نظراً لعدم وجود توثيق تاريخي منشور لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي، واستمرار اللبس لدى الجمهور ومتخذي القرار حول تاريخ إنشاء، ودور، وحجم مسؤولية هذه المؤسسة، ونظراً لاستبعاد شركات القطاع الخاص من حوكمة المؤسسة، عندما اتخذ القرار في عام 2005 بتعديل سند الإنشاء وإلغاء الجمعيات العمومية، أعدت د. أماني البداح دراسة حول مسيرة المؤسسة خلال 45 عاماً، لافتة إلى أنها وجدت ضرورة نشر هذا التاريخ المختصر كي تتبين المثالب التي تعتري حوكمة المؤسسة، ولتصحح معلومات الجمهور حولها باعتبارها مؤسسة خاصة، غير حكومية، وغير منوط بها القيام بدور الدولة في توفير كل الدعم للبحث العلمي.

وينشر هذا التاريخ المختصر، أيضا، لإزالة اللبس المقلق الذي صرنا نلمسه مؤخرا، والذي يبدو كأن هناك إرادة مُتعمّدة لخلقه في وسائل التواصل الاجتماعي، وفي أروقة مجلس الأمة. وأوضحت البداح أن هذا اللبس ينجم عنه تحميل المؤسسة – اعتباطا – مسؤولية تأخر المؤسسات الحكومية المختصة بالتعليم والبحث والتطوير وريادة الأعمال، وسيؤدي، إن لم ننتبه له، إلى هدم ما تبقى من مؤسسات رائدة في دولة الكويت. وفيما يلي التفاصيل:

Ad

في أبريل 1976، خاطبت غرفة تجارة وصناعة الكويت أصحاب الشركات المساهمة في البلاد لتأسيس مؤسسة ذات شخصية اعتبارية تسهم في استدامة الاقتصاد الكويتي والاستثمار في العنصر البشري، والدفع بعجلة التقدم في المجتمع عن طريق تشجيع العلوم والبحث العلمي، وتحفيز الشباب على متابعة التعليم العالي في شتى المجالات العلمية.

وبعد الاستجابة الإيجابية لعدد كاف من الشركات، قام رئيس الغرفة في 9 مايو 1976 بدعوة أصحاب الشركات لإيداع مبلغ 1500 دينار في حساب المؤسسة، تمهيدا للاجتماع التأسيسي. وقد جاء ذلك بعد أن توصل مجلس إدارة الغرفة إلى تفاهم مشترك مع الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد - والذي كان نائبًا للأمير آنذاك ورئيسا لمجلس الوزراء ووليا العهد – بأن يرأس مجلس إدارة المؤسسة كي تسبغ على شخصيتها الاعتبارية الاستقلالية الفريدة التي يتطلبها القيام بعملها والاضطلاع بأهدافها النبيلة.

ريادة القطاع الخاص

جاء هذا التنظيم احترازًا لعدم تغير مسار الشركات في المستقبل بما يحيد بالمؤسسة عن أهدافها غير الربحية، وحتى تصبح قيادة سلطة عليا في البلاد ضماناً لاحترام الجميع لالتزاماتهم التاريخية بأهداف المؤسسة واستدامتها المالية. ويشير ذلك إلى بعد نظر المؤسسين وانفتاحهم على احتمالات تقاعس الشركات في المستقبل عن الاستمرار في دعم المؤسسة إن ترك الأمر لحركة الأسواق وحدها دون سند سياسي يذكّر الجميع بمسؤوليتهم المجتمعية. وينم ذلك عن ريادة حقيقية لفكرة "المسؤولية المجتمعية" مفهوما وعملا، سبقت بعقود تلك الحركة الاجتماعية التي لم يتم التسويق لها إلا في السنوات الأخيرة.

وفي 7 يونيو دعا رئيس الغرفة الشركات المساهمة للاجتماع التأسيسي الذي يهدف إلى توقيع سند الإنشاء وانتخاب 6 أعضاء لمجلس الإدارة، وإعلان قيام المؤسسة بشكل نهائي. وبالفعل، ففي الاجتماع التأسيسي الأول الذي عقد في 16 يونيو في غرفة التجارة، حضر 57 شخصاً من أصل 62 من ملاك الشركات الخاصة المساهمة، وانتخبوا مجلس الإدارة الأول.

وصدر في 8 ديسمبر من نفس العام، سند إنشاء المؤسسة الذي نص على الأهداف التالية:

1. تقديم يد العون للقائمين على التنمية الفكرية.

2. مساعدة القائمين على البحوث العلمية المتخصصة ذات المستوى الرفيع.

3. تقديم المنح الدراسية والتدريبية والجوائز التشجيعية للدارسين والباحثين في المجالات العلمية المختلفة.

4. دعم روح التكافل بين الأجيال في الكويت.

5. المعاونة في سبيل التطور الحضاري.

أما في المادة السادس، فقد فنص سند الإنشاء على أن تتكون موارد المؤسسة من:

1. المبلغ المخصص للتأسيس (مبلغ 1500 دينار عن كل شركة مؤسِّسة).

2. نسبة من صافي أرباح الشركات المساهمة (5% عند التأسيس خفضت لاحقا إلى 1%).

3. حصيلة توظيف أموالها في أي مشروع تراه محققا للربح اللازم لمساعدتها في تحقيق أغراضها شريطة ألا تدخل في مضاربات مالية.

4. الهبات والوصايا التي تقدم لها من الأفراد والأشخاص المعنوية العامة والخاصة.

وهنا أيضاً يتبين أن رؤية المؤسسين اتسمت ببعد النظر، وبالحصافة المالية التي تنقص الكثير من المؤسسات غير الربحية في الكويت والعالم. فقد رأى المؤسسون ضرورة خلق موارد مالية بالإضافة لمساهمة الشركات، إدراكاً منهم لضرورات الاستدامة وحماية برامج المؤسسة من تقلبات الأسواق التي قد تؤثر على مساهمات الشركات على المدى القصير.

مرسوم أميري بالإنشاء

وفي 12 ديسمبر 1976 صدر مرسوم من الشيخ جابر الأحمد - نائب الأمير آنذاك - بالاعتراف بالشخصية المعنوية لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي وفقاً لسند الإنشاء، مسبغاً بذلك على المؤسسة شخصيتها الاعتبارية ذات الصفة الفريدة في النظام المؤسسي في دولة الكويت. فمن جهة، هي مؤسسة خاصة أنشأها أفراد بصفتهم ممثلين عن شركات مساهمة، ومن جهة أخرى هي حائزة اعتراف الدولة بها، وفقا لسند إنشائها بمرسوم أميري. وهذا التفرد - تحديدا - هو ما منح المؤسسة القدرة على الاضطلاع بمهامها منذ تأسيسها، فهي تقوم على خبرات القطاع الخاص في الإدارة والتخطيط والتنفيذ، بما يتميز به هذا القطاع عن نظيره العام من مرونة واطلاع وقدرة على الاستجابة للمتغيرات بشكل فعال. وفي الوقت ذاته، فهي تحظى بقيادة سلطة عليا في البلاد لمجلس الإدارة، بما يمنحها اطلاعا واسعا على سياسات الدولة واستراتيجياتها ومواطن احتياجاتها. غير أن هذا التفرد كان أيضا موضع أنظار الطامعين والطامحين في إخضاع المؤسسة للبيروقراطية الحكومية وللتقلبات في سياسات الإدارات الحكومية المتعاقبة.

وليس تفرد المؤسسة محصورا في نطاق الكويت فحسب، بل تعد مؤسسة فريدة من نوعها على مستوى العالم، وإن كان هذا الأمر غير معروف. ذلك أنه وان كانت المؤسسات الخاصة غير الربحية لدعم العلوم والأبحاث معروفة ومنشترة في كثير من الدول، إلا أنه لم يظهر حتى اليوم هذا القدر من الالتزام واتساع الأفق لملاك شركات خاصة يلتزمون طوعا، بشكل دائم، وبنسبة ثابتة من صافي أرباح شركاتهم للاستثمار المعرفي على المستوى الوطني. وعلى الرغم من تخفيض نسبة مساهمة الشركات في المؤسسة عبر عقودها الأربعة من 5 في المئة إلى 1 في المئة من صافي أرباح هذه الشركات، إلا أن التزام المؤسسة بسياسة استثمارية حصيفة منذ تأسيسها وحتى الآن منحها القدرة على الاستمرار، لمدة نجحت خلالها في تمويل عدد كبير من البرامج المتنوعة وفقا لأهدافها.

الإخلال بنظام الحوكمة

كما هو الحال في الممارسات المثلى في الحوكمة - عندما التزمت الشركات طوعًا بدفع نسبة من صافي أرباحها، وتقرر هذا الالتزام في مرسوم يعود إلى سند الإنشاء - وضع المؤسسون نظامًا للحوكمة يضمن رقابة الشركات على أعمال المؤسسة. وقد قام هذا النظام على ترك مسافة مناسبة بين الشركات المساهمة والإدارة التنفيذية للمؤسسة من جهة، وبين نائب الأمير (الذي عدل لاحقاً إلى صاحب السمو أمير البلاد في 1985) والإدارة التنفيذية من جهة أخرى. وقد تم ذلك عن طريق وضع جل المسؤولية القانونية عن إدارة موارد وبرامج المؤسسة في منصب المدير العام، وعن طريق تجنيب نائب الأمير (الأمير لاحقا)عبء حضور معظم اجتماعات المجلس ومداولاته، والاكتفاء بحضور بعضها أو المصادقة على بعض القرارات التي يترتب عليها تغيير في الاتجاه أو الحوكمة أو تخصيص الموارد. كما وضع المؤسسون درجتين للرقابة على الإدارة التنفيذية، تتجلى الأولى والمباشرة في مجلس إدارة منتخب مكون من 6 أشخاص (عدل لاحقا إلى 7)، فيما تظهر الثانية في جمعية عمومية تعقد مرة كل ثلاث سنوات للنظر في التقرير الإداري والمالي حول أداء مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية في إدارة الموارد والبرامج خلال تلك الفترة.

ومع ذلك، فلم يقدر لهذا النظام أن يستمر، حيث عدل سند الإنشاء في 2005، وذلك بإلغاء الجمعيات العمومية للمؤسسة وتعيين أعضاء مجلس إدارتها من قبل صاحب السمو أمير البلاد، بديلا عن مجلس منتخب من الجمعية العمومية. وبهذا التعديل - الذي لم نطلع على تفاصيل ملابساته إلا في محضر واحد لأعضاء مجلس الإدارة - وقع اختلال مهم في حوكمة المؤسسة، تمثل في أن هذا التعديل لا يأخذ بعين الاعتبار الطبيعة التاريخية الفريدة لمبادرة الشركات – من تلقاء ذاتها – بالتزامها بدفع الاشتراكات السنوية، كما أنه يخالف أحد الأسس الراسخة للحوكمة والمتمثلة في أن الاستقطاع من أرباح الشركات أمر يتطلب بالضرورة مشاركة الشركات في حوكمة المؤسسة.

وعلى الرغم من تصويت أعضاء مجلس الإدارة المنتخب بالموافقة على التعديل، فإنه أدى إلى خلل ترتب عليه الكثير من اللبس والامتعاض في أوساط الشركات، ناهيك عن أنه أدى إلى وضع مسؤولية مضاعفة على الإدارة التنفيذية في التواصل مع الشركات وتبني القدر الأكبر من الشفافية في إدارة كل أمور المؤسسة، دون الإخلال بخصوصية معلوماتها، مع وضع التدابير اللازمة لتأسيس إجراءات للرقابة الداخلية التي يمكن لمجلس الإدارة من خلالها التعرف السريع على مواطن الخلل. وبذلك، فلا يمكن أن تتحقق الاستدامة لهذا الصرح الكويتي الفريد، ما لم تستعد الشركات المساهمة دورها الحقيقي في إدارة المؤسسة.

الدور الرديف للحكومة

قامت المؤسسة منذ إنشائها على وضع برامج تحقق الأهداف التي نص عليها سند الإنشاء، وهي دعم الأبحاث والباحثين، ونشر المعرفة، وتقديم الحوافز والجوائز للمتميزين، ودعم القطاع الخاص بالدراسات وتطوير العناصر البشرية، وهي في طبيعتها برامج "رديفة" لدور الحكومة في هذه المجالات وليست "بديلة" عنه.

وضمن الميزانيات المحدودة المتاحة لها، شهدت برامج المؤسسة عبر العقود الأربعة الممتدة للفترة منذ إنشائها في 1980 حتى تاريخه قدراً من التطوير الذي يتماشى واحتياجات المجتمعات المستهدفة، تمثل في التركيز التدريجي على أنواع معينة من الأنشطة أو المنتفعين، وذلك لرفع كفاءة وإنتاجية التمويل المقدم. ومع ذلك، ووفقًا للدراسات القائمة، فإن أي تطوير في مجال الأبحاث والتطوير والابتكار ينبغي أن تخصص له موارد مالية تصل إلى أكثر من 2 في المئة من الناتج القومي حتى يكون له أثر اقتصادي ملموس. وبهذا فإن أي نتائج للبحث والتطوير والابتكار - إن أردنا أن نلمس لها آثارا إيجابية على الكويت من حيث التنوع أو الاستدامة - تتطلب إنفاقاً حكومياً مستداماً لا تقل قيمته عن 2.7 مليار دينار.

وبذلك، فإن الحكومات المتعاقبة لم تفشل في تحقيق ذلك فحسب، إنما فشلت أيضاً في تحقيق الحدود الدنيا من الشروط التي ينبغي توافرها حتى يتحقق آثر برامج المؤسسة واستثمارها في العناصر البشرية في القطاعات المعنية. وأول هذه الشروط هو نجاح الدولة بالحدود الدنيا في مجالات التعليم العام والتعليم العالي ودعم الأبحاث على المستوى الوطني، حتى يتسنى للمؤسسة وضع برامج التعزيز والتحفيز كمؤسسة رديفة. الشرط الثاني هو أن تضع الدولة استراتيجيات وطنية واضحة الأهداف والموارد والبرامج للتنمية الاقتصادية، يقع من ضمنها برنامج لتطوير الابتكار والتنوع الاقتصادي. أما الشرط الثالث فهو أن تقوم الدولة بإلزام مؤسساتها - وفقًا لقانون خاص بإدارة البيانات - بجمع ونشر بيانات مُدّققة حول المؤشرات الوطنية وأداء المؤسسات الحكومية المختلفة، وتمكين وتيسير استخدام الباحثين لها.

وعلى الرغم من وضع استراتيجيات لبرامج المؤسسة عبر عقودها الأربعة، ونشر إنجازاتها ومخرجاتها في شتى الوسائل والوسائط، سواء كان ذلك في تقارير الجمعيات العمومية قبل 2005 أم في التقارير السنوية بعد 2005، إلا أن إنجازات المؤسسة في إجمالها لا يمكن أن تعوض غياب دور الدولة في المجالات المعنية. بل ان الضغط المستمر على المؤسسة للقيام بهذا الدور البديل تسبب عبر السنوات في تشتيت برامجها ومواردها بما لم يكن متوقعا منه أن يعود بأثر.

وهذه المهمة المستحيلة، المتمثلة بقيام مؤسسة خاصة قائمة على عدد قليل من الموظفين وبميزانية لا تجاوز 35 مليون دينار سنويا بدور الدولة – عوضاً عن أن تكون محض رديفٍ له – لم تكن، لأسباب وجيهة، واردة لا في سند إنشاء المؤسسة ولا في منظور مؤسسيها.

تأخر الإدارة الحكومية

إن كان أي عمل غير حكومي أو غير ربحي يستند - في حدوده الدنيا - على استراتيجيات واضحة للدولة، فإن استراتيجيات الدولة لدينا تتراوح في أغلبها بين دراسات يضعها مستشارون أجانب بلا أي فهم حقيقي لبنية الاقتصاد الريعي ومجتمع الدولة الريعية، وقوائم أمنيات يقدمها الوزراء المتعاقبون إلى المجلس الأعلى للتخطيط أو مجلس الأمة أو مجلس الوزراء، وهي قوائم هي غالبًا ما تأتي بريئة من أية منهجية علمية في الإعداد، ودون الحد الأدنى من الكفايات لدى معديها، وبلا أبسط فكرة عن كيفية تنفيذها وتبعاته. وفي وجه الإخفاق الحكومي، قامت المؤسسة منذ إنشائها بعدد كبير من المبادرات التي تضمنت دراسة ووضع التوجهات الاستراتيجية للدولة في مجالات مثل الصحة والتعليم والاقتصاد والإدارة وآليات سد الفجوات في البِنى التحتية للبحث والتطوير والابتكار، التشريعية منها والمادية، وجاءت هذه الدراسات في أغلبها لإنقاذ القطاع العام من التهالك، ولتعزيز استدامة شبكة الأمان الاجتماعي للمواطنين، ولرفع كفاءة الإنفاق على الصحة والتعليم، ولتعزيز كفاءة القطاع الخاص ودوره في تنويع الاقتصاد.

وعلى الرغم من تعدد هذه المبادرات، لاسيما في السنوات الخمس الأخيرة، فإن الدولة تخلت عن الأخذ بأغلب ما طرح، ولم تتقدم بالحد الأدنى من المتابعة لتطوير هذه الدراسات أو تنفيذ شيء منها أو تبني توجهاتها الرئيسة. ولست هنا بصدد تحليل أسباب تأخر الإدارات الحكومية المتعاقبة في تطوير استراتيجيات وطنية قابلة للتنفيذ أو تحليل أسباب إحجامها عن الأخذ بما يقدم لها على طبق من فضة، إنما يهمني هنا الإشارة إلى مبادرة المؤسسة أينما فشلت الحكومة في تطوير السياسات أو الاستراتيجيات الوطنية، دون جدوى.

إذن لا يمكن للمؤسسات غير الحكومية أو غير الربحية التي تهدف إلى بناء المعارف والقدرات المعرفية، أن تبني خططها على الحد الأدنى من التخطيط الحكومي لبناء برامج مستدامة وذات أثر مجتمعي، وليس مرجحًا إن هي بادرت في وضع هذه الاستراتيجيات أن يؤخذ بها، ولذا فإن عليها كمؤسسات رديفة أن تخطو خطوات جريئة ومحسوبة النتائج باتجاه بناء جزر من النجاح التي يمكن أن يقاس عليها، أو يبنى على نتائجها.

الدور المستدام للمؤسسة

رغبة في سد باب الذرائع على من يستنتج – مُغرضًا – من هذا العرض أنه ليس هنالك من إنجاز للمؤسسة في العقود الأربعة الماضية، أود أن أوجه القارئ الكريم للتقارير السنوية المنشورة على موقع المؤسسة الإلكتروني للتعرف على ما تم في السنوات العشر الأخيرة على الأقل، كعينة من تاريخ دام أربعة وأربعين عاما. أما عن دورها المستقبلي، فإن لم يتم توجيه برامج المؤسسة لمجتمعات محددة من المستفيدين في مجالات نعلم فيها بوجود طاقات وطنية شابة متعطشة للعمل الجماعي، ولطرح الحلول العملية للأولويات الوطنية، وإن لم يتم تحديد تمويل المؤسسة في هذه المجالات بما يحقق تراكم المعارف فيها، أي بلا بناء مجتمعات علمية متعينة وبناء جسد معرفي متعين، فستستمر البرامج في تأدية دور مهم وحقيقي على مستوى الأفراد ولكنه غير مؤثر ولا مستدام على المستوى الوطني لأنه ضعيف التمويل ومشتت الاتجاه. ولابد أن يأتي هذا التركيز مع تحول شامل في الممارسات المؤسسية مثل الشفافية، وتكافؤ الفرص، والاستمرار في سياسات استثمارية حصيفة تضمن الاستدامة المالية، لكن أهمها على الإطلاق هو استعادة الشركات لدورها في الحوكمة. ولربما كانت فرص تطويع القدرات الشبابية الهائلة لمصلحة الدولة كبيرة هنا، إن شاء القطاع الخاص الاستمرار في دوره الريادي، وإن شاءت الأقدار أن تنطوي الرؤية الحكومية في المستقبل على استثمار حقيقي في العنصر البشري، جوهر الاقتصاد المعرفي.