تشير الأرقام الرسمية المعلنة من وزارة الصحة إلى أن عملية توزيع اللقاحات المضادة لفيروس كورونا تسير ببطء شديد، بما يجعل فرصة الوصول إلى ما يُعرف بـ "المناعة المجتمعية" أمراً بعيد المنال، رغم كل الأضرار التي سببتها الجائحة على مختلف أوجه الأنشطة في الكويت، خصوصا الاقتصاد والتعليم والخدمات الصحية العامة والصفوف الأمامية، في وقت شهدت الأيام الماضية ارتفاع الاصابات الجديدة بالفيروس والحالات الخاضعة للعناية المركزة في البلاد، بما بين 20 و25 في المئة.

فحسب المعلومات المتوافرة حتى يوم الثلاثاء الماضي، فقد تم تطعيم حوالي 40 ألف حالة في الكويت (غير محدد إن كان العدد للجرعات أم الأشخاص) من أصل 2.7 مليون شخص مستهدف في خطة الوزارة، أي بنسبة 1.48 في المئة فقط من إجمالي المستهدفين في حال اعتبار أن هذه الجرعات موجهة لـ 40 ألف شخص بـ 80 ألف جرعة، مما يعني أيضا بنسبة 53.3 في المئة من إجمالي الأشخاص المخصصة لهم الجرعات المتوافرة من لقاح شركة فايزر (75 ألف شخص) - مع استبعاد حساب دفعتين من اللقاح نفسه لم يعلن حجم كمياتهما -

Ad

وبمعدل 1420 جرعة في اليوم اعتبارا من بدء التطعيم في 26 ديسمبر 2020 - بعد استبعاد أيام العطل الرسمية - مع أن وزارة الصحة كانت تستهدف، حسب تصريح وزيرها، التطعيم بـ 10 آلاف جرعة في اليوم الواحد، في حين تسلّمت الوزارة، فجر أمس الأول، شحنة من 200 ألف جرعة من لقاح "أسترازينيكا"، مع وعد بـ "تسريع" توزيع اللقاح في المجتمع، دون إعطاء رقم أو هدف محدد لتحديد عملية السرعة من عدمها.

هذه الأرقام والنسب تشير الى أن الكويت تعدّ واحدة من أبطأ دول العالم في توزيع اللقاحات، في وقت تعتبر وزارة الصحة أن تفوّق دول أخرى، ومنها خليجية، على الكويت في توزيع اللقاحات يرجع الى أن هذه الدول استخدمت لقاحات صينية وروسية لم تحظَ بدرجة كافية من العناية البحثية والمختبرية كي يتم اعتمادها محليا، وهذا قول، رغم وجاهته من الناحية الطبية، فإنه لا يبرر البطء اللوجستي الحاصل في تنفيذ التطعيم للقاحات المعتمدة بحثيا ومختبريا ومتوافرة في الكويت ما بين معلن عن حجمها أو غير معلن بما يتجاوز 500 الف جرعة.

تحديد المسؤولية

ولتحديد المسؤولية، فإنه من الظلم تحميل وزارة الصحة عبء التأخر في استيراد اللقاحات، لكونها مشكلة عالمية خاضعة للعرض والطلب والقدرة على سرعة الإنتاج وغيرها من العوامل الأخرى، لكن الإخفاق الذي تتحمل الوزارة مسؤوليته هو بطء توزيع اللقاحات المتوافرة للوصول بأسرع ما يمكن نحو المناعة المجتمعية، وبالتالي، فإن قلّة المتاح من كميات اللقاح في أي دولة يعد مدعاة لتسريع عملية التطعيم، خصوصا على الفئات الأكثر احتياجا من الصفوف الأمامية وكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، لتخفيض مخاطر انتشار أي موجة أو تحوّر جديد للفيروس على المجتمع.

عواقب وآثار

عواقب مسألة بطء التطعيم ليست صحية محضة، فالآثار المترتبة ذات طابع أشمل، خصوصا على الأعمال والاقتصاد، فلم يعد لأصحاب الشركات، خصوصا الصغيرة والمتوسطة، كثير من القدرة على المقاومة والاستمرار أمام أي قرارات تتعلق بإغلاقات الأنشطة أو حظر التجول، وما يترتب عليهما من خسائر مالية تمتد آثارها الى قطاعات أخرى مهمة، كالبنوك والعقار، وأيضا استثمارات مئات الآلاف من المواطنين لمدخراتهم في البورصة، الى جانب خسائر الشركات

وحتى المال العام من تراجعات البورصة، ناهيك بتعطّل مصالح كيانات وأفراد بسبب تفشي الفيروس وانتشاره، وهذه كلها كانت إجراءات ضرورية في بداية انتشار الجائحة، لضبابيتها

وعدم توافر أي إجراء دفاعي، لكنّ اتخاذ إجراءات مثل الإغلاق أو حظر التجول، مع وجود اللقاح، اليوم، سيكون دليلا على فشل السلطات الصحية في احتواء الموقف، فيما يدفع الاقتصاد ضريبة هذا الإخفاق.

وتمتد الآثار المترتبة أيضا الى التعليم شبه المتوقف منذ نحو عام، في وقت يبدو التعليم الإلكتروني، خصوصا في التعليم العام للمراحل الابتدائية، غير مجدٍ، لا سيما للفئات في مجال التأسيس والتعليم الأوّلي كأهم مراحل التعليم، ويزيد هذا البطء كذلك من الضغط على أعمال الصفوف الأمامية، كالقطاع الصحي أو الأمني، اللذين تحمّل كل منهما عبئا كبيرا خلال الجائحة في التصدي، لا يمكن أن يخفف الضغط عنهما في أي موجة قادمة إلا التوسع بتوزيع اللقاح في المجتمع، خصوصا الفئات المرشحة للتأثر بأعراض المرض، مثل كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة.

اختبار جديد

تقف السلطات الصحية، اليوم، أمام اختبار مهم لتجاوز إخفاقاتها السابقة والتي تهاونت فيها مثلا في فترة ما بالقيام بالعدد اللازم من حملات المسح والفحص الخاص بتفشي الفيروس، فهي أمام فرصة للتوسع في تطعيم أكبر عدد ممكن من الناس بأسرع وقت، للحد من مخاطر انتشار الفيروس، ولتقليل الكلفة على المتضررين، خصوصا الاقتصاد الذي يخبرنا أن المفاهيم وسط الجائحة تغيّرت كثيرا، وأن الإجراءات الخاصة بالتحفيز الاقتصادي لحماية الكيانات والشركات لم تعد مرتبطة بإنفاق مليارات الدولارات، كما كان الأمر عند بداية الجائحة، بل بالمناعة المجتمعية عبر اللقاحات التي تعطي الاقتصاد وغيره من الخدمات الضرورية، كالتعليم، فرصة العمل مجددا لتجاوز آثار الجائحة.

محمد البغلي