تواجه جورجيا أزمة سياسية مجدداً، ففي 23 فبراير، اقتحمت الشرطة مكاتب "الحركة الوطنية المتحدة" المعارِضة لاعتقال زعيم الحزب، نيكا ميليا، على خلفية مجموعة من التُهَم المُسيّسة كما يقول فريقه، حيث اعتُقِل ميليا بعد وقت قصير على تولي رئيس الدفاع الجورجي السابق إيراكلي غاريبا شفيلي منصب رئيس الحكومة، وبعد اندلاع الاحتجاجات بسبب ذلك الاعتقال، أصدر غاريبا شفيلي بياناً ذكر فيه أن "جميع قوى المعارضة المنطقية تدخل إلى البرلمان كي نتمكن من استعمال السلطة التشريعية المحلية كمنصة رئيسة للنقاش".

يُعتبر اعتقال ميليا أحدث تطور ضمن سلسلة خلافات سياسية أخرى تشهدها تبليسي غداة الانتخابات البرلمانية في الخريف الماضي، فقد اعتبر المراقبون الدوليون تلك الانتخابات شائبة لكنها تبقى شرعية في نهاية المطاف، حيث احتجّ عدد كبير من الحركات المعارِضة، بما في ذلك "الحركة الوطنية المتحدة"، على تلك النتائج باعتبارها مزوّرة، ورفض المعارضون استلام مقاعدهم في البرلمان رغم إصرار "الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا" على مشاركتهم في برلمان جورجيا.

Ad

جاء اعتقال نيكا ميليا ليؤجج التوتر في بيئة سياسية مضطربة أصلاً، لكن لا يُعتبر هذا الحدث بحد ذاته تحولاً جذرياً في الوضع السياسي المحلي، ويشكّل هذا الاعتقال ومقاطعة أحزاب المعارضة للبرلمان بعد خسارتها في الانتخابات جزءاً من سياق ديمقراطي عام تَرسّخ في جورجيا منذ سنوات.

أصبحت الخطوات التي تستطيع الولايات المتحدة اتخاذها واضحة اليوم، فكان قرار الحكومة باعتقال ميليا منطقياً ومبرراً بدرجة معينة، كذلك، أضعف الغرب موقعه حين امتنع عن الاعتراف بالأعمال الإجرامية المحيطة ببعض الأسماء في "الحركة الوطنية المتحدة"، لذلك يجب ألا يُركّز الطرفان في جورجيا، ولا القوى الغربية مثل الولايات المتحدة، على إثبات صحة مواقفها، بل من الأفضل أن يعمل جميع الفرقاء على إيجاد طرق فاعلة لمنع تصعيد الوضع.

أصبحت الحرية والديمقراطية في جورجيا على المحك اليوم، ويبدو أن البلد مضطر للاختيار بين القيم الديمقراطية وحُكم القانون من جهة، والاستبداد وانعدام الحرية من جهة أخرى، وبسبب حملات الاضطهاد السياسي الحاصلة والهجوم على وسائل الإعلام المستقلة وتراجع هامش الديمقراطية، ستصبح عضوية جورجيا في المؤسسات الأوروبية الأطلسية مُهددة، ولا مفر من أن تتأثر مصالح سكان جورجيا ومستقبلهم بهذا الوضع.

جورجيا لا تخضع لحُكم رئيس البلاد أو رئيس الوزراء، بل يحكمها رئيس "حزب الحلم الجورجي"، بيدزينا إيفانيشفيلي، وهو رجل أعمال ملياردير يقيم في مُجمع ضخم فوق تبليسي، وقد تزامن النجاح الانتخابي لهذا الحزب في السنوات الأخيرة مع حملة قمع مكثفة ضد المعارضين، ثم أصبح نيكا ميليا أول اسم مستهدف بعدما قاد احتجاجات "ليلة غافريلوف" في عام 2019 للاعتراض على زيارة النائب الروسي سيرغي غافريلوف الذي تلقى دعوة للتكلم في برلمان جورجيا، واعترض عدد كبير من السكان المحليين على تلك الزيارة لأنهم لم ينسوا بعد الحرب التي اندلعت بين روسيا وجورجيا في عام 2008، لكن لطالما تمنى "حزب الحلم الجورجي" توثيق العلاقات بين البلدين على اعتبار أن هذه الخطوة تصبّ في مصلحة جورجيا، وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن بيدزينا إيفانيشفيلي جمع ثروته في روسيا.

تشتق تحركات يوم الثلاثاء الماضي من تلك الليلة في يونيو 2019، حيث اتّهم "حزب الحلم الجورجي" ميليا مراراً بإطلاق "انقلاب" حقيقي وقد اعتُبِر مذنباً ووُضِع تحت الإقامة الجبرية، وفي عام 2020، نزع ميليا سوار الاعتقال وشارك في قيادة الاحتجاجات ضد ارتكابات "حزب الحلم الجورجي" المزعومة حول سرقة الانتخابات البرلمانية الجديدة. عُيّن ميليا رئيساً لحزب "الحركة الوطنية المتحدة" المعارِض وأثبت قوة قيادته، ويتابع "حزب الحلم الجورجي" اضطهاده حتى الآن، حيث بدأ هذا الحزب يتحول إلى كابوس استبدادي حقيقي، ومن الواضح أن إدارة بايدن ستوجّه انتقادات أكثر حدّة من إدارة ترامب للوضع القائم في جورجيا.

دوغ كلاين وشيلبي ماجد - المجلس الأطلسي