تتصدّر الفتوى التي أصدرها المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي قبل عدة سنوات والتي تحظر الأسلحة النووية العناوين الرئيسة مجدداً، والدرس الرئيس الذي يمكن تعلمه من الفتوى النووية هو أن قرارات الأمن القومي لطهران تُسترشد بالمصالح لا بالأيديولوجية، وأن التقدم في المفاوضات يمكن تأطيرها من حيث مبدأ «مصلحة النظام»، الذي ينصب اهتمامه الأساسي على بقاء هيكل السلطة.

فلطالما زعم النظام وداعموه، من بينهم المتحدث النووي السابق حسين موسويان، أن الفتوى دائمة واستشهد بها كدليل على أن الدين يحظر على إيران الاستحواذ على مثل هذه الأسلحة، لكن في مقابلة أجراها في 30 يناير مع تلفزيون «الميادين»، صرّح الدبلوماسي الإيراني السابق أمير موسوي بأن «أي فتوى ليست دائمة، وفقاً للفقه الشيعي الجعفري، فالفتوى تصدر حسب تطور الظروف، لذلك أعتقد أنه إذا تصرف الأميركيون والصهاينة بشكل خطير، فقد يتمّ تغيير الفتوى»، ويؤكد تصريحه أن التعاليم الدينية لا تملي قرارات الأمن القومي في طهران، بل إن مبدأ «مصلحة النظام»، الذي ينصب اهتمامه الأساسي على بقاء هيكل السلطة بعد الثورة، هو المسؤول عن ذلك.

Ad

وموسوي ليس مجرد دبلوماسي سابق، بل هو أيضاً برتبة عميد في «الحرس الثوري الإسلامي». وأثناء شغله منصب الملحق الثقافي الإيراني في السفارة الإيرانية في الجزائر بين عامي 2015 و2018، تم إعلانه شخصاً غير مرغوب فيه لنشره دعاية شيعية طائفية، وهو الآن يدير «مركز الدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية» ومركز أبحاث تابع لـ«الحرس الثوري» الإيراني ومقره طهران.

ما الذي حفّز الفتوى؟ ولماذا هي قابلة للتغيير؟

كانت المرة الأولى التي أصدر فيها المرشد الأعلى فتوى نووية شفهية في عام 2003، وكررها في عدة خطابات منذ ذلك الحين. وهذه التصريحات التي تستخدم المصطلح الديني «حرام» لوصف الأسلحة النووية لها الأساس القانوني نفسه مثل الفتاوى المكتوبة.

لقد اختلفت الصيغ المحددة المستخدمة في هذه التصريحات، ففي بعض الأحيان، حظر خامنئي بشكل قاطع تطوير وتخزين واستخدام الأسلحة النووية، وفي مناسبات أخرى، بدا أنه سمح ضمنياً بتطويرها وتخزينها، ولكن لم يسمح باستخدامها، وفي حديثه إلى مجموعة من كبار العلماء في 9 أكتوبر 2019، قال: «على الرغم من أنه كان بإمكاننا السير في هذا الطريق لإنتاج الأسلحة النووية، قررنا العدول عنه... استناداً إلى فتوى ديننا الإسلامي؛ فمن الخطأ صنعها ومن الخطأ تخزينها لأن استخدامها محظور».

والجدير بالذكر أن كلاً من الفتوى الأولية والجهود الإيرانية المبكرة لتسليط الضوء عليها جاءت بعد فترة ليست طويلة من اكتشاف برنامج النظام السري للتخصيب النووي والإفصاح العلني عنه في عام 2002، وبالتالي، يجب اعتبار هذه الجهود، على الأقل جزئياً، على أنها الحد من الأضرار.

وتم استخدام الفتوى لأغراض أخرى أيضاً:

• إضفاء الشرعية على البرنامج النووي كنشاط سلمي بحت من خلال التبرير الديني

• تفادي الانتقادات المحلية المحتملة للتقدم البطيء للبرنامج، والانتكاسات العديدة التي مُني بها، وقرار النظام بتجنب أي تجاوز للعتبة النووية بسرعة.

• مساعدة النظام على الترويج للإسلام الثوري باعتباره نظاماً مساوياً للشرعية الدولية إلى جانب القانون الدولي، كما ظهر من خلال مقترحات قُدّمت في عام 2013 لترسيخ الفتوى في قرار للأمم المتحدة.

علاوةً على ذلك، فإن الفتاوى ليست ثابتة، حيث يمكن تغييرها وفقاً للظروف، فقد غيّر مؤسس الجمهورية الإسلامية، آية الله روح الله الخميني، موقفه وأصدر فتاوى متناقضة حول عدد من القضايا، من بينها الضرائب، والتجنيد العسكري، وحق المرأة في التصويت، وشرعية النظام الملكي للشاه. وبالمثل، يمكن للمرشد الأعلى علي خامنئي أن يعكس فتواه النووية إذا رأى ذلك ضرورياً. واعترافاً بهذه الحقيقة، اقترح بعض المسؤولين الإيرانيين السابقين أن يمرّر البرلمان تشريعاً يقر قانون الفتوى النووية من أجل الحفاظ على قيمتها كإجراء لبناء الثقة مع الغرب.

إن السبب في إمكانية عكس الفتاوى الإيرانية هو أن مبدأ «مصلحة النظام» يوجه صياغة السياسة في الجمهورية الإسلامية. وقبل وفاته، حكم الخميني أنه يحق للنظام تدمير مسجد أو تعليق التقيّد بالتعاليم الإسلامية إذا كانت مصالحه تمليه ذلك، وأن دستور الجمهورية الإسلامية يمنح المرشد الأعلى السلطة المطلقة لتحديد تلك المصالح. لذلك يمكنه إلغاء القوانين أو إبطال قرارات الهيئات التداولية المختلفة، بما في ذلك البرلمان و«مجلس صيانة الدستور» و«مجمع تشخيص مصلحة النظام».

كما أن المتحدثين باسم النظام لديهم عادة في تقديم تفسيرات ملائمة عندما يتعلق الأمر بالفتاوى والسياسة الخارجية، فعلى سبيل المثال، عندما أدت فتوى أصدرها الخميني عام 1989 ودعا فيها إلى موت الكاتب سلمان رشدي، إلى إثارة أزمة في العلاقات مع أوروبا، حاول مسؤولو وزارة الخارجية الإيرانية التقليل من أهميتها، زاعمين أن الفتوى تعكس الرأي الشخصي للمرشد الأعلى وليست ملزمة رسمياً، وفيما يتعلق بالفتوى النووية لخامنئي، حاول مسؤولو وزارة الخارجية الإيرانية مراراً إقناع المجتمع الدولي بأنها حكم ديني ملزم وستمنع البلاد من الحصول على القنبلة، على الأقل إلى أن جاء تصريح موسوي الشهر الماضي والذي زعم فيه أن الفتوى لن تمنع ذلك.

ويثير تاريخ فتوى إيران بشأن الأسلحة الكيميائية أسئلة إضافية، فخلال الحرب العراقية-الإيرانية، أفادت بعض التقارير أن الخميني أصدر فتوى بشأن الأسلحة الكيميائية، ولكن من غير الواضح ما إذا كان قد حظر تطويرها وإنتاجها، أو استخدامها فقط، كما أنه من غير الواضح ما إذا كان قد تم تعديل المرسوم في النهاية في ظل تصاعد الحرب الكيماوية العراقية، ومهما كان الأمر، فإن الفتوى لم تمنع إيران من إنتاج أعداد صغيرة من قذائف الهاون والمدفعية والقنابل الجوية المملوءة بالأسلحة الكيماوية، ونقل بعض تلك الذخائر إلى ليبيا عام 1987، واستخدام بعضها ضد القوات العراقية في نهاية الحرب، وعلى الرغم من انضمام إيران إلى «اتفاقية الأسلحة الكيميائية» بعد الحرب- أفادت بعض التقارير أنها دمرت قدرتها على إنتاج الأسلحة الكيماوية في غضون ذلك- إلا أن الحكومة الأميركية لا تزال تعتقد أن النظام الإيراني يسعى إلى شراء مواد صيدلانية (ربما فينتانيل) لأغراض هجومية.

وبالتالي، إذا كانت فتوى إيران حول الأسلحة الكيميائية لا تمنعها من الحصول على الأسلحة الكيميائية واستخدامها لاحقاً، فمن المنطقي أن يتم التشكك في إمكانية أن تؤدي الفتوى النووية إلى منع طهران من حيازة الأسلحة النووية واستخدامها إذا كان ذلك يصب في مصلحة النظام.

التداعيات على المفاوضات

لا ينبغي أن يكون اعتراف موسوي الصريح في قناة «الميادين» التلفزيونية مفاجأة بالنظر إلى المعلومات الوفيرة المتاحة حول جهود البحث والتطوير في مجال الأسلحة النووية الإيرانية، كما هو موثق في تقارير مختلفة لـ«الوكالة الدولية للطاقة الذرية» وفي الأرشيف النووي الإيراني السري الذي استولت عليه المخابرات الإسرائيلية ونقلته سراً من البلاد في عام 2018. ومع ذلك، فإن الأهمية الكبرى لملاحظاته- التي تأتي في الوقت الذي تنضج فيه إمكانية إجراء مفاوضات مع إدارة أميركية جديدة- قد تكمن في التأكيد على الكيفية التي ستقود بها المصالح لا الأيديولوجية عملية صنع القرار في إيران فيما يتعلق ببرنامجها النووي وصواريخها وأنشطتها في المنطقة.

وسابقاً، أدى مبدأ «مصلحة النظام» هذا إلى تأجيل إيران لطموحاتها النووية وتعليق البرنامج مؤقتاً في مناسبتين على الأقل: في عامي 2003 و2015، وجاء القرار الأول عقب الغزو الأميركي لأفغانستان والعراق، في حين جاء القرار الثاني على الرغم من مزاعم طهران السابقة بأن لن تتفاوض أبداً تحت العقوبات. وعليه، يتمثل التحدي في إيجاد المزيج المناسب من الضغوط والمحفزات من أجل إقناع إيران بأن من مصلحة النظام إطالة «خطة العمل الشاملة المشتركة» وتقويتها وتوسيعها، وتجنّب تجاوز العتبة النووية في الوقت نفسه.

وتعني هذه المرونة أن مواقف طهران التفاوضية وخطوطها الحمراء ليست مقدّسة إذا كان انتهاكها سيعزز مصالح النظام، وبالفعل، تراجع وزير الخارجية محمد جواد ظريف أساساً عن إصراره على اتخاذ الولايات المتحدة الخطوة الأولى من أجل العودة إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة»، متحدثاً بدلاً من ذلك عن سبل لـ«تزامن» أو «تصميم» عودة الولايات المتحدة.

ويعني ذلك أيضاً أن دَوْر الإيمان والثقة في التوصل إلى اتفاق مبالغ فيه إلى حدّ كبير، رغم تشديد الدبلوماسيين الإيرانيين باستمرار على أهميته، ولا يمكن للدبلوماسية أن تنجح إلا عندما تخلص طهران- في أعقاب تقييم غير عاطفي وموضوعي- إلى أن أي اتفاق جديد أو سلسلة من الاتفاقيات ستدعم مصالحها. وفي الوقت نفسه، من المرجح أن يعني ذلك أن طهران ستلتزم باتفاق جديد فقط طالما يتوافق ذلك مع مصالحها، لذلك من الضروري أن يجد المجتمع الدولي إطار عمل لا يسهّل التوصل إلى اتفاق جديد فحسب، بل يجعله أيضاً مستداماً لسنوات عديدة قادمة.

مايكل آيزنشتات ومهدي خلجي- واشنطن إنستيتوت