بغضّ النظر عمّا وصلت إليه الحالة المالية للدولة والسبب والمسبِّب، والحديث ذي الشجون المعروفة نهايته قبل أن يبدأ، إذا كنت ترى الكويت مجرد واحة أو بنك أو لجنة مناقصات وتفكر بمغادرتها، فالمشكلة بك، وما طاح من نجوم خف للسما، أما إذا كنت تراها كوطن وارتباط وهوية وذكريات وتاريخ وحياة كاملة، فعندها سيكون الموضوع مختلفاً تماماً.

التفكير بالهجرة أمر طبيعي في كل مكان وزمان، وأينما تجد الفرصة والراحة والاستقرار، فهذا هو وطنك، ناهيك بأن الكويت بلد نشأ أصلاً على أكتاف الهجرات المتوالية، وتجارها جابوا العالم في ذاك الزمان وأقاموا لأعوام طوال في الهند واليمن والشام وغيرها، كأغلب أبناء الشعوب الحية الذين هاجروا للعمل ولتحسين أوضاعهم وتحقيق طموحاتهم وتغيير أحوالهم وأحوال العالم حولهم، ولكم فيما يفعله اللبنانيون والشوام عموماً في أميركا الجنوبية أسوة حسنة، لذا لا داعي للقول بأنه يحقّ لكل إنسان أن يهاجر وقتما شاء طالما وجد حياة جديدة تناسبه، وفي الأرض دائماً منأى للكريم.

Ad

لكنّ المزعج هو استسهال الترويج لربط قرار "المغادرة" أو حالة الهروب الجماعي المتخيل بموعد إفلاس الدولة -لا سمح الله- وكأنّ بلادنا مجرد جهاز سحب آلي إذا ما تعطّل بحثنا عن غيره، ويأتي هذا الكلام بالتوازي مع تبسيط واستسهال للأمر، وكأنّ بلاد العالم تفتح ذراعيها في زمن النانوتكنولوجي، وتنتظر كفاءاتنا العلمية وخبراتنا العملية في الشؤون الإدارية ومراقبة الأقسام ولصق الطوابع، ولا كأنّ هناك في بلاد الغرب حياة حقيقية وكفاحاً جاداً وراء لقمة العيش دبّجت لأجله النظريات والمذاهب الاقتصادية، ولا يستطيع تحمّله بسهولة من اعتاد انتظار الراتب نظير بصمته المشرفة.

أن ترى وطنك مجرد خزنة أموال تصرف عليك وعلى مستلزماتك الحياتية والكمالية حتى تنضب، يمكنه أن يفسر لنا تشنّج البعض الدائم وخصوماته المستمرة، وبأنه ليس إلّا مجرد تنافس بين لصوص وأرزقية أكثر من كونه صراعاً بين خير وشر أو حرامية وشرفاء، حيث الوطن -أي وطن- يفترض أن يكون أكبر وأعمق من ذلك في العقل والقلب والوجدان، ولربما كان لبعض الأغاني تأثير أكثر من اللازم في تشويه مفهوم الوطن والمواطنة لدى البعض، هذي ديرتنا وفيها اللّي نبي، نعم نحبك لأنّ فيك النعم، لكن ماذا إن لم يكن فيها النعم واللي نبي؟ هل سنغادرها ونترك الباب مفتوحاً؟! وماذا عمّن لا يعرف غير الكويت من قبل ظهور النفط؟! وماذا نقول بعد ذلك لشهداء معارك الصريف والجهراء والغزو العراقي الغاشم؟! خلصت الفلوس و"بنسري فمان الله"!

فهد البسام