أعلن بنك الكويت المركزي نتائج مراجعة شاملة أجراها للبيانات المالية للبنوك الكويتية لعام 2020 في إطار جهوده الرامية إلى ترسيخ دعائم الاستقرار المالي عبر تحصين القطاع المصرفي الذي يمثل عصب النظام المالي في الدولة، بحيث يظل قادراً على تزويد الاقتصاد بمختلف الخدمات والمنتجات المالية بكفاءة عالية دون انقطاع وفي ظروف عمل ضاغطة، وحرصاً على رصد التطورات الاقتصادية والمالية وتحليلها من منظور علاقة تلك التطورات بالاستقرار المالي، وسط تداعيات جائحة كورونا على الأوضاع الاقتصادية والمالية عالمياً ومحلياً.

وقال محافـــــظ "المــركزي" د. محمد الهاشل، في تصريح صحافي أمس، إن السنة الماضية شهدت أزمة عالمية غير مسبوقة، من حيث امتدادها وعمقها وتأثيرها على الجوانب الاقتصادية والمالية، علاوة على أنها أزمة صحية، إذ شكلت تدابير الإغلاق الصارمة التي طبقتها الدول صدمة اقتصادية على جانبي العرض والطلب، وأدت إلى تراجع النمو الاقتصادي ودخول الاقتصادات العالمية مرحلة ركود وارتفاع في نسب البطالة مما أجبرها على تدخل مكثف على صعيد السياسات المالية مع استئناف المصارف المركزية تطبيق سياسات نقدية تيسيرية بأقصى مداها لمواجهة تداعيات تلك الأزمة.

Ad

وأضاف، أنه كان للبنك المركزي السبق في تطبيق سياسات نقدية تيسيرية مدعومة بسياسات رقابية موجهة لتوسيع المساحة الإقراضية أمام البنوك وتعزيز قدراتها التمويلية للتصدي لتداعيات الجائحة وانعكاساتها على الوضع الاقتصادي والمصرفي، وذلك في إطار منظومة متكاملة من الإجراءات التي تشكل سياجاً من الحماية للقطاع المصرفي والمالي، ضمن المهام المنوطة بالبنك المركزي في الحفاظ على الاستقرار النقدي والاستقرار المالي.

وأفاد بأن وحدات القطاع المصرفي تمكنت بنجاح من تخطي السنة الأولى من الأزمة، ويعد ذلك ثمرة جهود بنك الكويت المركزي الحثيثة على مدار العقد الماضي، في مجال الإشراف والرقابة القائمة على نهجه الاستباقي في تعزيز أوضاع وحدات الجهاز المصرفي والمالي في البلاد ضمن منظومة رقابية موجهة إلى ترسيخ الاستقرار المالي من خلال تطبيق أدوات الرقابة الجزئية إضافة إلى أدوات التحوط الكلي التي تستهدف الحد من المخاطر النظامية والمحافظة على الاستقرار المالي.

وأوضح الهاشل، أن من أبرز المحاور التي انصبت عليها سياسات وأدوات التحوط الكلي خلال السنوات الماضية -وذلك في إطار إجراءات استباقية ونظرة مستقبلية-رفع جودة إدارة المخاطر في القطاع المصرفي، وتدعيم القواعد الرأسمالية وتكوين المخصصات الاحترازية، وتطبيق مجموعة معايير "بازل" والمعروفة بحزمة إصلاح بازل (3) التي جاءت كحزمة متكاملة تستهدف تعزيز متانة مؤشرات السلامة المالية للبنوك وتقوية أوضاعها وترسيخ مقومات المحافظة على الاستقرار المالي من خلال رفع نسبة كفاية رأس المال وتحسين جودته وقدرته على امتصاص الصدمات، مع تحديد هوامش إضافية في صورة مصدات رأسمالية مختلفة، إلى جانب ما تضمنته معايير السيولة من ضوابط لتعزيز قدرة البنوك على مواجهة ضغوط السيولة وإضفاء مزيد من الاستقرار في هياكلها التمويلية، إضافة إلى مجموعة محاور أخرى على صعيد تعزيز الحوكمة، والحد من مخاطر الانكشاف على السوق المالي والعقاري.

وأشار محافظ "المركزي" إلى أن نتائج دراسة وتحليل البيانات المالية للبنوك الكويتية للسنة المالية المنتهية في ديسمبر 2020، وبالرغم من تحديات البيئة التشغيلية، جاءت لتؤكد قوة القطاع المصرفي ومتانة مؤشرات سلامته المالية وسط الأزمة الطاحنة التي تعصف بالاقتصادات حول العالم، وهذا ما أكدته أيضاً نتائج اختبارات الضغط المالي التي أظهرت متانة القطاع المصرفي في مواجهة الصدمات وقدرته على العمل في ظروف ضاغطة وهي اختبارات أخذت بحسبانها سيناريوهات مصممة وفقاً لآلية اختبارات الضغط الجديدة التي تم تطويرها أخيراً من بنك الكويت المركزي، بما في ذلك تداعيات الجائحة وانعكاساتها بمختلف الاتجاهات المؤثرة على ملاءة وسيولة القطاع المصرفي وربحيته.

مؤشرات السلامة

واصلت البنوك الكويتية المحافظة على قوة مؤشرات السلامة المالية لديها على صعيد معايير كفاية رأس المال والسيولة، ففي نهاية ديسمبر 2020 بلغ معدل كفاية رأس المال 19.0 في المئة، وهو أعلى بكثير من متطلبات الحدود الدنيا لتعليمات بنك الكويت المركزي والبالغة 13 في المئة وأعلى من متطلبات لجنة بازل للرقابة المصرفية البالغة 10.5 في المئة.

وبالرغم من أن بنك الكويت المركزي سمح للبنوك باستخدام المصدات التحوطية، فإن البنوك استطاعت مواصلة النشاط دون استخدام هذه المصدات، استناداً إلى قوة معيار كفاية رأس المال لديها.

ويلاحظ أن نسبة كفاية رأس المال قد سجلت ارتفاعاً مقارنة بعام 2019 (18.5 في المئة) في ضوء قيام بعض البنوك بتعزيز رأسمالها الرقابي من خلال طرح إصدارات في أسواق المال الدولية بشروط تجعل هذه الأدوات مؤهلة لاحتسابها ضمن قاعدة رأس المال وفقاً لمتطلبات لجنة بازل للرقابة المصرفية وهو ما يؤكد الثقة التي تتمتع بها مصارفنا الوطنية عالمياً.

وعلى صعيد نسب السيولة، وفي ضوء ما تعكسه حزمة هذه المعايير، فإن القطاع المصرفي لا يزال يشهد وفرة في السيولة وعلى النحو الذي تظهره العديد من المؤشرات ومنها معيار تغطية السيولة، إذ بلغت نسبة هذا المعيار 184.2 في المئة مقابل حد أدنى بنسبة 100 في المئة.

كما بلغ معيار صافي التمويل المستقر نحو 115.3 في المئة وهي أعلى بدورها من متطلبات الحد الأدنى البالغة 100 في المئة، كذلك بلغت نسبة السيولة الرقابية نحو 27.5 في المئة مقابل نسبة حدها الأدنى 18 في المئة.

جودة الأصول

على الرغم من تداعيات الجائحة على الوضع الاقتصادي والمصرفي، فإن البنوك استطاعت المحافظة على مستويات عالية لجودة أصولها، مستندة إلى ما تتمتع به من مؤشرات السلامة المالية، واجتازت اختباراً غير يسير، أكد قوة القطاع المصرفي على مواجهة الصدمات، يدعم ذلك عملية البناء المستمر للمخصصات لمواجهة متطلبات شطب الديون المتعثرة، ومواصلة تكوين هذه المخصصات بما يقوي المصدات المالية للبنوك ويزيد أوضاعها متانة ويعزز قدرتها على تقديم خدماتها إلى كافة قطاعات الاقتصاد الوطني بكفاءة عالية، على نحو متوازن يراعي مصالح جميع الأطراف المعنية.

وعلى سبيل الإيضاح، بلغت المخصصات المكونة مقابل القروض والمحملة على قوائم الدخل نحو 852 مليون دينار في عام 2020، لكن الزيادة في إجمالي أرصدة المخصصات المتوافرة لدى البنوك بلغت نحو 403 ملايين دينار، إذ استخدمت البنوك الرصيد المتبقي في شطب ديون متعثرة.

وعلى صعيد نسبة القروض غير المنتظمة، التي كان يمكن أن تسجل ارتفاعاً مؤثراً بسبب حالات الإغلاق وتراجع النشاط الاقتصادي، سواء في الكويت أو دول العالم الأخرى، ومنها البلدان التي يوجد فيها وجود خارجي لمصارفنا الوطنية، فإنها ارتفعت من 1.5 في المئة في عام 2019 إلى 2.0 في المئة في عام 2020 بواقع 0.5 في المئة فحسب، ولا شك أنها ارتفاعات طفيفة بمقياس قوة أزمة غير مسبوقة بانعكاساتها وتداعياتها.

بالتالي، فإن هذه النسبة لاتزال عند مستويات متدنية تاريخياً وتعطي المزيد من الثقة في قوة قطاعنا المصرفي وقدرته على مواصلة الانطلاق.

وبذات الاتجاه فإن نسبة التغطية للقروض غير المنتظمة (المخصصات المتوافرة إلى القروض غير المنتظمة) قد تراجعت من 271 في المئة إلى 222 في المئة، وجاء هذا التراجع أساساً نتيجة استخدام المخصصات في الغرض الذي كونت من أجله، ومع ذلك فإن هذه النسبة لاتزال قوية وتعزز جودة هذه الأصول، وتشكل مصدات إضافية متينة لمواجهة أي تعثر محتمل في المديونيات في حال استمرار الجائحة.

الائتمان المصرفي يواصل النمو بمعدلات إيجابية

انعكست الإجراءات التي اتخذها بنك الكويت المركزي على صعيد السياسات النقدية التيسيرية والسياسات الرقابية الموجهة بدورها لتعزيز نمو الائتمان المصرفي وتنشيط الحركة الاقتصادية في مواجهة تداعيات جائحة كورونا، في مواصلة نمو التسهيلات الائتمانية بمعدلات إيجابية على الرغم من فترات الإغلاق للأسواق خلال العام.

ففي نهاية شهر ديسمبر 2020 بلغ رصيد صافي التسهيلات الائتمانية على المستوى المجمع نحو 51.8 مليار دينارمسجلاً بذلك زيادة قدرها 2.1 مليار دينار عن ديسمبر 2019 وبنسبة نمو 4.3 في المئة.

ويلاحظ أن هذا النمو في التسهيلات الائتمانية بدا واضحاً منذ مارس 2020 وهو الشهر الذي شهد قرارات بنك الكويت المركزي تخفيض سعر الخصم إلى 1.5 في المئة وهو المستوى الأدنى تاريخياً.

ربحية جيدة

كما هو الحال بالنسبة لمعظم اقتصادات دول العالم الأخرى، ألقت الجائحة بتداعياتها على البيئة التشغيلية للقطاع المصرفي في الكويت، الأمر الذي واجهت معه البنوك تحديات على صعيد الربحية ترتب عليها تراجع في صافي أرباحها من 964 مليون دينار في عام 2019 إلى 495 مليون دينار في عام 2020، بتراجع بنسبة 48.7 في المئة. وتأثر التراجع في صافي الأرباح بتراجع في الإيرادات التشغيلية إضافة إلى تدعيم المخصصات أخذاً في الاعتبار تداعيات الجائحة وانعكاساتها على الوضع الاقتصادي وكذلك استمرار الضبابية وعدم اليقين تجاه مسار التعافي في ضوء تتابع موجات جديدة من الإصابات وما قد يتبعها من عمليات إغلاق للأسواق وتبعات ذلك على ضعف القدرات المالية للعملاء في خدمة مديونياتهم وما قد يلزم من تكوين مخصصات لمواجهة أي حالات تعثر محتملة أو أي تراجع في قيم الأصول الاستثمارية. وجدير بالذكر أن مبادرة البنوك الكويتية بتأجيل أقساط القروض الاستهلاكية والإسكانية وبطاقات الائتمان كان لها أثرها أيضاً في تراجع الربحية.

البنوك الكويتية تجاوزت اختبارات ضغط متحوطة

أفاد د. الهاشل بأن تداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد قد شكلت بلا شك اختباراً حقيقياً بالغ الصعوبة لمتانة أوضاع البنوك المحلية وقدرتها على تقديم خدماتها دون انقطاع تحت أصعب الظروف.

ولمزيد من الاطمئنان إلى قدرة القطاع المصرفي على مواجهة الصدمات في المستقبل، أشار المحافظ إلى اختبارات الضغط التي قام بها بنك الكويت المركزي بناءً على آلية اختبارات الضغط الجديدة التي تم تطويرها أخيراً وفق أفضل الأساليب، وتراعي عدداً من المتغيرات المالية والاقتصادية الكلية والجزئية، بناءً على ثلاثة سيناريوهات تغطي فترة ثلاث سنوات قادمة.

وأوضح أن السيناريو الأول يتمثل في صدمة يتعرض لها أي من القطاعات الاقتصادية الحقيقية بشكل منفرد، فيما يتناول السيناريو الثاني تبني صدمة أوسع تتعرض لها عدة قطاعات في الاقتصاد الحقيقي، أما السيناريو الثالث فيقوم على افتراض أزمة عالمية واسعة الانتشار مبعثها ظهور موجات جديدة من إصابات فايروس كورونا وما يترتب على ذلك من إغلاقات أوسع وتوقف للأنشطة الاقتصادية.

وأسفرت أشد نتائج هذه السيناريوهات عن مرونة جيدة للقطاع المصرفي الكويتي إذ حافظ على متوسط كفاية رأسمالية يبلغ 11.4 في المئة في نهاية عام 2023، وهو مستوى مرتفع نسبياً أخذاً في الحسبان شدة السيناريوهات المطبقة ويفوق متطلبات لجنة بازل لمعيار كفاية رأس المال والتي يصل حدها الأدنى إلى 10.5 في المئة.

وذكر أن البنك «المركزي مستمر في رقابته اللصيقة للقطاع المصرفي، على نحو يراعي التحوط المتوازن، بحيث تبقى البنوك قادرة على تقديم خدماتها بكفاءة عالية ودون انقطاع لمختلف قطاعات الاقتصاد الوطني، إذ لم تزل الأزمة قائمة ومن المبكر القول بتخطيها.

وقال «مع أننا ننظر بإيجابية للمستقبل، فإننا سنظل يقظين لمتابعة الأوضاع الاقتصادية والمصرفية حتى نستطيع العبور بسلام من الأزمة، ونستمر في تعزيز الاستقرار النقدي والاستقرار المالي، وهما شرطان أساسيان – وإن كانا غير كافيين - لتحقيق الاستقرار الاقتصادي المستدام».

واستطرد أنه «ولهذا يعيد بنك الكويت المركزي مجدداً التأكيد على أهمية الإسراع في تنفيذ الإصلاح الشامل للاختلالات المتشعبة في بنية اقتصادنا، المتجذرة في هيكله، وضرورة المبادرة دون تباطؤ إلى منازلة التحدي لا مناوشة نتائجه، ومعالجة الداء لا تسكين أعراضه، فمادام الاتكال على عائد النفط مستمراً، واختلال دعائم الاقتصاد متأصّلاً، مع غياب الإجراءات التصحيحية المؤثرة لتنمية الإيرادات غير النفطية واحتواء نمو المصروفات الجارية، فإن أوضاع الموازنة العامة للدولة ستبقى تحت وطأة العجز المالي المتراكم، ولذا فمن الأهمية بمكان التصدي لهذه التحديات قبل أن تستفحل، حتى ننجح في استدامة الرخاء وتطوير الاقتصاد الوطني صوناً لحقوق أجيال الحاضر والمستقبل».