يمكن التأريخ بالقول إن بداية صعود القوى الشعبوية في الكويت جاءت بعد ذوبان المنبر الديمقراطي العتيد تحت مظلة التحالف الوطني الجديد، وذلك بالتزامن مع مرحلة اختفاء الأسماء الوطنية التاريخية الكبيرة، كوفاة سامي المنيس، وسقوط الربعي ومن ثم مرضه واعتزاله ووفاته، وكذلك اعتزال عبدالله النيباري، بعد رحلة نضال "حقيقي" ممتدة من تأميم النفط والرصاصات الغادرة وما بينهما الكثير، أطال الله في عمره.

شعور أفراد الطبقة الوسطى بالفراغ، إن صح التعبير، وبأنهم بلا غطاء سياسي يحميهم أو ممثل يدافع عن مكاسبهم، ازداد بعد سيطرة أبناء الطبقة التجارية الوطنية والليبراليين على القرار في التجمع الوليد، أو هكذا بدا للعيان، فقد كان وجود تيار سياسي وطني تاريخي يدافع عن مصالح الطبقة الوسطى كفيلاً بأن يُشعر أفرادها بالاطمئنان نسبياً لوجود ممثل لهم، حتى لو لم يكونوا من المنتمين له أو حتى المصوتين له، هنا برز الشعبويون منتهزين هذا الفراغ السياسي على الساحة بمطالبات تبذيرية رغبوية بنكهة قبلية أكثر منها اشتراكية أو عادلة، تلعب على وتر المشاركة بالثروة المتاحة والتبديد الجماعي، دون أدنى رؤية للمستقبل أو كيفية تنمية وتوليد المداخيل، وبمواقف وممارسات سياسية متوترة ظاهرها الإصلاح وباطنها الفساد، مع استغلال شعارات يسارية تحررية لغايات يمينية رجعية، كل ذلك سهّل تمرير وقبول أغلبها اجتماعياً، كونها صدرت بلا عناوين أيديولوجية رئيسية مباشرة توضح حقيقتها، ومن غير الالتزام بأية مبادئ ثابتة لتسهيل التناقضات والالتفافات والانتقائية الفئوية في المحاسبات السياسية، دون الحاجة للشعور بأدني مسؤولية أدبية أو سياسية أو أخلاقية.

Ad

اليوم لا يوجد على الساحة ممثل مبدئي وثابت عن الطبقة الوسطى، سوى الحركة التقدمية، لكن العين بصيرة واليد قصيرة، ومع شعبويين أمثال هؤلاء يسهل ادعاء الانضمام لهم والانفصال عنهم، بنفس الوقت لا يمكن تحقيق أية مكاسب حقيقية للمواطن العادي، بغض النظر عن انتمائه الفئوي أو المذهبي، ومع اندفاعهم وتوترهم وتمردهم المستمر بلا قضية أو ثوابت مبدئية يسهل ركوبهم والنزول عنهم من قبل القوى الدينية، سواء كانوا إخواناً أو سروريين أو دواعش أو غيرهم ممن يملكون الخبرة، والمشروع بعيد المدى يجعلهم معاول هدم وعودة للوراء، لا أمل يرتجى من ورائهم، ولا حل إلا بعودة التيارات السياسية كالمنبر مثلاً إلى حالتها الطبيعية الأولى، والسلام ختام يا مواطن.

فهد البسام