بعد نحو أسبوع من ضربة جوية أميركية استهدفت مواقع تابعة لكتائب "حزب الله" العراقية، وكتائب "سيد الشهداء"، قرب مدينة البوكمال شرقي سورية، رداً على اعتداءات تستهدف مصالح واشنطن ببغداد؛ تعرضت قاعدة "عين الأسد"، التي تؤوي قوات أميركية وأجنبية، لقصف بـ10 صواريخ كاتيوشا غربي العاصمة العراقية، أمس.

وصرح مصدر أمني بأن القصف، الذي يعد الثاني من نوعه على القاعدة خلال أقل من شهر، استهدف الجناح العسكري الأميركي، وتسبب بإطلاق صافرات الإنذار للدخول إلى الملاجئ، كما شوهدت أعمدة دخان تتصاعد عقبه.

Ad

وأضاف أن "الصواريخ، التي استهدفت عين الأسد، انطلقت من منطقة البيادر في ناحية البغدادي، واستخدمت سيارة لإطلاق الصواريخ باتجاه القاعدة".

ونقل عن المصدر أن "متعاقداً مدنياً أميركياً توفي بسكتة قلبية إثر الهجوم الصاروخي"، الذي جاء قبل يومين من زيارة تاريخية سيقوم بها البابا فرانسيس إلى العراق.

وذكر المتحدث باسم "التحالف الدولي" الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم "داعش"، واين ماروتو، أن 10 صواريخ استهدفت "عين الأسد"، التي تستضيف قوات التحالف، مشيراً إلى أن "القوات الأمنية العراقية تتولى التحقيقات".

ولاحقاً، استهدفت عبوة ناسفة رتل شاحنات تحمل معدات لوجستية لقوات التحالف في محافظة الديوانية، دون وقوع ضحايا.

ويُعد هذا الهجوم الـ29 من نوعه في غضون 10 أسابيع؛ حيث وقعت هجمات مماثلة تتهم واشنطن الميليشيات الموالية لإيران بتدبيرها ضد أرتال "التحالف".

ويأتي ذلك بعد تأكيد مصادر أن القوات الأميركية رفعت حالة تأهبها في العراق، السبت الماضي، خوفاً من الرد على الضربات الجوية الأميركية، التي استهدفت معابر تسيطر عليها فصائل عراقية مسلحة مرتبطة بطهران عند الحدود مع سورية.

وفي حين أحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 22 شخصا من الميليشيات في الضربة الأميركية التي استخدمت صواريخ ذكية، رجحت وزارة الدفاع الأميركية، أمس الأول، أنّ الغارة التي شنّت، الخميس الماضي، أسفرت عن سقوط قتيل وجريحين في صفوف المليشيات العراقية المدعومة من طهران.

رسائل جانبية

وتثير التطورات مخاوف من تحول العراق إلى ساحة لتصفية الحسابات وإرسال رسائل جانبية بين طهران وواشنطن، في ظل تباطؤ جهود إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، خاصة بعد اتخاذه لقرار الضربة العسكرية ضد حلفاء الجمهورية الإسلامية، ردا على الهجمات الأخيرة ومن ضمنها الهجوم الصاروخي على "عين الأسد"، منتصف فبراير الماضي، والذي أسفر عن إصابة جندي أميركي وأربعة متعاقدين مدنيين توظفهم الولايات المتحدة، ومقتل متعاقد آخر.

وغداة الضربة الحدودية، رفضت طهران دعوة أوروبية لحضور مفاوضات غير رسمية مع واشنطن بهدف إحياء الاتفاق النووي، الذي انسحب منه الرئيس السابق دونالد ترامب، وأصرت على ضرورة رفع العقوبات المفروضة عليها أولا.

وأمس الأول، قال متحدث باسم "حركة النجباء"، جماعة عراقية موالية لطهران، إن السبيل الوحيد لوقف الهجمات الصاروخية على قواعد تضم أميركيين وسفارة واشنطن بالمنطقة الخضراء "هو خروج المحتلين الأميركيين من العراق"، تنفيذا لقرار البرلمان.

و"عين الأسد" هي إحدى أكبر القواعد العسكرية العراقية، وتوجد فيها قوات التحالف الدولي، بينها 1500 جندي أميركي، هم الجزء الأكبر، إلى جانب آلاف الجنود العراقيين. وتتمتع بأهمية استرايجية كبيرة بسبب موقعها، حيث تتموضع في أعلى نقطة عن مستوى سطح البحر في البلاد.

وقصفت إيران بصواريخ بالستية في 8 يناير 2020 قاعدة عين الأسد، رداً على مقتل قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني، بضربة أميركية في بغداد قبلها بخمسة أيام، في منعطف خشي كثيرون من أن يؤدي إلى نزاع مفتوح على الأرض العراقية.

وأكدت مصادر أمنية غربية لفرانس برس أن الصواريخ، التي استهدفت القاعدة، هي من نوع "آرش" إيرانية الصنع، وهي أكبر من الصواريخ التي عادة ما تستهدف مواقع غربية في البلاد.

ولم تعلن أي جهة حتى الآن مسؤوليتها عن الهجوم، الذي يطرح علامات استفهام عن توقيته والرسالة منه.

ويقول رئيس مركز "الفكر السياسي" في العراق، احسان الشمري، إن "ضربة عين الأسد لا تنفصل عن بقية الهجمات المتشابهة". ويرى أن "هذه الهجمات هي رسالة لإعلان من طهران، للتأكيد على أنها قادرة على تحويل العراق لأرض اشتباك".

وأوضح الشمري أن "إيران اختارت التصعيد بعدما أدركت جيدا أن المفاوضات حول الملف النووي مع واشنطن لن تكون بالسرعة والتساهل الذي توقعته"، معتبرا أنها تهدف لزيادة الضغط على الإدارة الأميركية بهذا الخصوص.

وربط الشمري القصف الصاروخي الاخير بالرد على استهداف "كتائب حزب الله" و"سيد الشهداء" في سورية.

ولفت كذلك إلى "وجود رسالة داخلية مفادها أنه لا بد من إضعاف رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، لفرض معادلة تتمثل بأن الفصائل هي التي تتحكم في البلاد لا الحكومة، فضلا عن إحراجه أمام واشنطن".

وحمّل إيران وحلفاؤها مسؤولية الهجمات الأخيرة، قائلا: "طهران أنهت الهدنة، بدليل عودة الضربات المصالح والمواقع الأجنبية في العراق".

بدوره، رأى الباحث والمحلل السياسي، غانم العابد أن "الاستهداف الأخير يعني عودة الفوضى وإرباك المشهد الأمني، لإظهار حكومة الكاظمي والمؤسسة العسكرية بموقع الضعيف"، متوقعاً "تكرار الهجمات، وعودة العبوات الناسفة والاغتيالات حتى إسقاط الحكومة وتكليف رئيس وزراء مقرب من الميليشيات الإيرانية".

ويأتي هذا الهجوم قبل يومين من زيارة البابا فرانسيس التاريخية إلى العراق، مما يذكّر بالصعوبات اللوجستية، التي تحيط بها، لاسيما مع انتشار موجة ثانية من وباء كوفيد 19 ووسط تدابير إغلاق لمكافحتها.

وقال البابا، أمس، إنه ذاهب إلى العراق لأنه "لا يمكن خذل الناس مرة ثانية".

ونقل العابد عن مصادر أمنية أن "الجيش العراقي وضع خطة أمنية محكمة لمواكبة الزيارة، تترافق مع حظر للتجوال أثناء تواجده في البلاد"، مشددا على أن "المواقع التي تضرب بالعادة بعيدة عن المناطق، التي سيزورها بابا الفاتيكان".

مطالب وإدانة

في هذه الأثناء، قال رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي أن منفذي الهجوم لا ينتمون الى العراق، بينما دعا قاسم الأعرجي مستشار الأمن القومي خلال استقباله سفير فرنسا في بغداد برنو أوبير الى عدم جعل العراق ساحة.

وأضاف الأعرجي أن "على الجانب الأميركي أن يتقدم خطوة إلى الأمام ويرفع العقوبات، ليكون عامل تشجيع للجانب الإيراني، للدخول في مفاوضات".

ولاحقاً، أفاد مسؤول عسكري عراقي، دون الكشف عن هويته، بأنّ "الجيش فرض إجراءات جديدة للتفتيش والحركة بمحيط عين الأسد بنحو 10 كيلومترات"، مؤكداً "فتح تحقيق مع عدة حواجز تفتيش عسكرية حول كيفية عبور الشاحنة التي يعتقد أنها تمكنت من العبور بحمولتها من الصواريخ إلى منطقة قريبة من القاعدة، لتنفيذ الهجوم بسبب حملها صفقة رسمية قد تكون تحت غطاء الحشد الشعبي، أو بتواطؤ مع جهة أمنية".