حان الوقت لتوجيه الرسائل في الشرق الأوسط، حيث تترافق هذه العملية في معظم الأوقات مع أعمال العنف، فعشية يوم الاثنين قبل الماضي، استهدف سيل من الصواريخ قاعدة تستضيف جنوداً أميركيين في أربيل، عاصمة كردستان العراق. تذكر وسائل الإعلام الدولية أن أحد الصواريخ هبط في تلك القاعدة ووصل آخر إلى مناطق سكنية مجاورة، وتشير التقارير إلى مقتل مقاول مدني وإصابة ستة آخرين، بمن في ذلك عنصر من القوات الأميركية، كذلك، أصيب خمسة مدنيين عراقيين على الأقل ويُعتبر وضع أحدهم حرجاً.

أعلنت ميليشيا «سرايا أولياء الدم» مسؤوليتها عن هجوم يوم الاثنين، ولا تزال هذه الجماعة غامضة، ظاهرياً على الأقل. هي

Ad

لا تعلن ولاءها لأي طرف صراحةً وتصرّ عموماً على التكلم عن طرد الولايات المتحدة من الشرق الأوسط والانتقام بقوة غداة الضربات الأميركية التي استهدفت قائد «فيلق القدس»، قاسم سليماني، والقائد العراقي في «هيئة الحشد الشعبي»، أبو مهدي المهندس، في العام 2020.

عملياً، تُعتبر هذه الجماعة واحدة من جبهات إيران. يقول فيليب سميث، مسؤول في «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، إن «سرايا أولياء الدم» هي جزء من سياسة شاملة تطبّقها إيران منذ عام 2019، فتستعمل عملاءها لمهاجمة المنظمات اللوجستية في العراق تزامناً مع ابتزاز السكان المحليين وترهيبهم.

يضيف سميث: «تهدف هذه العمليات إلى توجيه الرسائل بوتيرة تدريجية. يريد الإيرانيون أن يخبروا الأميركيين بما يلي: نحن نستطيع الوصول إليكم وإيذاءكم أينما كنتم في العراق»، كذلك، يُعتبر استعمال جماعة أمامية بدل واحدة من الجماعات التابعة لعملائهم الشيعة المعروفين رسالة أخرى. حين يستعمل الإيرانيون عملاءهم، يمكنهم أن ينكروا مسؤوليتهم عن كل ما يحصل. تسمح لهم هذه المقاربة بالتهرب من المسؤولية مع أن الجميع يعرفون أنهم مذنبون.

لم تتوقف حملة توجيه الرسائل منذ فترة. في السنة الماضية، بعد اغتيال سليماني، تعهد المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، بتنفيذ «انتقام قوي». تحقق هذا الانتقام على شكل هجوم صاروخي مشابه ضد قاعدتَين تستضيفان جنوداً أميركيين وقوات التحالف في العراق، واستهدفت تلك الضربات قاعدة عين الأسد الجوية في محافظة الأنبار، غربي العراق، وقاعدة أخرى في أربيل.

قد تفضّل جماعة «سرايا أولياء الدم» أن تحافظ على جانب من الغموض حول هويتها، لكنها أوضحت هدفها من هجوم أربيل بدرجة كافية، وكشفت الجماعة في بيان لها أنها استعملت في الهجوم صواريخ 107 ملم، ومن المعروف أنها إيرانية الصنع، وتميل إيران دوماً إلى توجيه الرسائل عبر الصواريخ، وها هي تكرر هذه المقاربة في الوقت الراهن، فعلى واشنطن أن تتعامل مع حقيقة واضحة اليوم: يستطيع الإيرانيون، أو عملاؤهم، أن يستهدفوا المنشآت الأميركية على بُعد ألف كيلومتر من طهران.

مع وصول إدارة أميركية جديدة إلى السلطة، بدأت مختلف القوى في أنحاء المنطقة تتهافت لتوجيه الرسائل التي تريدها، وقد انتهت السنة الماضية باغتيال العالِم النووي الإيراني، محسن فخري زاده، على يد الموساد الإسرائيلي، فقضت تلك الضربة على شخصية نووية بارزة، لكنها وجّهت رسالة مهمة في الوقت نفسه، حيث أرادت إسرائيل من خلال تلك العملية أن توجّه رسالة واضحة إلى واشنطن: قد تتغير الإدارات الأميركية، لكنّ مخاوف إسرائيل الأمنية لا تتغير!

لكن من الواضح أن الإيرانيين لا يحبذون وقوع إصابات مفرطة، حتى أنهم تجنبوا هذه النتيجة عمداً في هجومهم الأخير، كما فعلوا حين استهدفوا القاعدتَين الأميركيتَين في السنة الماضية. لا تهدف هذه الاعتداءات إذاً إلى شن الحرب، بل إنها مجرّد أداة دبلوماسية على طريقة الشرق الأوسط.

ديفيد باتريكاراكوس - سبيكتاتور