الحديث عن تعديل قوانين الإعلام لمزيد من الحريات، نيابياً وحكومياً، لم يخرج عن إطار العناوين العامة الصالحة للاستخدام السياسي، وتبقى التفاصيل طي الكتمان، لما قد يترتب عليها من ردود فعل شعبية قد تنسف ملفاً استُخدِم كثيراً في الصراعات السياسية والحملات الانتخابية.

ينظم الإعلامَ الكويتيَّ ثلاثةُ قوانين هي المطبوعات والنشر، والمرئي والمسموع، والإعلام الإلكتروني، وتعنى هذه القوانين، بشكل مباشر، بتنظيم مهنة الإعلام أياً كان موقعه، أما استخدام الأفراد لوسائل الإعلام الإلكترونية، كمواقع التواصل الاجتماعي والمدونات، فمسؤولية رقابتها تقع تحت طائلة قوانين الجرائم الإلكترونية وهيئة الاتصالات والجزاء.

Ad

ورغم اختلاف آليات التنظيم والعمل بين المؤسسات الإعلامية والأفراد، فإن الجميع يقع تحت طائلة العقوبات المنصوص عليها في قانون المطبوعات والنشر، كما أن القوانين السابقة فتحت نافذة لتطبيق الجزاءات الأشد الواردة في أي قانون آخر، وهو المسار الذي فرغ عقوبات الإعلام من هدف تحديدها بالغرامات المالية إلى أحكام الحبس الواردة في قانون الجزاء أو أي قانون آخر.

وقبل الولوج في تفصيل القوانين المعنية بالإعلام– كمؤسسات– من الضروري وضع هدف رئيسي تنطلق منه التعديلات، وهو ما يفتح باب الأسئلة للفريق الحكومي المعني بمتابعة هذا الملف وأعضاء مجلس الأمة المطالبين برفع سقف الحريات وإلغاء عقوبات السجن من قوانين الإعلام، فهل هناك اتفاق على إلغاء عقوبة السجن في جرائم الإساءة للذات الإلهية والأنبياء والرسل وزوجاتهم والصحابة وآل البيت؟ فقوانين الإعلام تنص صراحة على عقوبة الحبس في تلك الجريمة تصل إلى سنة، وهي الجريمة الوحيدة في قوانين الإعلام التي حُدِّد جزاؤها بعقوبة السجن.

كما أن قوانين الإعلام لم تنص على عقوبة سالبة للحرية في جريمة التعرض لشخص الأمير بالنقد أو نسب قول له دون إذن، فتلك الجريمة عقوبتها غرامة مالية لا تقل عن خمسة آلاف دينار ولا تزيد على عشرين ألفاً، إلا أن النافذة المتاحة فتحت الطريق للنيابة العامة أو الشاكي للبحث عن عقوبات أشد في قوانين أخرى، وتحديداً قانون أمن الدولة الداخلي الذي تصل فيه عقوبة الحبس إلى خمس سنوات في ذات التهم.

علماً بأن تلك النافذة أيضاً، ما لم ينص قانون على عقوبة أشد، أسقطت أيضاً عقوبات الحبس الواردة في قانون أمن الدولة على قوانين الإعلام التي حددت عقوبة «الإضرار بالعلاقات بين الكويت وغيرها من الدول العربية أو الصديقة... إلخ» بغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف دينار ولا تزيد على عشرين ألفاً، لتتحول إلى الحبس المؤقت الذي لا تقل مدته عن ثلاث سنوات.

يتبين مما سبق، أن المعضلة الحقيقية في قوانين الإعلام القائمة تكمن في المواد التي تتيح للنيابة العامة وتجبر القاضي على البحث عن العقوبات الأشد في المنظومة التشريعية، فهي ترد في المادة 27 من «المطبوعات والنشر»، والمادتين 12 و13 من «المرئي والمسموع»، والمادة 16 في قانون «تقنية المعلومات والجرائم الإلكترونية». وإلغاء تلك المواد، دون تغيير أي بنود أخرى، من شأنه رفع سقف الحريات مع وجود غرامات مالية رادعة لا عقوبات سالبة للحرية، ويضع حداً فاصلاً بين القوانين المعنية بإبداء الرأي وحق التعبير، والتي وضعت بمفهوم يختلف تماماً عما ورد في قانون الجزاء.

أما قانون «هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات»، فلم يتم التطرق إليه حكومياً أو نيابياً رغم كم عقوبات السجن الواردة فيه، وهي تنطبق على المؤسسات الإعلامية والأفراد، فعلى سبيل المثال، تنص المادة 70 من القانون على «كل من أساء عمداً استعمال وسائل الاتصالات الهاتفية يعاقب بالحبس مدة سنة...»، وفي جريمة أخرى «... كل من نقل خبراً بقصد إثارة الفزع يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين...»، وأيضاً «كل من تعمد الإساءة والتشهير بالغير... يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين»، وما سبق غيض من فيض لم يتم التطرق إليه ومناقشته.

وآخر القوانين المقيدة للحريات، مرسوم قانون حماية الوحدة الوطنية، الذي ينص في مادته الثانية على عقوبة الحبس مدة لا تزيد على سبع سنوات لكل منْ ارتكب الجرائم الواردة فيه سواء داخل الكويت أو خارجها، بل ويفتح القانون نافذة أخرى على التشريعات التي تنص على عقوبات أشد في مادته الثانية! وهذا القانون تحديداً لم يُفتَح للنقاش رغم خطورة صياغته الفضفاضة، فما بين الحض على كراهية أو ازدراء فئة من فئات المجتمع أو إثارة الفتن الطائفية أو القبلية، وما بين البحث العلمي ودراسة المجتمع خيط رفيع في الصياغة ومساحة شاسعة من الفكرة والهدف، وغالباً ما يتم الخلط بينهما.

كل ما سبق من قوانين خلقت شبكة تشريعية متداخلة قيّدت عمل الصحافة والإعلام على مستوى المؤسسات والأفراد، وأي محاولة لإدخال تعديلات بشكل فردي دون النظر إلى التشريعات كمنظومة مترابطة لن يغير من واقع الحريات الإعلامية، بل إن تصحيح الفوضى بأخرى لن يزيد الأمور إلا تعقيداً.

من يجرؤ؟!

في نتيجة منطقية لتلك الخريطة المتشابكة من قوانين الإعلام التقليدي والإلكتروني، وما احتوته من مواد تقيد حريات الرأي والعمل، تحجمت الصحافة الكويتية وتراجعت مستويات التعبير عن الرأي، ولا شك أن هذا كله يمكن قراءة دلالته في المؤشرات الصادرة من المنظمات الدولية المعنية بالصحافة والحريات.

والسؤال الآن: من يجرؤ من السلطتين التنفيذية والتشريعية على الحديث بصراحة عن التعديلات المطلوبة التي تتوافق مع العناوين المطروحة على الساحة السياسية قبل الانتخابية؟ من يملك الجرأة لتقديم تعديلات تلغي المواد التي تتيح البحث عن العقوبات الأشد في القوانين الأخرى؟!

بشار الصايغ