على الرغم من أن الغيرة شعور طبيعي، فإن أغلبنا يواجه صعوبة في الاعتراف بأنه يشعر بالغيرة من شخص ما، فنحن نعترف بحزننا أو غضبنا وشتى أطياف المشاعر لكننا نكبت غيرتنا، فهي إقرارٌ منا بتفوق الآخر علينا وقصورنا البشري. يفضل الكثيرون عدم الاعتراف بهذا الضعف الإنساني والتهجم على الضحية المتفوقة عوضاً عن ذلك، وها هم يبحثون عن شتى النواقص والعيوب فيها لإرضاء غرورهم بدلاً من تقبل الهزيمة بروح رياضية.

جميع المشاعر الإنسانية وُجدت في الأنفس لصقلها والحفاظ عليها، فالخوف المنطقي يحميها من الأذى، والغضب- بحدود- يُبعد العدوان عنها، فما محاسن الغيرة يا ترى؟

Ad

قد تكون الغيرة باباً لتحسين الذات، فنجاح الآخرين قد يدفعنا نحو صنع نجاحنا الخاص، وهي كذلك دافع لتطوير مختلف مهاراتنا إلى أقصى مراحلها، فلا توجد جودة حقيقية إن كان الكل رابحين دون منافسة، ولا معيار عادلا دون مفاضلة حاسمة في تحدٍ على المحك.

كذلك فإن الغيرة مرآة صادقة وصريحة تعكس لنا عيوبنا وأماكن الخلل في أدائنا كي نستطيع تطويره، ثم إن هذه المرآة ترينا الإمكانات الشاسعة لتنمية ذواتنا وسلك طرق لامتناهية للنجاح. ولنذكر أنفسنا دائماً أنه إن تفوق علينا شخص في مجال ما فنحن قد نكون أفضل منه في مجالات أخرى، لذا فالمقارنة غير عادلة ولا نجني منها شيئاً سوى الضيق وعدم الرضا. هكذا نتعامل مع غيرتنا من الآخرين بأفضل صورة، فنحن نعترف بضعفنا البشري بشجاعة ثم نهنئ الآخر على نجاحه ومن ثم نعمل بجد نحو النجاح بنزاهة دون حقد أو تحطيم للآخرين.

وماذا إن كنا نحن ضحايا للغيرة؟ قد لا يكون ذلك واضحاً في البداية، لكن إذا لاحظت شخصاً ما شديد المقاومة والنقد لك وتتبع أخبارك بشراسة– بل يسعى إلى تشويه صورتك لدى الآخرين أو تجنبك دون سبب- فاعلم أن الغيرة تلتهب في أعماقه، فكيف نطفئ هذه النيران؟

من أفضل طرق التعامل مع هؤلاء مشاركتك لهم خيرات نجاحك وثمراته والثناء على ما يميزهم من مواهب ومهارات، وكذلك التواضع والاعتراف بفضل الآخرين عليك في نجاحك، وتوضيح أن النجاح ليس مجهوداً فردياً. أيضاً بإمكانك إعطاءهم الأضواء والجانب الأكبر من الحديث، فغالباً ما يكون نقص الثقة بالنفس وبالآخرين سبباً أساسياً للغيرة، ويمكنك إلهامهم وتشجيعهم كي يتذكروا أن أبواب النجاح تسع الجميع.

للأسف، فقد لا تنجح كل هذه الاستراتيجيات في مداواة بعض القلوب المريضة التي لا يطفئ نارها سوى التراب، اتركهم يرحلون بسلام واستمر في نجاحات فأنت لست مسؤولاً عن "علاج" الآخرين نفسياً، خصوصاً إن لم يكونوا مستعدين لذلك وقد اتخذوا الحقد والغيرة كأسلوبي حياة. التواضع صفة نبيلة تقيك من نيران الحسد لكن إياك أن تخفت من بريق نجاحاتك لإرضاء الآخرين أو باسم "الحفاظ على مشاعرهم"، فمن يحبك فسيتمنى لك الخير ويفرح لفرحك حتى إن لم يصل إلى مبتغاه بعد.

دانة الراشد