في محاولة لتفويت الفرصة على التيار الإيراني المتشدد لاستغلال الخطوة بتصعيد دعائي، ومن أجل إفساح المجال أمام استمرار مسار التفاوض الرامي إلى جمع طهران وواشنطن على طاولة واحدة لبحث إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015، تمهّلت الدول الأوروبية الكبرى، بريطانيا فرنسا وألمانيا، ولم تتقدّم بمشروع قرار يعتقد أن الولايات المتحدة صاغته لإدانة إيران وتوبيخها إلى اجتماع مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية أمس.

وبعد وقت قصير من التريث الأوروبي والتراجع عن طرح المشروع الذي كان من المفترض عرضه على التصويت اليوم، أبلغت الولايات المتحدة مجلس حكام الوكالة الدولية، أمس، بأن الجمهورية الإسلامية حصلت على فرصة لمعالجة مخاوف الوكالة التابعة للأمم المتحدة بشأن جزيئات يورانيوم عُثر عليها في مواقع قديمة غير معلنة، وأن واشنطن ستترقب عن كثب أي رد بنّاء يتيح حدوث تقدم جوهري.

Ad

وذكر بيان أميركي أن «إيران حصلت الآن على فرصة أخرى من المدير العام للوكالة رافائيل غروسي لإبداء التعاون اللازم قبل الاجتماع المقبل للمجلس الدولي».

وأضاف أن «الولايات المتحدة ستعمل، مثلها مثل جميع أعضاء المجلس، على تقييم وجهات نظرنا بشأن الخطوات التالية للمجلس وفقاً لما إذا كانت إيران ستنتهز الفرصة السانحة أمامها لمعالجة مخاوف الوكالة بشكل نهائي وموثوق».

محادثات وتقييم

بدوره، أعلن غروسي أن المؤسسة ستبدأ عملية تقييم شاملة وحوار تقني خلال زيارة إلى إيران في أبريل المقبل. وقال في مؤتمر عقب انتهاء اجتماع مجلس حكام الوكالة، الذي يضم 35 دولة، إن طهران قبلت مبادرة للمشاركة في جهود محددة منتظمة لتوضيح قضايا عالقة مثل جزيئات اليورانيوم التي عثر عليها في مواقع قديمة غير معلنة. وأوضح: «أنا استهدف الحصول على فهم أوضح بكثير لهذه القضية بحلول يونيو المقبل».

وكان المدير العام للوكالة قد شدد الاثنين الماضي مع انطلاق جلسات مجلس حكام الوكالة على أن قرار إيران الأخير، الحد من وصول المفتشين ووقف العمل بالبروتوكول الإضافي في الاتفاق النووي، له تأثير خطير.

وجاء تحذير غروسي رغم توصله إلى تفاهم مؤقّت، مدة 3 أشهر، مع حكومة الرئيس الإيراني المعتدل حسن روحاني للالتفاف على قانون أقره البرلمان الخاضع لسيطرة التيار المتشدد لوقف البروتوكول الإضافي وفك الارتباط بالاتفاق النووي عبر تصعيد وتسريع تخصيب اليورانيوم.

رؤية إيرانية

وفي طهران، اعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية، سعيد خطيب زادة، أن الجهود الدبلوماسية المكثفة بطهران وفيينا وعواصم الدول الأعضاء في مجلس الحكام، خاصة موسكو وبكين، أثمرت عن إلغاء مشروع قرار «الترويكا الأوروبية».

وقال زادة إن «ما حدث اليوم من شأنها أن يحافظ على مسار الدبلوماسية ويهيئ الأرضية لإجراء كامل التعهدات من قبل جميع أطراف الاتفاق النووي». وحث أطراف الاتفاق النووي على اغتنام الفرص وتنفيذ كل بنوده.

وقبل ساعات من الخطوة الأوروبية، جدد الرئيس الإيراني اشتراط بلاده رفع العقوبات عن طهران لفتح الطريق أمام الدبلوماسية والتفاوض مع الدول الغربية، محذراً مما سماه «إضاعة الوقت» على إحياء الاتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عام 2018.

وقال للقادة الأوروبيين: «لا تتركوا علاقاتنا الودية تنهار».

وأضاف روحاني: «ما يعوق الدبلوماسية هو عقوباتكم. إزالة العقوبات تعني بدء الدبلوماسية وبدء المفاوضات»، مؤكداً أنه «لن يطرأ أي تغيير على الاتفاق النووي، ولن يضاف إليه أي شيء»، مخاطباً الغربيين بأن «عليهم ألا يخطئوا في حساباتهم».

وحملت كلمات الرئيس الإيراني رداً ضمنياً على تصريحات ويندي شيرمان، الدبلوماسية الأميركية المرشحة لمنصب نائبة وزير الخارجية، التي ذكرت، أمس الأول، أن إدارة بايدن تعتزم العودة إلى الاتفاق النووي في حال عادت طهران للوفاء بالتزاماتها، مضيفة أن واشنطن تريد استخدام الاتفاق منصة للتفاوض في مجالات أخرى تشمل أنشطة إيران في المنطقة وتسلحها الصاروخي الباليستي.

إقرار والتفاف

ويأتي الترحيب الإيراني الحذر بعد أن علمت «الجريدة»، من مصدر مطلع في مجمع تشخيص مصلحة النظام، أن المجمع يتجه إلى إقرار مشروع قانون الانضمام إلى معاهدة «FATF» لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، رغم تواصل الجدل الداخلي والخلافات بين أجنحة النظام بشأن الخطوة التي يعتقد أنصار التيار المتشدد أنها ستؤثر على تمويل الجماعات المسلحة المتحالفة مع طهران في المنطقة.

وأوضح المصدر أن موافقة المجلس وشيكة، لكنها بشروط خاصة تمنع الحكومة من الكشف عن طرق الالتفاف على العقوبات الأميركية والكشف عن أسماء الأشخاص أو الكيانات التي تقوم بذلك.

وحسب المصدر، الذي يعارض الانضمام إلى الاتفاقية الدولية التي تطالب بها الدول الأوروبية من أجل استمرار تدفق الأموال إلى الجمهورية الإسلامية، فإنّ هناك محاولات عديدة من قبل معارضي الخطوة للحيلولة دون إتمامها.

وحاول المعارضون إعادة مشروع القانون إلى البرلمان، لكن الحكومة ومكتب المرشد علي خامنئي يصرون على ضرورة إقراره في المجمع، نظراً لأن هناك أموالا إيرانية تقدّر بمليارات الدولارات من المقرر أن يتم الإفراج عنها قريباً بتفاهم مع واشنطن، وحتى المصارف الصينية تتجنب التعامل مع المصارف الإيرانية بسبب عدم العضوية بالمعاهدة. ولفت المصدر إلى أنه بعد تدخّل مكتب المرشد فإنه من المستبعد أن يعارض عدد كبير من أعضاء المجمع إقرار القانون.

وأوضح أن أحد أسباب معارضة الانضمام يرجع إلى أن الخوف من التبعات الدولية التي قد تترتب على عدم الالتزام بالمعاهدة.

وعمليا بدأت الحكومة الإيرانية عبر قرارات من المصرف المركزي تطبيق المعاهدة داخل البلاد دون الإعلان رسمياً عن أنها تطبّقها.