يدور نقاش في مختلف الأوساط، هذه الأيام، حول جدوى المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ومدى فائدتها للاقتصاد الكويتي، خصوصاً في أغراضها بعيدة الأمد؛ وهل توفر فرص عمل للشباب الكويتيين أو لا؟ ومدى تقديمها خدمات وسلعاً يحتاج إليها المجتمع، وهل تكرس قيماً سلبية كنزعات الاستهلاك أو تساهم في ارتفاع الأسعار! فضلاً عن التساؤل عن دور الصندوق الوطني للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، بصفته جهة ناظمة، في توفير بيئة استثمارية مناسبة للمبادرين من الشباب.

وسبب عودة هذا النقاش إلى الواجهة مجدداً هو قرار مجلس الوزراء، الأسبوع الماضي، القاضي بالعودة إلى الوراء في إجراءات الإغلاق الجزئي والكامل للأنشطة المختلفة من أندية صحية وصالونات ومطاعم ومقاه وغيرها، بعد ارتفاع لافت في حالات الإصابة بـ «كورونا»، وحالات العناية المركزة والوفيات، مما أثار ردات فعل قوية من ملاك هذه المشاريع، واعتبروه تهديداً مباشراً لأرزاقهم ومصالحهم يمكن أن يمتد أثره السلبي إلى شركات وبنوك أكبر، في سلسلة متوالية من الأضرار تزداد فيها شريحة المتضررين تباعاً، كلما طال أمد الأزمة الصحية، مما يرفع حجم الخلاف المجتمعي حول جدلية أيهما أهم؛ الصحة أم الاقتصاد، أو على الأقل كيفية التعامل مع الموقف بما يقلل من الضرر على مختلف القطاعات، فيما يعرف بـ»جودة إدارة الأزمة»، إن وجدت.

Ad

أقل وجاهة

وفي الحقيقة، فإن قرار الإغلاق الجزئي أو الكامل هذه المرة يبدو أقل وجاهة من سابقه في شهر مارس 2020، ففي تلك الفترة كانت الجائحة في أولها، وبالتالي فإن الخبرات في التعامل معها كانت محدودة واحتمالات المفاجأة عالية، ومرونة الجهات الصحية على الوقاية محدودة، أما الإغلاق الحالي إن كان -حتى الآن لم يرتبط بحظر للتجول- فهو لا يؤخذ من زاوية الصح أو الخطأ، إلا أن مبرراته أقل وجاهة، أو على الأقل يطرح أسئلة حول أمور ذات صلة كأسباب بطء عملية التطعيم خلال الفترة الماضية -أعلنت وزارة الصحة هذا الأسبوع تسريع عملية التطعيم- أو أسباب التهاون في التعامل مع حالات انفلاتٍ لتجمعات اجتماعية ودينية وانتخابية تكررت بشكل معلن خلال الأشهر الماضية، أو مدى الجرعة السياسية في قرارات فتح الطيران لدول لا تخلو من حالات تفشٍّ للفيروس... وهذه كلها اعتبارات تقلل من فاعلية قرار الإغلاق الحالي وتجعل أثره في احتواء الموجة الثانية محدوداً.

أعمق من الأثر الوقتي

وبالعودة إلى أوضاع المشروعات الصغيرة، فالمسألة أعمق من مجرد الأثر الوقتي المتعلق بالإغلاق الحالي، فالمصاعب التي تواجه هذا القطاع عميقة ولا تناسب الإنفاق المالي لرأسمال الصندوق الوطني للمشروعات الصغيرة والمتوسطة البالغ ملياري دينار؛ فالمصاعب هنا متنوعة تبدأ بكيفية الحصول على التمويل وفرص العمل وتوافر الأراضي لإقامة المنشآت والمصانع، فضلاً عن العراقيل الخاصة بالإجراءات البيروقراطية في مختلف جهات الدولة ذات العلاقة، وهذه كلها عوامل جعلت أوضاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة أقل مما تهدف إليه الدولة من غرض إنشاء الصندوق الوطني، الذي يبدو أنه مكمن الخلل بصفته جهة ناظمة مقصرة في أداء أعمالها.

فمثلا الصندوق، الذي حصل بموجب قانونه على أحقية تخصيص 10 في المئة من أي اراضٍ صناعية تطرحها الدولة بحيث تكون مخصصة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، يعاني إخفاقاً في توزيع هذه الأراضي للمبادرين، مما يخفف عنهم أعباء مالية ضخمة، فضلا عن أن الصندوق الغارق في مشكلات وصراعات إدارية منذ تأسيسه موّل 1380 مشروعاً منذ انطلاقه، منها 870 مشروعاً فقط بعقود نهائية، وفي المتوسط السنوي للمشاريع الفعلية للصندوق نجد أنها بلغت 124 مشروعاً تقريباً في العام الواحد، وهو ما يناقض الخطة الاستراتيجية للصندوق نفسه التي تستهدف تمويل 600 مشروع صغير ومتوسط في العام الواحد، كذلك أنفق الصندوق 220 مليون دينار، خلال 7 سنوات، أي ما يعادل 11 في المئة فقط من رأسمال الصندوق البالغ ملياري دينار.

تنمية القطاع

وعلى صعيد العمالة الوطنية، وهي هدف جوهري من أهداف تأسيس الصندوق، نجد أن المشاريع المعتمدة فعليا من الصندوق وفرت فرص عمل للشباب الكويتي بحدود 2000 وظيفة بمعدل 2.29 وظيفة لكل مشروع، مع أن أهداف «الصندوق الوطني» المعلنة رسمياً تشير الى ان المشاريع المستحقة للدعم هي توظيف من 1 إلى 50 موظفاً كويتياً لكل مشروع. ونحن هنا أمام أرقام سلبية لدولة يعتبر ملف إصلاح سوق العمل فيها واحدا من أهم مفاتيح الاصلاح الاقتصادي.

واقع المشروعات الصغيرة والمتوسطة بمصاعبها يبين جانباً من اختلالات الاقتصاد، فعرقلة مبدأ المبادرة ليس من مصلحة أحد، لا الدولة ولا المبادرين، مما يتطلب تنمية هذا القطاع كمدخل للاصلاح الاقتصادي، وهذا الأمر لا يرتبط فقط بفترة الجائحة، بل يتعداه الى المدى الطويل، بما يحول تلك المشروعات الى صناعة وسوقٍ لقطاعات خدمية وغذائية وتكنولوجية وصناعية وتعليمية وغيرها، بحيث تقدم للمجتمع خدمات متنوعة وللاقتصاد فرص عمل، بما يعود على أصحابها بأرباح ومنافع على المدى الطويل.

محمد البغلي