون أو يُذكرون بخير، فحين قبض على ابن الخياطة أشهر لصوص بغداد أيام العباسيين بكاه فقراء وأيتام ونساء الحي بعد أن فقدوا معيلهم المتطوع.

Ad

ويروى أن أحمد بن حنبل كان يدعو لأحد اللصوص بالرحمة، ولما سأله ابنه عن سر دعائه قال: "كنت في سجن بغداد أتألم من شدة الجلد بالسياط فجرّني أحد المساجين من ثوبي، وقال يا ابن حنبل أنا لص، جلدوني ثمانية آلاف سوط فلم ينقص صبري شيئاً وقد تحملتها في سبيل الشيطان، وأنت لا تصبر على السياط وهي في رضا الله، ومن يومها لم أتألم أو أجزع حتى خرجت من السجن".

وقد يكون من الظلم المساواة بين كل الأغنياء اعتماداً على قاعدة "ما جاع فقير إلا بما منع غني"، فبعضهم ذوو كرم وسخاء وعطاء لا تشملهم المقولة وإن كانوا قلة، إلا أن تداعيات الصراع الطبقي عبر الأزمان أوجدت فرزاً اجتماعياً جعل من كل الأغنياء رأسماليين في نظر الفقراء، يستمدون قوتهم من المال فقط، وكل اللصوص اشتراكيون في نظر الأغنياء يؤمنون بإعادة توزيع الثروات فقط.

وربما بالإمكان ردم الجزء الأكبر من هذه الهوة الطبقية لو حاول (بعض) المحسوبين على الطرفين الارتقاء بالسلوك وقواعد النشاط، فأضاف التاجر الى اهتماماته شيئاً من الرحمة والعطف والتودد الى الفقراء باعتبار أن جانباً كبيراً من النجاحات التجارية تأتي كتوفيق من الله وبركة في الرزق، وإن فسرها التاجر جهلاً وخطأً بالظروف المناسبة واستغلال الفرص وتوفر عوامل النجاح، كما لو أضاف الفقير إلى اهتماماته شيئاً من الهمة والبحث عن الفرص باعتبار أن من يستعين بالله ثم يبحث عن الرزق الحلال بلا منة من أحد أو استجداء أحد فلن يرجع خائباً، لما ارتبطت حاجة الفقراء بالأغنياء أبداً.

وكنت قبل فترة في أحد دواوين (الطيبين) فتشعب الحديث عن الأخلاق، وحدثتهم عن حكاية اللص الأسترالي النبيل الذي سرق هاتفاً نقالاً، فوجد فيه صوراً تدل على أن صاحبه من المتحرشين جنسياً، فما كان منه إلا أن سلّم نفسه للشرطة ليتسبب بالقبض على صاحب النقال، وهنا تمنى أحد الحضور الذين يعانون من مديونية متعسرة وينادون باستماتة لإسقاط القروض، أن يقوم هاكر نبيل باختراق الحسابات البنكية، فيسدد قروض المواطنين ليقال عنه (خوش ولد) ويتخلص المقترضون من كارثة القروض التي دمرت الكثير من الأسر.

صالح غزال العنزي