جرت العادة في أفلام السينما أن يرسل البطل الأشقر ذو العينين الزرقاوين رسالة في قنينة (أو باللهجة الكويتية، بُطل) تتلاطمها الأمواج وتتلقفها الشقراء الأخرى بعد مرور ردح من الزمن لتعلم أن البطل قد كتب فحواها للزمن شارحا حاله وحال مجتمع كان يعيش فيه ليوثق مآسي كانوا يمرون بها جميعا. تتحسر البطلة على حال المجتمع ذاك وظروف البطل وتتشعب حبكة الفيلم لينتهي بقصة حب عبر الأطلال وخيوط الزمن، فلا البطل يتزوج البطلة ولا البطلة تستطيع أن تتغلب على مشاعرها تجاه الخيال الذي رسمته ولا يوضع المرحوم "عادل أدهم" بالسجن لينتهي الفيلم بحالة نشوى يعيشها المشاهدون.

لكن ماذا لو قرر أحدنا وتحديدا ونحن الآن في زمن كورونا أن يسلك مسلكا مشابهاً لأفلام هوليوود، لعل أحدنا يقرر أن يأخذ "بُطل ماي صحة" ويكتب رسالة بلغة عربية ركيكة مليئة بالأخطاء الإملائية من جراء تراكم إهمال التعليم والاهتمام بالناشئة لسنوات عدة فتكون أولى الصدمات لمن يقرأها لاحقاً، يا ترى ماذا سيكتب أو تكتب في الرسالة؟!

Ad

أتخيل أن يقرأها قارئ على هذا النحو: أنا من بلد خيراته كثيرة ومعوناته الخارجية أكثر تصل لكل زاوية وحدب وصوب على وجه الكوكب، لكن دون شوارع معبدة يستطيع الشعب أن يستخدمها بلا تهشم زجاج مركبته، أنا من بلد أدار أزمة جائحة عالمية عن طريق حزمة قرارات تخبطية لا تصلح لنا البتة، ومع ذلك وجد فيها من المطبلين أكثر من أفلام "الرقص الشرقي" ليصفقوا لحكومة ارتأت أن إغلاق الحدائق منعا للتجمعات أهم من تطبيق القانون على دواوين نواب مجلس الأمة، و"تستحسن" جماهير عريضة في جلسة افتتاح المجلس ذاته.

نحن نفسنا البلد الذي أوصد باب التعليم في وجه الأطفال وعقدهم وحرمهم من تنفس الهواء النقي، لكننا سمحنا بتوصيل الأكل، وغيرنا رأينا بآخر لحظة في ذلك أيضا! نحن بلاد الاستثناءات فكل قرار يلازمه حزمة أوراق لقوائم استثناءات من القرار ذاته فكأنك يا "بو زيد ما غزيت"، أما عن تطبيق القانون فحدثوا ولا حرج!! نصوغ القوانين لتكون أجمل حبر على أفخم ورق، ونتوقع وعيا عاليا من المجتمع دون أي توعية. خرجنا لننتخب مجلس أمة يمثلنا ويوصل صوت من لا صوت له، فردت الحكومة باستحسان جلسة لا يمكن وصفها إلا بالمسرحية الهزلية ضاربة رغبة الشعب بإيصال صوته.

شهّرت حكومتنا ببائع تمور وعميله المسكين الذي أنزل كِمامته لثوان معدودة على أمل أن يتذوق حبة "فردة" تمر، وفي الوقت نفسه غضت حكومتنا الطرف عن تجمعات ودواوين ومؤتمرات صحافية لنواب المجلس ذاته، وحين أرادت أن تحيل الجناة باسم القانون ارتأت أن تطبقه بانتقائية، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

دشنا حملة تطعيم لكن اكتشفنا أن التطعيم لم يكن يعطى لأصحاب الأولوية حقاً، فشاهدنا من يأخذه علنا دون وجه حق بوسائل التواصل الاجتماعي، وشاهدنا من يصرح باستخدام الواسطة لتلقيه، ومن بعد هذا وذاك قررنا أن نطبق حظراً على الكل، من تطعم ومن آمن بأن كورونا مؤامرة صهيونية تفعل عن طريق خدمة لا سلكية. نحن شعب التذمر على منصات التواصل الاجتماعي لأن لا حول لنا ولا قوة، حتى الرأي حرمنا منه من بعد فرض عدة قوانين مقيدة للحريات. نمر باحتقان سياسي منذ عشرة سنوات بالتمام والكمال وما زلنا نواجه أمورنا بالطريقة الكويتية المعهودة والمشهودة رافعين شعار "يصير خير والأمور طيبة" في أنصاف الحلول المقدمة المسلوقة في كل شيء.

يا من تقرأ رسالتي في "بُطل" المياه المعدنية اعلم علم اليقين أننا مازلنا نتسلم رفات شهداء طهروا الأرض بدمائهم الزكية من جارنا الغازي المعتدي، وفي الوقت نفسه حكومتنا تعلن تواريخ وفاتهم بعد الحرب دون تبرير، فهل كانت تمتلك عنهم معلومات أم ماذا؟!

أتانا فيروس كورونا وتخلصت منه الأمم قاطبة لكننا مازلنا نتخبط، في الواقع فيروس كورونا لم يقدم جديداً فقد كنا نعلم أن منظومتنا هشة فكل ما فعله الفيروس هو أنه عرانا أكثر وأكثر، وكشف المستور و"المستخبي".

أخيراً وليس آخراً، نعم نحن ذاتنا البلاد التي استحدثت وزارات ودمجت حقائب وزارية لا علاقة لها ببعض، فالتعليم والنفط والشؤون والكهرباء الآن أصبحت كوكتيل سمك، لبن وتمر هندي أو "صبار" كما يحلو لنا تسميته بعد تناوله على وجباتنا الدسمة الكولسيترولية لننسى طعم الحياة التي نعيش في ظل هذه الأزمة العالمية.

لعل من يقرأ رسالتي هذه قد سمع عنا، نعم، نحن هنا ولا ندري ما مآلنا.

على الهامش:

الهرم الأكاديمي في دولة الكويت كما يحلو لي تسميته (التعليم العالي، البحث العلمي، التدريب الموجه) بحاجة إلى إعادة نظر جادة من أعلى نقطة في قمة الهرم إلى القاع.

هامش أخير:

الخامس من مارس، ذكرى وفاة المناضل الكويتي الذي أحبه الشعب مواطناً ونائباً ووزيراً المرحوم د. أحمد الربعي، لو كنت بيننا يا أبا قتيبة ما كانت الحال لتعجبك أبداً.

د. سلطان ماجد السالم