مع اعتماد مؤسسة البترول لتشكيل فريق إعادة الهيكلة الشاملة للقطاع النفطي المختص، بالتعاون مع الفريق الاستشاري المناط به وضع نظام الحوكمة وإعادة الهيكلة ورسم منهجية وخطة إدارة التغيير؛ تعود إلى الواجهة خطة دمج الشركات النفطية التابعة لمؤسسة البترول، المطروحة منذ عام 2008، والتي تم اعتمادها العام الماضي في مسعى لدمج الشركات النفطية الحالية في 4 كيانات رئيسية.

ومن المتوقع أن يفضي الدمج في نهاية المطاف إلى توحيد الأعمال المتشابهة، مثل دمج شركتي نفط الكويت ونفط الخليج في قطاع الإنتاج، وشركات البترول الوطنية وكيبك والكيماويات البترولية في قطاع التكرير، والشركات العاملة خارج الكويت كالبترول العالمية والاستكشافات البترولية الخارجية (كوفبك) في قطاع الاستكشاف، أما القطاع الرابع فيضم التسويق العالمي في مؤسسة البترول مع شركة ناقلات النفط ضمن قطاع النقل والتسويق.

Ad

ولا شك أن لدمج الشركات النفطية، إن تحقق، منافع تتجاوز مساعي المؤسسة في تقليص المصروفات، شرط أن يكون ضمن إعادة هيكلة جذرية للقطاع النفطي الكويتي، بما يأخذ في الاعتبار تحولات صناعة الطاقة عالميا وتحديات الاقتصاد الكويتي، فضلا عن إيجاد بيئة حوكمة وهيكلة تجنّبان هذا القطاع صراعات وخلافات ومحسوبيات تكررت خلال السنوات الماضية، وانعكست سلباً على الأعمال والسياسات.

تحولات جوهرية

فعالم الطاقة اليوم يشهد تحولات جوهرية تمس عمق الصناعة النفطية التقليدية، ولم يعد التحدي متعلقاً بالنفوط غير التقليدية (الصخري ومنافسته لنظيره التقليدي)، بل أيضا في ظهور ما يعرف بـ"الوجه الأخضر" لكبريات شركات الطاقة التقليدية العالمية مثل رويال داتش شل وبي بي وتوتال، التي أعلنت قبل أشهر قليلة عن استثمارات ومشاريع ضخمة في قطاعات الطاقة المتجددة، وسط تنامي سياسات أوروبية -بالتوازي مع فوز جو بايدن بالرئاسة الأميركية- لاتخاذ إجراءات أشد من أجل حماية المناخ؛ كالضرائب البيئية على رحلات النقل والطيران، وإعادة تسعير الانبعاثات الكربونية، وتطوير الأجهزة الصديقة للبيئة، وإنشاء المدن البيئية الجديدة، في وقت ألغت فيه مؤسسة البترول الكويتية مشروعها الوحيد للطاقة المتجددة، وهو مشروع الدبدبة للطاقة الشمسية.

إنتاج وأبحاث

كذلك من المفيد أن تتسق عملية الدمج مع الدروس التي أفرزتها أزمة كورونا وأثرها على صناعة الطاقة النفطية حول العالم، وهو أمر يتجاوز تقنين المصروفات الرأسمالية للمؤسسة، التي أعلنت عنه مع بدء انتشار الجائحة في مارس الماضي، على الاقل من حيث مدى انتعاش الاقتصاديات العالمية بشكل يحفز زيادة الطلب على الطاقة من عدمه على المديين المتوسط والطويل، لاسيما في ظل تدني الطلب العالمي وتماسك الاسعار الهش بدعم من اتفاق "أوبك بلس" لتقليص الانتاج العالمي للحد من فائض المعروض عالميا من النفط الخام بسبب تداعيات فيروس كورونا على الطلب العالمي... وهذه معطيات تدعو لأن تدعم مؤسسة البترول نفسها -كعدد من الشركات العالمية- بقطاع للأبحاث والدراسات يدرس عوامل متنوعة مؤثرة على أسعار وكميات انتاج النفط والمشاريع؛ كاحتمالات تكرار الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في عهد بايدن، ودخول أميركا كمنافس لدول الخليج في الأسواق الاسيوية، ومنافسة النفط الصخري لنظيره التقليدي، ومدى تشكيل التوسع في الطاقة النظيفة تحدياً للطاقة التقليدية، فضلاً عن امكانيات التوسع في المشاريع والمنتجات والأسواق، ويكون خاضعاً لبيانات ومعلومات علمية ودقيقة... بمعنى أن دراسة المعطيات المستقبلية ستمنح القطاع النفطي مرونة أكبر في التعامل مع أي مستجدات وتحديات.

تناقض الاستراتيجيتين

في الشق المحلي، ثمة ضرورة أن يتسق مشروع دمج الشركات النفطية كأحد مشاريع استراتيجية 2040 مع توجه الدولة الاستراتيجي -المعلن على الأقل- بخفض نسبة الاعتماد على النفط في الاقتصاد، وهذه مسؤولية اساسية اكبر من اعمال مؤسسة البترول الكويتية، كونها اختصاصاً استراتيجياً للمجلس الاعلى للبترول، خصوصا انه سيتم استثمار ما يتجاوز 530 مليار دولار لتعزيز الإنتاج النفطي. وبغض النظر عن صحة توجه أي استراتيجية إلى زيادة الاعتماد على النفط أو خفض هذا الاعتماد؛ فإن من الواجب حسم أي من الاستراتيجيتين هي المعتمدة على مستوى الدولة، دون تناقض او معاكسة.

مراجعة العقود

كذلك من المهم أن يفضي الدمج إلى خلق فرص عمل جديدة للشباب الكويتي في القطاع النفطي، بالتزامن مع مراجعة جدوى ما يعرف بـ"عقود المقاولين" التي رفعت كلفة التشغيل في مشاريع القطاع، وخفضت من مهنية الشركات النفطية، وقللت فرص العمل الحقيقية للشباب الكويتي فيها، وبالتالي فإن دمج الشركات النفطية إن كان سيخفض الوظائف المتشابهة، لا سيما الإدارية في القطاع، فإن من نتائجه الضرورية لتقييم نجاحه خلق فرص عمل جديدة في قطاعات يعاد هيكلتها كالإنشاء والمقاولات والحفر والإنتاج، أو في قطاعات مستحدثة كالطاقة المتجددة او البيئة او الابحاث وغيرها.

كما لا يجب إضاعة فرصة أن تؤدي عمليات دمج القطاع النفطي لحوكمة في أعمال المؤسسة والشركات التابعة، بحيث يتخلص هذا القطاع مما تعاقب عليه من محسوبيات وشللية وخلافات لا علاقة لها بمهنية العمل او تطوير الأداء.

شكل وعمق

لا شك أن فكرة دمج الشركات النفطية في شكلها العام مجدية، لكن الجدوى الحقيقية ستكون فيما تنتجه هذه العملية على فلسفة القطاع النفطي بشكل عام، بما يتجاوز مجرد تقليص المصروفات أو التنظيم الاداري البسيط، إلى مواكبة تطورات سوق الطاقة العالمي والاتساق مع احتياجات الاقتصاد المحلي، وعندها فقط يكون الدمج ناجحاً في الشكل والعمق.

محمد البغلي