أصدر رئيس «السلطة الفلسطينية» محمود عباس مرسوماً يدعو إلى إجراء انتخابات تشريعية وأخرى رئاسية وطالب بإعادة تشكيل «المجلس الوطني الفلسطيني»، وحتى لو تجاوزت «فتح» و«حماس» بطريقة ما العقبات السياسية الشاهقة نفسها التي عاقت المراسيم السابقة، فإن الانتخابات لا تنطوي على احتمالية تُذكر للمصالحة بين قادتهما ومؤسساتهما الراسخة في أي وقت قريب.

في 15 يناير، أصدر رئيس «السلطة الفلسطينية» محمود عباس مرسوماً يدعو إلى إجراء مجموعتين من الانتخابات هذا العام: انتخابات تشريعية في 22 مايو ورئاسية في 31 يوليو، كما طالب بإعادة تشكيل «المجلس الوطني الفلسطيني» في 31 أغسطس. وإذا أجريت هذه الانتخابات، فستكون الأولى التي تجريها «السلطة الفلسطينية» منذ عام 2006، وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها طرح مثل هذه الدعوات، لكن المرسوم الجديد يذهب إلى أبعد من الإعلانات السابقة.

Ad

ومع ذلك، تثير الديناميكيات السياسية الحالية شكوكاً جدية حول ما إذا كانت الانتخابات ستُجرى بالفعل، فلم تقدّم «السلطة الفلسطينية» وحركة «حماس» أي ضمانات بأن إجراء التصويت سيكون حراً وعادلاً أو أنه سيتم احترام النتيجة، وبالتالي، بدلاً من التركيز على انتخابات غير محتملة، يجب على «السلطة الفلسطينية» والجهات الفاعلة الأخرى إعطاء الأولوية للجهود الرامية لتوضيح الخلافة الفلسطينية، وإجراء الإصلاحات المطلوبة بشدة، وإعادة تأسيس العلاقات الأميركية الفلسطينية.

تموضع أكثر من مجرد انفراجة

بعد فوز عباس بآخر انتخابات رئاسية فلسطينية في عام 2005، أُجريت انتخابات لـ«المجلس التشريعي الفلسطيني» بعد ذلك بعام، وفازت «حماس» في تلك الانتخابات، وأثار ذلك سلسلة من الأحداث بلغت ذروتها باستيلاء «حماس» بالقوة على قطاع غزة عام 2007، وتقسيم النظام السياسي الفلسطيني. ووَعَدَ عدد من اتفاقات المصالحة الفاشلة بين «حماس» وحركة «فتح» التي يقودها عباس بإجراء انتخابات منذ ذلك الحين لكنها لم تُجر قط.

ونتيجة لذلك، لا يمكن لأي مؤسسة وطنية فلسطينية أن تدّعي شرعيتها الانتخابية اليوم، وبدلاً من ذلك، عززت «حماس» و«فتح» سيطرتهما بثبات على مناطقهما في غزة والضفة الغربية، على التوالي، وقامت الأجهزة الأمنية لكل منهما بقمع مؤيدي الحركة الأخرى بقوة، كما قامت كل حركة بتعبئة بيروقراطيتها وقضائها بالموالين لها، وبعد أكثر من عقد من الزمن، لم يعد الانقسام الفلسطيني مجرد شقاق سياسي، بل حقيقة مؤسسية راسخة بعمق.

ولطالما أولى الشعب الفلسطيني أولوية قصوى لإنهاء الانقسام، حيث يلوم كلا الطرفين على استمراره ويحمّلهما المسؤولية بالتساوي. وقد وقّع الجانبان العديد من اتفاقيات المصالحة استجابةً لضغوط الرأي العام، لكنها فشلت جميعاً في حل الخلافات الأيديولوجية العميقة، والأسئلة الأساسية مثل مصير الميليشيا المسلحة لـ«حماس»، ومصير آلاف الموظفين المدنيين الذين عينتهم الحركة منذ عام 2007، ودورها المستقبلي في «منظمة التحرير الفلسطينية» الجامعة.

ولم تنبع الدعوة الحالية للانتخابات من انفراجة في أي من هذه الخلافات القائمة منذ فترة طويلة، بل من نمط مألوف من المواقف المتبادلة، ففي أواخر ديسمبر، أعلنت «حماس» أنها ستتخلى عن مطلبها السابق بإجراء انتخابات للمجلس التشريعي، والرئاسة، و«منظمة التحرير الفلسطينية» في آن واحد، وبدلاً من ذلك وافقت على مطلب عباس بإجراء هذه الانتخابات على التوالي. وهذه الخطوة التي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة وضعت عباس في مأزق، لذلك أصدر مرسومه في 15 يناير لتجنب اعتباره الشخص الذي يعوق الانتخابات، ومع ذلك لا تزال جميع العقبات المذكورة أعلاه حول إجرائها قائمة، وإذا تم إجراء الانتخابات على الرغم من الاحتمالات الضّئيلة، فإن كلا الجانبين يتخذ بالفعل خطوات عملية لتوجيه طريقة إجراء عملية التصويت، وربما إلغاء النتيجة.

لماذا قد يفقد المرسوم زخمه؟

رحّبت كل من «حماس» و«فتح» علانية بإعلانات بعضهما، إلا أنهما لن تكسبا إلا القليل وستخسران الكثير من إجراء الانتخابات. فكل جانب يسيطر بإحكام على أراضيه، ولم يشر أي منهما إلى أي استعداد لتخفيف قبضته، ورغم أن «حماس» عرضت في السابق التخلي عن بعضٍ من نطاق سيطرتها المدنية في غزة، فإن موقفها لا يزال متشدداً بشأن التخلي عن السيطرة الأمنية تحت أي ظرف من الظروف، وقد ردت بقسوة على أي عناصر تحدَّت سلطتها، بدءا من «فتح»، مروراً بمنظمات المجتمع المدني، وانتهاءً بالجماعات السلفية. وفيما يتعلق بالرأي العام، لا تزال «حماس» تتصدر استطلاعات الرأي في غزة بسبب عقوبات «السلطة الفلسطينية» المفروضة على القطاع في السنوات الأخيرة، لكنها بعيدة كل البعد عن ضمان أغلبية انتخابية ساحقة بالنظر إلى عدم الرضا على المدى الطويل عن حكمها. وبناءً على ذلك، أعربت شخصيات مهمة داخل «حماس»- من بينها المسؤول الأقدم محمود الزهار- عن مخاوفها بشأن الانتخابات.

وبالمثل، لم يُظهر عباس أي استعداد للتخلي عن السلطة في الضفة الغربية، وحتى لو فازت «فتح» في الانتخابات النيابية، فمن غير المرجح أن تكسب الأغلبية الواسعة التي سيحتاجها عباس لتجديد شرعيته، لأن استطلاعات الرأي تُظهر باستمرار أن المنافسة بين الجانبين متقاربة في أي تصويت، ووفقاً لاستطلاع للرأي أجراه «المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية» في أراضي كلا الجانبين، قد يصوت 34 في المئة من المستطلعين لـ«حماس» و38 في المئة لـ«فتح». كما أن السباق المتقارب قد يعرّض للخطر سياسات عباس القائمة منذ فترة طويلة كالتعاون الأمني مع إسرائيل واستهداف البنية التحتية الإرهابية لحركة «حماس» في الضفة الغربية.

وقد يكون للانتخابات تداعيات على سياسات «فتح» الداخلية أيضاً، مع تشكيل فصائل جديدة بين الطامحين لخلافة عباس، فقد أدى جبريل الرجوب دوراً محورياً في الوصول إلى تفاهمات هذا الشهر، وهو يحث على إجراء الانتخابات، لكن بعض منافسيه يعارضون ذلك، كما قد تسمح الانتخابات بعودة خصم عباس المنفي، محمد دحلان إلى الضفة الغربية، وعلى الرغم من منعه من الترشح، فإن رئيس جهاز الأمن السابق في غزة لا يزال يحظى بدعم كبير من ناشطي «فتح» في القطاع، ويعود ذلك جزئياً إلى أن «حماس» سمحت لمؤيديه بالتمتع بحرية عمل أكبر من تلك التي منحتها لفصيل عباس. وإذا قرر مروان البرغوثي، أحد قياديي «فتح» المسجونين [في إسرائيل]، الترشح- لا سيما بدعم من دحلان وبالتعاون مع فصيل ناشئ بقيادة ناصر القدوة- فقد يحدث انقسام كبير داخل الحركة.

ولعل الأهم من ذلك أن الانتخابات التي تعيد «حماس» إلى داخل نظام «السلطة الفلسطينية» أو تضعها على رأسها يمكن أن تهدد الهدف الرئيس للسياسة الخارجية لعباس، وهو إعادة إرساء العلاقات مع الولايات المتحدة، ومن المتوقع حالياً أن تقوم إدارة بايدن بإبطال بعض جوانب سياسة ترامب تجاه «السلطة الفلسطينية» من خلال محاولة إعادة التواصل، وفي النهاية، إعادة بعض المساعدات الاقتصادية، وكانت معظم الخطوات التي اتخذها عباس منذ ظهور نتائج الانتخابات الأميركية، موجهة نحو معاودة الانخراط مع واشنطن بسرعة عندما يحين الوقت. لذلك، فمن شأن إجراء الانتخابات الفلسطينية أن يثير قضايا قانونية وسياسية تؤدي إلى حد كبير إلى تعقيد هذه العملية أو ربما منعها. كما سيثير توترات مع «الأردن» و«مصر» اللتين تنظران إلى «حماس» بريبة كبيرة وأبدتا مخاوفهما من الانتخابات مباشرة لعباس.

وفي الوقت الحالي، تصر «حماس» على إشراف قواتها الأمنية على أي عملية انتخابية في غزة، في حين أصدر عباس قرارات تشدّد قبضته- القوية أصلاً- على القضاء قبل ساعات فقط من صدور مرسوم الانتخابات، ومن المرجح أن تكون مثل هذه الإجراءات نقاط الخلاف عندما تجتمع الفصائل الفلسطينية في القاهرة مطلع الشهر المقبل لمناقشة إجراء الانتخابات.

وهناك عقبة أخرى محتملة تتمثل في ضمان تعاون الإسرائيليين الذين يجب أن يوافقوا على إجراء الانتخابات في القدس الشرقية والامتناع عن القيام بعمليات ضد عناصر «حماس»، وعلى الرغم من إثارة قضية القدس الشرقية وحلها في الانتخابات السابقة، فإن كلا المسألتين لا تزالان موضع خلاف كبير، واليوم أكثر من ذي قبل حيث تستعد إسرائيل لإجراء انتخاباتها الخاصة في مارس.

الخاتمة

وفقاً للاستطلاع الفلسطيني المذكور أعلاه، أثار المرسوم الجديد الحماسة في مجتمع يُقال إن ثلاثة أرباعه على الأقل يرغبون في الانتخابات، ومع ذلك فشلت مبادرات مماثلة في الماضي بسبب العوامل التي لم تتغير اليوم، وفي حين يتخطى الطرفان التصريحات العلنية ويبدآن بالتعامل مع الآليات والشروط، فمن المرجح أن تؤدي خلافاتهما الجوهرية إلى عرقلة العملية مرة أخرى.

وحتى لو أجريت الانتخابات، فإن عدم استعداد «حماس» و«فتح» الواضح للتنازل عن نسبة كبيرة من السلطة على أراضيهما سيعمّق على الأرجح أزمة الشرعية الفلسطينية الحالية بدلاً من حلّها. وكما أظهر تصويت عام 2006، فإن الانتخابات التي تجري في بيئة مشحونة سياسياً دون شروط مرجعية واضحة أو مؤسسات قوية يمكن أن تضر أكثر مما تنفع.

من هنا، على الولايات المتحدة، بدلاً من التركيز على الانتخابات، أن تعمل مع «السلطة الفلسطينية» وحلفائها في المنطقة من أجل تحقيق الاستقرار في المشهد السياسي في الضفة الغربية مع ضمان عدم تدهور الوضع الإنساني في غزة إلى حد أكبر، ومن الأولويات أيضاً تحديد آلية الخلافة الفلسطينية بالنظر إلى تقدم عباس في السن وعدم الاستقرار الذي قد يترتب عن رحيله المفاجئ. بالإضافة إلى ذلك، فإن سوء الإدارة والتصورات شبه الشاملة للفساد قد قوّضت بشكل كبير الشرعية المحلية لـ«السلطة الفلسطينية». لذلك يجب على واشنطن أن تفكر في استعمال المساعدات- بمفردها وبالتنسيق مع الجهات الدولية المانحة- بطريقة تدعم الإصلاح المؤسسي في «السلطة الفلسطينية».

وأخيراً، يجب على المسؤولين الأميركيين تشجيع إسرائيل و«السلطة الفلسطينية» على اتخاذ إجراءات ملموسة على الأرض تسهم في الحفاظ على الاستقرار وتعيد طرح فكرة التعاون، والبدء بإعادة بناء الثقة بين الجانبين.

غيث العمري - واشنطن إنستيتوت