في 13 ديسمبر، أعلنت «مؤسسة ضريح الإمام الحسين» (التابعة للعتبة الحسينية) في كربلاء، العراق، عزمها مقاضاة الولايات المتحدة في «محاكم دولية» غير محددة بسبب مقتل حراس الموقع ومدني كانوا قد لقوا مصرعهم عن طريق الخطأ بضربة جوية أميركية قبل تسعة أشهر، واستهدفت الضربة منشأة في مطار كربلاء غير المكتمل يُعتقد أنها تُستخدم لتخزين الأسلحة من قبل «كتائب حزب الله»، الميليشيا الإرهابية المدعومة من إيران والمصنفة على لائحة الإرهاب من قبل الولايات المتحدة، ومع ذلك، عندما تم استهداف الموقع، كان تحت حراسة «حشد العتبات»، وهي شبكة من «ميليشيات حماية الأضرحة» التي تشكل رسمياً جزءاً من «قوات الحشد الشعبي»، لكنها تخضع في المقام الأول للقيادة الروحية لآية الله العظمى علي السيستاني.

وكانت حادثة مقتل الحراس بمثابة صدمة لـ«العتبات»، ويعزى ذلك جزئياً إلى أن علاقاتها السابقة مع الولايات المتحدة لم تكن عدائية، وعلى الرغم من أنه لا يسمح لأفرادها بالعمل مع مدربين أجانب من أي دولة، إلا أنهم ابتعدوا باستمرار عن استخدام أي مصطلحات معادية للولايات المتحدة خلال تصريحاتهم الرسمية، بالإضافة إلى ذلك، عارض قادة «العتبات» مراراً تنصيب قادة مدعومين من إيران على رأس «قوات الحشد الشعبي»، حتى أنهم عقدوا مؤتمراً خلال 1-3 ديسمبر الماضي لاستكشاف الوسائل الإدارية للانفصال الكامل عن تلك الهيئة. لذلك من الضروري أن تتعامل إدارة بايدن مع قضية «العتبات» بمزيد من الحساسية والوضوح مما كان عليه الحال خلال إدارة ترامب، لأن القضية تعكس الكثير من الديناميكيات المعقدة التي تقود جهود العراق الواعدة في الإصلاح الداخلي.

Ad

«العتبات» و«الحشد» الأمر معقد

كخدمة رسمية مدفوعة الأجر تابعة للقوات المسلحة العراقية، تخضع «قوات الحشد الشعبي» اسمياً تحت قيادة رئيس الوزراء و«هيئة الحشد الشعبي» المدنية، لكن الميليشيات ذات الأغلبية الشيعية تقاوم عموماً السيطرة المدنية؛ وبدلاً من ذلك تخضع معظمها لنائب رئيس عسكري يعيّنه مجلس من الجماعات المدعومة من إيران. وحالياً، يشغل أبو فدك من «كتائب حزب الله» هذا المنصب (وإن كان بصفة نائب ضعيف تم تحدّيه من قبل مختلف العناصر الفاعلة).

غير أنه منذ عام 2014، حاولت «العتبات» الحفاظ على درجة معينة من الاستقلالية العملياتية والإدارية، إذ إنها تقود 15.000 من مقاتلي «قوات الحشد الشعبي» البالغ عددهم 140.000 إلى 165.000 مقاتل في الإجمال، فهي تتألف من أربعة ألوية: «فرقة العباس القتالية» (التي تعرف رسمياً باللواء الـ26 في قوات الحشد الشعبي)، و«لواء علي الأكبر» (اللواء 11)، و«فرقة الإمام علي القتالية» الأصغر بكثير (اللواء 2) و«لواء أنصار المرجعية» (اللواء 44).

ورداً على ذلك، استخدم قادة «قوات الحشد الشعبي»- المنحدرون من «منظمة بدر» و«كتائب حزب الله» المدعومين من إيران- سيطرتهم الإدارية على «هيئة الحشد الشعبي» لتقييد الرواتب والدعم الذي تتلقاه «العتبات»، حتى أنهم تمكنوا من جعل بعض عناصر «العتبات» ينشقون عنها ويقومون بتشكيل وحدات جديدة ضمن «قوات الحشد الشعبي» بتشجيع إيراني (على سبيل المثال، اللواءان 13 و 20). ومع ذلك، فمن خلال استكمال تمويلها المتضائل من «قوات الحشد الشعبي» بفضل مخصصات من ضريحيْ كربلاء والنجف، تمكنت «العتبات» من الاستمرار في تأدية دور في القتال ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، والبقاء متماسكة بما يكفي لرفض الجهود التي بُذلت العام الماضي لاستبدال نائب رئيس «قوات الحشد الشعبي» المقتول أبو مهدي المهندس بأبو فدك (ولهذا السبب لا يزال يحمل لقب نائب الرئيس).

سيناريوهات مستقبلية لـ«العتبات»

في ظل إدارة ترامب، حظيت «العتبات» باهتمام كبير لأنها مثلت مجالاً واضحاً واجه فيه نفوذ إيران على الميليشيات مقاومة عراقية محلية، وإذا لم يتمكن السيستاني من حل «قوات الحشد الشعبي» ككل، فقد كان تفكيك «العتبات» ثاني أفضل خطوة، لأنه كان سيسحب 15 ألف جندي من سيطرة أبو فدك ويقوّض شرعية القيادة المهددة لـ«هيئة الحشد الشعبي»، وكان هذا الاحتمال المحيّر موضع ترحيب كبير لأنه كان مبادرة عراقية محلية حقيقية.

ومع ذلك، فمن خلال الضغط الشديد والعلني للغاية التي قامت به الإدارة الأميركية، يمكن القول إنها قضت على هذا التطور الناشئ، مما جعل أي خطوة فورية يتخذها السيستاني تبدو وكأنها تمت بإملاء من الولايات المتحدة، وبدا أن القوميين العراقيين على استعداد لاتخاذ هذه الخطوات بمفردهم، لكن صبر واشنطن نفد بسبب وتيرتهم البطيئة، ولحسن الحظ، أظهر العراقيون مؤشرات على القيام بجولة أخرى من الإصلاحات على «العتبات» حالما زال احتمال الظهور بمظهر القيام بتلبية أوامر الولايات المتحدة.

وتشمل الخيارات المتاحة النقاط التالية:

• ضم «العتبات» إلى وزارة الدفاع. بمجرد فصل وحدات الضريح بالكامل عن «قوات الحشد الشعبي»، فعندئذ يمكن تحويلها إلى تشكيلات جديدة في الجيش العراقي ونشرها في أي منطقة في البلاد، ويتطلب كل ذلك موافقة سياسية من السيستاني، على الرغم من أن تحويل الرواتب من «هيئة الحشد الشعبي» إلى وزارة الدفاع قد يصبح معقداً.

• جعل «العتبات» خدمة مستقلة. يتمثل الخيار الأمثل بالنسبة لقادة «العتبات»• وعلى الأخص قائد «فرقة العباس القتالية» ميثم الزيدي• في إنشاء وحداتهم كخدمة مسلحة جديدة ذات صلاحيات خاصة لحماية مدينتي كربلاء والنجف المقدستين (وربما توفير الأمن للرحلات الدينية أيضاً)، وتنتشر قوات «العتبات» أساساً بطريقة تحمي هاتين المدينتين من التهديدات من محافظة الأنبار المجاورة. ومع ذلك، ففي الوقت الحالي، لا يوجد أساس قانوني أو تمويل لإنشاء خدمة جديدة، كما أن أعضاء في مجلس النواب يعارضون ذلك بشدة.

• منح «العتبات» استقلالية أكبر ضمن «قوات الحشد الشعبي». هذه هي الحالة الواقعية أساساً حيث تتلقى «العتبات» الأوامر العملياتية من رئيس أركان الجيش العراقي الفريق الركن عبدالأمير يار الله، ولكن يمكن إضفاء الطابع الرسمي عليها من خلال وضع وحداتها تحت مسؤولية مكتب خاص ضمن «هيئة الحشد الشعبي»، بشكل يشابه «قوات الحشد العشائري» التي يقودها السنة. ومع هذا، فمن شأن ذلك أن يترك «العتبات» عرضة للإكراه المالي من قبل «منظمة بدر» و«كتائب حزب الله».

• منح «العتبات» قيادة «قوات الحشد الشعبي». من بين الخيارات الأخرى التي تمّت مناقشتها في البداية في عام 2019 تنصيب أحد قادة «العتبات» ليكون إما القائد المدني الأعلى لـ«قوات الحشد الشعبي» (ليحل محل فالح الفياض) أو كنائب رئيسها العسكري (ليحل محل أبو فدك)، ومن الناحية النظرية، سيسمح مثل هذه التنصيب لـ«العتبات» بإصلاح «قوات الحشد الشعبي» من الداخل، لكن إجراء مثل هذه التغييرات في القيادة سيتطلب جهوداً متضافرة ومجازفة من قبل السيستاني.

تداعيات السياسة الأميركية

قد تبدو قضية «العتبات» وكأنها مسألة متخصصة لكي تصب الولايات المتحدة تركيزها عليها، ولكن في العراق تُعتبر هذه الملفات نقطة اختبار عملية. لدى إدارة بايدن أيضاً فرصة لإظهار إدراكها لمدى تعقيد القضية ويمكنها التعامل معها بزخم أقل.

ويقيناً، لا تُعتبر أي من الخيارات المذكورة أعلاه الخاصة بـ«العتبات» مثالية من وجهة نظر أميركية، وسيكون من غير السليم إنشاء مؤسسة أمنية جديدة أخرى في العراق في وقت تواجه فيه الوكالات القائمة صعوبات للاستمرار، ولكن من الخطورة أيضاً إزالة وحدات قومية إلى حدّ كبير من «قوات الحشد الشعبي» وترك الساحة لأبو فدك لكي يتسلم زمام الأمور من دون اعتراض أو مراقبة. ومع ذلك، تتمتع جميع الخيارات الأربعة ببعض المزايا ويمكنها أن تجعل العراق في موقع أفضل، مما يقلل الضغط على الاهتمام الذي يجب أن توليه الولايات المتحدة والموارد التي يجب أن تستخدمها.

كما أن الوقت أمر بالغ الأهمية أيضاً، فالسيستاني في الحادية والتسعين من عمره، والقيادة الشيعية المنافسة في إيران تريد تقويض كربلاء والنجف كمركزين دينيين، لذلك يحتاج أتباع السيستاني إلى التنظيم والتسلّح بصورة عاجلة إذا كانوا يأملون صد الميليشيات التي تعمل بالوكالة عن طهران.

وفي النهاية، على العراق انتقاء الخيار الذي يجب عليه اتباعه لا إدارة بايدن، وستحظى السياسة المختارة بفرصة أفضل للنجاح إذا كان العراقيون هم الذين يقودون القرار، في حين أن الضغط الأميركي العلني قد يعرقله، حيث حدث ذلك كما يُقال في عام 2020. وإذا التزم المسؤولون من الولايات المتحدة وحلف «الناتو» والتحالف بالتشجيع الصامت وراء الكواليس لإصلاح «قوات الحشد الشعبي»، فبإمكانهم منح رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الميزة التي يحتاج إليها من أجل مواصلة الضغط لإجراء تغييرات إيجابية، وبغض النظر عن كيفية التعامل مع «العتبات» إدارياً، فإن عروض الدعم الأميركية لوحدات مختارة (على سبيل المثال، التدريب والتجهيز بمعدات غير قاتلة) قد يتم قبولها في النهاية، وفي غضون ذلك يمكن توفير هذا الدعم بشكل غير مباشر من خلال وزارة الدفاع. على واشنطن أيضاً أن تجمع شركاء مثل «البنك الدولي» و«حلف شمال الأطلسي» و«الاتحاد الأوروبي» و«برنامج الأمم المتحدة الإنمائي» لصياغة مشاريع تجريبية تساعد في «توزيع» أفراد «قوات الحشد الشعبي» في المهن المدنية (على سبيل المثال، التدريبات المهنية، وإعادة التأهيل الطبي).

وفيما يتعلق بـ«العتبات»، يجب أن تكون الأولوية الأكثر إلحاحاً لإدارة بايدن هي التخفيف بشكل استباقي من المشاعر المؤلمة التي سببتها الضربة الجوية على كربلاء في 13 مارس 2020، وقد يشمل ذلك دفع بعض التعويضات بصورة غير علنية لـ«مؤسسة ضريح الإمام الحسين» وفقاً لطلبها، أو توفير الدعم الطبي العيني وإعادة الإعمار، ويمكن لأي من الخطوتين إقناع «المؤسسة» بالتخلي عن التهديد برفع دعوى قضائية وتجنّب سابقة قانونية إشكالية. ولدعم مثل هذه الجهود، يجب على الإدارة الأميركية النظر في القيام بزيارات دبلوماسية إلى كربلاء للحفاظ على حسن نية السيستاني و«العتبات».

مايكل نايتس وحمدي مالك- واشنطن إنستيتوت