لست متخصصاً في علم الفيروسات لأناقش موضوع كورونا ولا لقاحاته وإجراءات التحوط منه، فمعرفتي به معرفة السلام عليكم يا كمام وعليكم السلام يا لقاح، وحالي حال عادل إمام وشهادته حول جارته الراقصة المقتولة في مسرحيته الشهيرة: فوق أنها كانت رقاصة كانت بترقص، نعم هذه حدود معرفتي لكورونا، وأضيف بأنه فوق أنه فيروس كان بيعدي ولذلك الشيء الوحيد الذي يمكن أن أطرحه أرضا هنا هو المسرح السياسي والاجتماعي الذي يصول به ويجول هذا الفيروس المزعج.

حكايتنا مع الأوبئة ليست جديدة، فتاريخنا شهد غزوا وبائيا خلال مراحله كافة حتى أرخت السنوات بأسماء الأوبئة كسنة الطاعون وسنة الرحمة وسنة الجدري وغيرها، وربما كان غياب وسائل الإعلام الحديثة بشقيها التقليدي والتواصلي حينها عاملا مساهماً في تخفيف الأهوال التي مر بها الأجداد، فلك أن تتخيل أن نشرات وزارة الصحة كانت موجودة آنذاك وتتضمن عدد الوفيات الذي تجاوز ثلاثة أرباع السكان في سنة الطاعون ١٨٣١ كمثال، أو أن تطلق على سنة الإنفلونزا الإسبانية ١٩١٨ "سنة الرحمة"، وهو لقب لطيف وظريف لا يناسب عدد الوفيات المهول حينها، والذي تجاوز الآلاف لكنه مع ذلك كان مناسبا لمشاعر الكويتيين كون إنفلونزا الإسبان بالقرن العشرين كانت أرحم بهم من وباء الطاعون المدمر الذي تنقله لهم ذكريات القرن التاسع عشر!

Ad

ورغم هذا كان الشيء الواضح حينها أن الروح الوحيدة التي لم يمسسها سوء خلال فترات الوباء كانت روح الكويت، نعم وبشهادة التاريخ بقيت الكويت والروح تسكنها لأن أبناءها كانوا يحيطون بها إحاطة السوار بالمعصم، ولم تذهب مع الذاهبين لأن أبناءها كانوا ذهباً يلمع وسط دخان الأزمات، ولم تنحنِ لأن هامات أولادها ترفع ظهرها وتسنده كلما زاد صرير الرياح والعواصف، كان هذا اللقاح الوطني هو الحامي لها بعد الله.

واليوم نحتاج إلى تطعيم وطننا وحمايته باللقاح الوطني ذاته المصنع في أرقى مختبرات تاريخنا، هذا اللقاح المهم الذي يعطيه مناعة ضد فيروسات التكسب والطائفية والمصلحة الذاتية وبناء المراكز على خرائب الوطن، فإن سلم الوطن من هذه الفيروسات فكل ما يأتي بعد هذا هين والقضاء على فيروس كورونا تحصيل حاصل، فمناعة الوطن هي مناعتنا جميعا، ويبقى ما سوى ذلك حلقة من حلقات عقد تاريخنا وستمضي كما مضى غيرها.

وللحصول على هذا اللقاح الوطني وبجرعة مناسبة تعيننا قبل وطننا علينا التفكير أبعد من أرنبة أنوفنا وموضع أرجلنا والسعي لتجاوز عقبات تعوق التئام وحدة صفنا وراء إمامنا الوطن الواحد، عقبات كتسويق حسم المصالحة الوطنية لطي ملف الصراع السياسي عبر تعاون كل الأطراف وعدم وضع العصا في دواليب الحل، وعقبات الحسد التي تقوم على نظرية: "يا فيها يا أخفيها" التي تعرقل كل إصلاح اقتصادي، وعقبات الترهل الإداري والعجز عن مسايرة عالم ما بعد كورونا، وهذا يحتاج لضخ كفاءات جديدة، وعندنا منهم الكثير بفضل الله، وعدم الاعتماد على الخطط الورقية والتصاريح الأوبرالية وحدها، فهي وحدها لا تغني ولا تسمن من جوع، وتشبه قصة الصمصامة سيف الفارس عمرو بن معدي كرب والذي طلب الخليفة عمر، رضي الله عنه، رؤيته فلم ير فيه شيئا مميزا، فسأل عمرو عنه فقال: "إنما بعثت إلى أمير المؤمنين بالسيف، ولم أبعث بالساعد الذي يضرب به"، نعم هو هكذا التطبيق أصدق أنباء من الخطط في حده الحد بين الجد واللعب.

بالنهاية لا تتخاصموا في وقت الأزمات فتذهب الريح بروح وطنكم، وحافظوا عليه، وتذكروا أن أفضل لقاح لها هو أنتم ففيمَ الخصام وأنتم الخصم والحكم؟

فالح بن حجري